على حساب العلاقة المتوترة للرباط مع باريس.. إسبانيا على بُعد خطوة "صغيرة" من انتزاع الشريك التجاري الأول للمغرب من فرنسا
تقترب الجارة الشمالية إسبانيا، من سحب بساط الريادة من فرنسا باعتبارها الشريك التجاري الأول للمغرب، وذلك بفضل العلاقات المتميزة بين المملكتين في العامين الأخيرين اللذين أعقبا تغيير مدريد لموقفها التقليدي من قضية الصحراء، الأمر الذي منح زخما انعكس إيجابا وبشكل غير مسبوق على تعاونهما الاقتصادي والتجاري مقابل "تدهور" العلاقات المغربية مع باريس.
وتقف مدريد على بعد خطوة صغيرة، من انتزاع عرش الشريك التجاري الأول للمغرب، لتُعيد بذلك سيناريو 2013، عندما استحوذت وقتها بالفعل على مكانة فرنسا الذي رابطت فيها لعقود، وذلك بفضل الاتفاق المبرم بين رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز والملك محمد السادس، التي انعكس إيجابا عل العلاقات الثنائية وأسفر عن توقيع العديد من اتفاقيات التعاون، خاصة المعاهدات الأكثر فائدة في إطار رابح رابح مع قطاع الأعمال والمال والاستثمارات.
وقال جاومي ريفير، رجل الأعمال الإسباني الذي يعيش في الرباط منذ عقد من الزمن، لصحيفة " EL ESPAÑOL-Invertia"، إن العلاقات المتميزة بين المملكتين عبّدت الطريق أمام الشركات الإسبانية لتكون مسؤولة عن جميع مشاريع الهيدروجين الأخضر أو الطاقة المتجددة بشكل عام، حيث صارت لهم الأفضلية بدلا للمشاريع التي كانت فرنسا تنفذها".
وخلص الاجتماع الأخير رفيع المستوى الذي عقد في فبراير الماضي، إلى توفير مناخ مهم وخاص للشركات الإسبانية لتكون حاضرة في المشاريع الاستراتيجية في المغرب، على غرار محطة تحلية المياه في الدار البيضاء، والتي تم منحها لتحاف يضم شركة "أكسيونا" الإسبانية بقيمة استثمار تصل إلى 800 مليون أورو، كما أن شركة الطاقة الإسبانية في الوقت الحالي ولجت عملية الاختيار لتصميم وتمويل وبناء وتشغيل وصيانة المحطة الثالثة لمجمع نور ميدلت للطاقة الشمسية.
وبحسب ما نقلته الصحيفة الإسبانية عن رجل الأعمال جاومي ريفير، فإن المغاربة باتوا يسهلون على الإسبان الحصول على هذه المشاريع إذ أنه: "توجد رغبة في بتوفير ضمانات للشركات الإسبانية تمكنهم من خلالها الفوز في المعركة ضد الشركات الفرنسية"، خصوصا وأنه لم يُعقد الاجتماع رفيع المستوى مع فرنسا هذا العام كما كان مخططا له، كما أن الملك محمد السادس لم يستقبل أو يلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون".
وفي زيارته الأخيرة للرباط، منتصف الشهر الجاري، التقى وزير الشؤون الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، مسؤولين حكوميين ورجال أعمال مغاربة، حيث أكد أن العلاقات الاقتصادية الثنائية "ممتازة جدا وتستمر في وتيرتها التصاعدية" بتحقيقها رقما تاريخيا لأول مرة ببلوغ 20 مليار أورو في عام 2022، وهو ما يعني تضاعف حجم المبادلات بين البلدين.
ويعد المغرب، السوق الثالث لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كما أنه المورد العالمي الثالث عشر، وتجاوزت الصادرات الإسبانية إلى الرباط 10.000 مليون أورو سنة 2022، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 12.7 في المائة، مقارنة بالسنة السابقة و28.2 في المائة مقارنة بعام 2019، كما ارتفعت الواردات من المغرب، من 6.962 مليون أورو سنة 2019 إلى 8.096 مليون سنة 2022، وهو ما يمثل زيادة زيادة قدرها 16 في المائة.
ويعتبر المغرب الوجهة الأولى للاستثمارات الإسبانية في إفريقيا، إذ يقارب رصيده من الاستثمارات 2000 مليون أورو، ويوفر 19915 منصب شغل، كما أصبح منذ عام 2017 إحدى دول PASE (دول العمل القطاعي الاستراتيجي)، نظير اهتمامه الخاص بصناعة السيارات والطاقة والزراعة وصناعة الأغذية، وقطاعات أخرى مثل التكنولوجيا الصناعية والسياحة والنقل بالسكك الحديدية والطاقات المتجددة ودورة المياه المتكاملة.
وفضلا عما سبق، يعتبر المغرب بلدا ذا أولوية في استراتيجية Horizon Africa، التي تسعى إلى دعم تدويل الشركات الإسبانية في السوق الإفريقية وتعزيز الحضور الإسباني المتنامي والقوي في القارة، ولهذا السبب، تحاول الإدارة الإسبانية تشجيع عمليات التصدير والاستثمار في الرباط، ومن هنا جاءت الاتفاقية الموقعة بين كوفيدس والصندوق السيادي المغربي إثمار كابيتال للتعاون في استثمارات جديدة، وهذا البروتوكول المالي سيضاعف القدرة على تنفيذ مشاريع جديدة في المملكة من قبل الشركات الإسبانية، بقيمة إجمالية تصل إلى 800 مليون أورو، خصوصا وأنه يعطي الأولوية على وجه التحديد لسلسلة من القطاعات، على غرار الطاقة والمياه والنقل والخدمات اللوجستية وصناعة الأغذية الزراعية والابتكار.