"علاش مُورَال المغاربة طايح".. قراءة سيكولوجية وسياسية واجتماعية للظاهرة

 "علاش مُورَال المغاربة طايح".. قراءة سيكولوجية وسياسية واجتماعية للظاهرة
الصحيفة - حمزة المتيوي
الثلاثاء 3 شتنبر 2019 - 12:00

إحباط ويأس وخوف من المستقبل، ثم انتحار أو تطرف أو هجرة سرية.. كلمات تلخص حالة من "فقدان الأمل العامة" التي تستبد بالمغاربة، والتي تظهر من خلال دردشة خفيفة مع مواطن مغربي، شابا كان أو كهلا أو متقدما في العمر، في مدينة كبرى كان يقطن أو في مدينة صغيرة أو في هوامش المغرب المنسي، وتؤكدها أيضا الأرقام الرسمية. ففي دراسة لوزارة الصحة سنة 2017 اتضح أن 48 في المائة من المغاربة يعانون من "اضطرابات نفسية".

وفي ظل تنامي هذه الحالة واستبدادها بالكثير من المغاربة وتضييعها فرصا ثمينة للتنمية على بلد لا زال غارقا في محاولات "إصلاح" منظومات التعليم والصحة والتشغيل والعدالة، يحاول موقع "الصحيفة" فهم أسباب ما يجري ومعرفة المتسببين فيه، وسبل الخروج من عتمة اليأس إلى نور الأمل، من خلال تحليلات وقراءات سيكولوجية وسياسية اجتماعية.

استبداد اليأس

لن يكون صعبا على أي مواطن مغربي إيجاد نماذج حية لوضع "اليأس العام" المنتشر في المغرب، من خلال جولة بسيطة في محيطه المجتمعي ومن خلال مراقبة السلوكيات المتوترة والعنيفة أحيانا في العديد من الفضاءات العامة والخاصة.

ويرى الدكتور جواد مبروكي، الطبيب والمحلل النفسي، في حديث مع موقع "الصحيفة" أن "كل ما نراه في الشارع هو مرآة عاكسة لنفسية المواطن والمجتمع، فكل هذا الإجرام البشع والاغتصاب المسجل بالفيديو والعنف ضد المُعلم.. هو تعبير عن سوء الحالة النفسية للمواطن، وكأن المجتمع يؤذي ذاته بنفسه أو أنه نوع من الانتحار البطيء".

جواد مبروكي: طبيب ومحلل نفسي

ولا يعتبر مبروكي هذا الأمر "مجرد شعور بالصدفة أو بالمناسبة، بل هو نتيجة عدة عوامل واقعية تجعلنا نشعر بالأمل أو باليأس، ولما نرى ما يجري في مجتمعنا من تناقضات، ونلاحظ أن طرفا يجر للرجوع إلى القرون الوسطى فيما طرف آخر يدفع بسرعة صاروخية نحو العصرنة، يجد المواطن نفسه ممزقا"، متسائلا كيف لهذا المواطن "أن يشعر بالأمل لما يرى حالة التعليم وحالة الصحة وظروف عيشه، رغم صبره وانتظاره على الوعود الحكومات؟ لذا في النهاية يدرك الواقع ويرى أن المستقبل السعيد لا زال بعيدا وربما مستحيلا".

أما الناشط الحقوقي والسياسي، خالد البكاري، فيرى أن "حالة الإحباط المتنامية داخل المجتمع المغربي، والتي توجد مؤشرات دالة عليها، كما نجدها حاضرة في تقارير دولية معتمدة تخص الحالة بالمغرب، راجعة لخيبة الأمل المتولدة من الفجوة الكبيرة بين الانتظارات والواقع".

وأورد البكاري "لنتذكر ثلاثة محطات فارقة في التاريخ الراهن للبلد: حكومة التناوب بقيادة اليوسفي، ثم تولي الملك محمد السادس الحكم، وأخيرا وصول حزب العدالة والتنمية للحكومة، في هذه المحطات الثلاث كان يتم تغذية الأمل بالقطع مع الماضي وفتح صفحة جديدة، فكانت الانتظارات تكبر، إلا أن المحصلة تكون دائما بعيدة عن الانتظارات، ولا تتناسب مع حجم تحمل المواطنين لتكلفة السياسات الاجتماعية والاقتصادية من دخلها الفردي وقدرتها الشرائية، حتى وصلنا لمرحلة يكاد فيها ادخار الأسر أن يكون منعدما". 

خالد البكاري: ناشط سياسي وحقوقي

وخلص المتحدث إلى أن "هذه الفجوة بين الانتظارات والواقع، يوازيها للأسف، غياب أي عرض سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي جديد مقنع ومحفز للأمل، ولذلك فالحديث عن نموذج تنموي جديد لم يلاقي أي صدى لدى المواطنين، باعتباره يكرر نفس الأساليب، وستكون العاقبة غير محمودة إذا تكررت نفس الوجوه كذلك".

مسؤولية الدولة

يعتبر الدكتور مبروكي أن اختلاف الأجيال أيضا له تأثير على الواقع الراهن، "فجيل الخمسينات والستينات رغم انتظاراتهم وآمالهم يرون أن الحاضر ليس أفضل من السابق، أما جيل الانترنيت فأدرك حقيقة العالم وحقيقة الديمقراطية والحرية والكرامة، ولم يعد يصبر للتغيير، حيث يريد كرامة العيش عاجلا ولا يريد ارتكاب نفس أخطاء الجيل السابق، أي أنه لا يريد أن ينتظر 50 و60 سنة ليحصل التغيير، ولهذا غاب الأمل عنده وبدأ في التدمير الذاتي من داخل المجتمع مثل سرطان ينمو بسرعة كبيرة".

ويضيف مبروكي أن المغاربة "فقدوا الثقة في الحكومات وخصوصا بعد خيبة أملهم في الحكومة الحالية، وهو يأس مشابه ليأس المريض المكتئب الذي يرفض زيارة الطبيب لأنه يعتقد أن هذا الأخير لن يغير شيئا من حالته ما دام لن يغير أسباب اكتئابه"، موردا "لا يجب أن ننسى أيضا أن الديماغوجية لم تعد تنفع مع الجيل الشاب لأنه يتنفس بالانترنت ويرى كل ما يقع في بقاع العالم ويرى كل التجارب وما نجح منها وما لم ينجح، لقد أدرك هذا الجيل الشاب كل التلاعبات السياسية والديماغوجية".

ويتابع الخبير في التحليل النفسي قائلا "لا يفهم لماذا لا يتم التشاور مع هذا الجيل لإيجاد الحلول المناسبة له حيث أنه هو المستهدف وهو الذي يعيش ظروفه الخاصة به، ومنطقيا لا أعلم كيف سيتمكن أحد وراء مكتبه من العثور على الحلول بدون المشاورة مع المعني بالأمر، فأنا على يقين أن الحلول توجد في الأرضية التي يرسمها الشباب وليس داخل الإدارات".

أما خالد البكاري فقال في حديثه لـ"الصحيفة" إن "المسؤولية تتقاسمها الدولة والأحزاب، ولكن مسؤولية الدولة تبقى هي الأكبر، باعتبار أنها هي التي حمت ورعت ثلاثة عناصر اعتبرها هي التي تقود البلد إلى فشل كل اختياراته، وإنه مادامت هذه العناصر مستمرة، فلا يمكن توقع نجاح أي مخطط كيفما كان".

ووضع الناشط اليساري في مقدمة هذه العناصر "زواج السلطة والثروة، والذي يتحكم حتى في الاختيارات الاقتصادية الكبرى والسياسات الخارجية كذلك" أما العنصر الثاني فهو "حماية الريع الذي تستفيد منه أوليغارشيات كبرى ليس من مصلحتها أي نزوع نحو العدالة الاجتماعية والمجالية، وللأسف فالريع أصبح ثقافة مجتمعية، ومنتوجا يكثر الطلب عليه حتى في أوساط الطبقة المتوسطة وما دونها" أما العنصر الثالث فهو "التحكم في الحقل السياسي، مما يجعل اللاعبين فيه هم الذين إما تم تطويعهم او تم استنباتهم، وبالتالي لا يقود العمل السياسي من داخل المؤسسات إلى التأثير في الاختيارات الكبرى".

انعكاسات وخيمة

ويبدو انعكاس حالة فقدان الأمل واليأس العام واضحا من خلال عدة ظواهر مأساوية يشهدها المغرب، وهو ما يشير إليه الدكتور المبروكي، الذي اعتبر أن ظواهر مثل الانتحار والتطرف الديني والهجرة السرية تمثل "أعراض الاكتئاب الحاد عند المجتمع، بل يمكن القول إننا أمام مجتمع مقبل على الانتحار".

ولا يذهب البكاري بعيدا عن هذا التوصيف السيكولوجي، فإن كان يرى أن هذه الظواهر "لا يمكن ردها لعامل واحد، ولذلك نجد مقاربات متنوعة في تفسيرها كون أن بروفايلات المنتحرين مثلا ليست متجانسة"، إلا أنه يعتبر أن "ارتفاع نسبة الشباب الملتحق ببؤر التوتر وتزايد أعداد المهاجرين بطرق غير قانونية، وحالات الانتحار المتصاعدة، تجد تفسيرها في غياب الأمل واليأس أيضا، الذي كما قد يقود للانتحار المألوف يقود لأشكال أخرى من الانتحار كالتطرف والهجرة عبر قوارب الموت، حيث يتساوى خيار الموت بخيار إمكانية استئناف حياة أخرى في جنة الخلد أو الإلدورادو الأوروبي".

هل بدأ "العلاج"؟

ولا يبدو أن الدولة، من أعلى رأس هرم السلطة مرورا بالحكومة والمؤسسات المنتخبة، غافلة عن هذا الواقع، وهو ما يؤكده بجلاء الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى 20 غشت العام الماضي، عندما تحدث الملك عن أن الشباب لا يفكر في الهجرة إلا لأنه لا يجد عملا، داعيا الحكومة والفاعلين لاتخاذ مجموعة من التدابير، في أقرب الآجال، من أجل "وقف نزيف الكفاءات"، قبل أن يخلص إلى أن "قضايا الشباب لا تقتصر فقط على التكوين والتشغيل، وإنما تشمل أيضا الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحي".

غير أن خالد البكاري لا يعتقد أن الخطب الملكية الأخيرة "التي تحمل ضمنيا الاعتراف بالأخطاء"، على حد وصفه، يمكن أن تعتبر "مدخلا للتغيير، فلقد تواترت تشخيصات ومن مؤسسات رسمية تحمل كفاية تشخيصية أقوى حتى مما ورد في الخطب الملكية، ولكن ظلت حبيسة الرفوف، مثل تقرير الخمسينية، وتقارير المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، وتقارير المندوبية السامية للتخطيط، فضلا عن تقارير دولية مثل تقارير البنك الدولي، وتقارير الأمم المتحدة الخاصة بالتنمية البشرية، ولكن كل هذه التشخيصات التي كانت تدق أجراس الخطر، لم يكن لها أي انعكاس في السياسات المتبعة بفعل الكوابح التي تحدثنا عنها آنفا".

أما جواد مبروكي فيعتبر أنه "لا يمكن لجهة ما أو شخص ما أو حزب ما أن يقدم وحده حلولا للواقع الراهن، لأن الحل يأتي بعد عمل جماعي بشراكة مع كل شرائح المجتمع، فأينما نجد المشاكل نجد حلولها في نفس المكان وليس في مكان آخر، إذ لن نصلح مشكل محرك السيارة بالبحث في محرك الطائرة"، يضيف المحلل النفسي.

سبل الخروج من المأزق

"لا يمكن أن نعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة في ظل الكوابح القاتلة للأمل والمبادرة وتنمية الثروة الوطنية وتقليص الفروق الطبقة"، هكذا يجزم البكاري، الذي يرى أن هذه الكوابح تتجلى في "الجمع بين السلطة والثروة، وحماية الريع وتغذيته، والتحكم في المجال السياسي" قبل أن يخلص إلى أنه "دون عرض سياسي واقتصادي واضح ينطلق من تحرير المجالين السياسي والاقتصادي تحريرا حقيقيا، بما يجعل المسؤولية مقترنة بالمحاسبة فعلا لا قولا، وبما يجعل اقتصاد البلد بعيدا عن تحكم الريع والاحتكار وقتل المنافسة، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة تغذي الإحباط والكفر بالمؤسسات".

ومن جهته يرى مبروكي أن "الشارع هو ساحة لعرض المشاكل، وفي الشارع نرى كل شرائح المجتمع من حيث السن والمهنة والمال والجنس والعرق واللغة، وبالتالي ففي الشارع أيضا نجد الحلول"، ليشرحَ رأيه هذا بالقول "لا بد من المشاورة مع جميع طبقات المجتمع، أي مع المعنيين بالأمر، وهناك تجارب كثيرة في العالم لإيجاد حلول لمثل هذه المشاكل كما حدث في فرنسا وألمانيا، حيث كانت هناك في ضواحي المدن الكبرى فرقٌ تشتغل على الأرضية ذاتها مع الشباب للمشاورة وإيجاد الحلول المناسبة لظروفهم".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

النظام الجزائري.. ووهم القوة !

صَرَف النظام الجزائري ما يزيد عن 350 مليون دولار عن استعراض عسكري دام ساعتين بمناسية الذكرى 70 لـ"الثورة الجزائرية". كل هذا المبلغ الضخم صُرف من خزينة الدولة، فقط، ليرسخ صورة ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...