طنجة والسطو المسلح على الأبناك.. حكايا لصوص "أبدعوا" في مخططاتهم الإجرامية حتى اقتربت من سيناريوهات الأفلام
لا يُعرف على وجه الدقة سبب احتكار مدينة طنجة لأكبر عدد من محاولات السطو على الوكالات البنكية، وإن كان الكثيرون يتداولون اليوم، ساخرين، تفسيرا مفاده تأثر الطنجيين بمجريات مسلسل "كاسا دي بابيل" الإسباني، فإن المؤكد هو أن علاقة المدينة بهذا النوع من الجرائم أقدم حتى من جزئه الأول، بل إن طنجة كانت مسرحا لعمليات سرقة بقيت عالقة في أذهان الناس لدرجة أن منهم من يرى في بعضها مشروعا لفيلم أو مسلسل مثير.
وعادت هذه "الظاهرة الإجرامية" لتفرض نفسها مرة أخرى هذا الأسبوع، بعدما تحولت المدينة إلى مسرح لعمليتي سطو خلال يومين متتاليين، الأولى جرت أمس الاثنين حين سطت عصابة على ناقلة أموال ولا زالت تفاصيلها "المبتكرة" تثير الحيرة إلى الآن، والثانية تمت اليوم الثلاثاء، واستهدفت وكالة تأمينات، لكن منفذيها، وعلى عكس سابقيهم، خرجوا منها خاليي الوفاض إلا من فضيحة قد تلاحقهم مدى الحياة، لأن الحديث يدور عن أن كاميرات المراقبة قد التقطتهم.
لصوص على متن "تاكسي"
عملية أول أمس الاثنين، التي استهدفت شاحنة لنقل الأموال كانت متوقفة أمام وكالة بنكية على الطريق الوطنية رقم 2 قرب منطقة "السوريين"، أحيت علاقة طنجة بعمليات السطو الغريبة والمبتكرة، فاللصوص لم يكلفوا نفسهم الكثير من العناء، وإنما ترصدوا الناقلة عند إخراجها للأموال من الوكالة، وهاجموا أحد الناقلين ليجبروه على تسليمهم أكياسا من النقود يبلغ إجمالي ما كان فيهم مليونا و600 ألف درهم حسب المتداول.
لكن المثير أكثر في هذه العملية هو الطريقة التي ابتكرها اللصوص للفرار والنجاة من تعقب الشرطة، حيث تحركوا على متن سيارة أجرة جعلت مطاردتهم أمرا صعبا، رغم أنهم نفذوا خطتهم في واضحة النهار، وحسب المعطيات المتوفرة إلى حدود اللحظة، فإن الأمر كان يتعلق بسيارة شخصية صُبغت بألوان "التاكسي" حتى لا يلاحظها أحد، بل إن سائقها نفسه، والذي توصلت الشرطة إلى هويته المحتملة، ليس سائقا مهنيا.
سطو بالرصاص الحي
لكن عملية الأمس لا تقترب حتى من مزيج الغموض والإثارة والرعب الذي خلفته جريمة سطو أخرى جرت في فبراير من سنة 2014، حين هاجم ملثمون سيارة لنقل الأموال بالقرب من وكالة بنكية في شارع فيصل بن عبد العزيز، وكان المهاجمون حينها يحملون أسلحة نارية ولم يتردد أحدهم في إطلاق النار صوب ساق أحد حراس الأمن، قبل أن يلوذ الجميع بالفرار ليختفوا عن الأنظار رغم أن الجريمة وقعت نهارا.
وتحولت طنجة حينها إلى منطقة استنفار، حيث جرى نشر السدود الأمنية على الطرق المؤدية إلى خارج المدينة وشاركت مروحية في تعقب "السيارة السوداء" التي ستصبح منذ ذلك اليوم المطلوب الأول لرجال الشركة ورمز الغموض في أحاديث المقاهي التي نشرت حولها شائعات تكاد تتحول إلى أساطير، لكن كل محاولات حل اللغز باءت بالفشل.
وكان على الشرطة أن تنتظر عاما ونصف العام، وتحديدا إلى غاية حدوث محاولة سرقة مشابهة على وكالة بنكية بحي "فال فلوري"، والتي انتهت بالفشل هذه المرة، لكنها كانت بداية الإمساك بطرف الخيط الذي سيسقط "مخلص" ومن من معه في غشت من سنة 2015، والوصول إلى "السيارة السوداء" التي كانت تختبئ في مزرعة بطريق تطوان، وبعدها بدأت تنكشف علاقة العصابة بالعديد من جرائم سرقة الأموال والسيارات، وحتى القتل وتهريب الأسلحة النارية المفككة من بلجيكا إلى المغرب.
عصابة من "المنقبات"
ومن بين عمليات السطو المسلح التي لا تخلو من "إبداع" التي شهدتها مدينة طنجة، تلك التي حدثت في ماي من سنة 2016، حين فوجئ موظفو وكالة بنكية توجد بحي "البرانص" بدخول "سيدة منقبة" ما لبثت أن استلت سكينا كبيرا وقنبلة غاز مسيل للدموع، لتطالبهم بتسليمها ما بحوزتهم من أموال إن أرادوا نجاة بأنفسهم من الموت، وهو ما استجابوا له بالفعل مسلمين إياها مبلغا ماليا قدره 300 ألف درهم، قبل أن تختفي بسرعة من عين المكان.
واتضح فيما بعد أن الأمر لم يكن يتعلق بـ"منقبة" واحدة وإنما بفريق من "المنقبات"، بل إن العصابة لا تتكون أساسا من نساء، وإنما من رجال متنكرين في هيئة سيدات حتى يتمكنوا من إخفاء هوياتهم دون إثارة الشكوك، وقاموا بتقاسم الأدوار بشكل دقيق حيث ظل بعضهم يراقبون الوكالة إلى حين خروج حارس الأمن منها متجها إلى ملبنة لاقتناء وجبة الفطور، وظل آخر يراقبه على طول الطريق مخافة حدوث مفاجأة، فيما تولى العنصر الأخير الاقتحام والتنفيذ.
سطو يتحول إلى "بطولة"
لكن "الأشرار" لم يكونوا دائما أبطال عمليات السطو المسلح على وكالات الأبناك بطنجة، إذ إن إحداها كان يقف وراءها شاب كسب تعاطف الجميع حتى عناصر موظفي البنك وعناصر الشرطة، ويتعلق الأمر بعملية حدثت في أبريل من سنة 2019، حين اقتحم شاب وكالة بنكية مستخدما سكينا لتهديد الموظفين، لكن حارس الأمن تمكن من احتجازه داخلها قبل أن تحضر الشرطة وتعتقله، ليتضح أن الشاب بدون سجل إجرامي، وأنه كان يريد مالا لعلاج والده المصاب بالسرطان.
ورغم أن الشاب لم ينجح في خطته، إلا أن الكثير من المواطنين تحركوا لمساعدته والده الذي جرى نقله للعلاج بمركز متخصص في مدينة سلا، في حين كان القضاء رحيما بالمهاجم حيث حكم عليه بالسجن 3 سنوات مستحضرا ظروف التخفيف ثم استفاد من تخفيض عقوبته إلى سنتين فقط، خرج بعدها ليقابل والده مرة أخرى، لكن الأقدار أبت إلا أن تفرقهما مجددا، حيث غادر هذا الأخير إلى دار البقاء بعد أيام من ذلك.