"عُش الدبابير".. هل أصبحت "الجزيرة" القطرية قناة لتصريف و"تطبيع" العداء الجزائري تجاه المغرب؟

 "عُش الدبابير".. هل أصبحت "الجزيرة" القطرية قناة لتصريف و"تطبيع" العداء الجزائري تجاه المغرب؟
الصحيفة من الرباط
الأحد 4 يونيو 2023 - 12:00

لم تعد التدوينات التي تهاجم المغرب، من طرف إعلاميين جزائريين مقيمين في قطر، والردود المغربية عليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أمرا مُستغربا في الوقت الراهن، وإن كان المستغرب هو كيف أن مؤسستين مثل شبكة "الجزيرة" وشبكة "بي إن سبورت" المملوكتان للدولة هناك، لم تستطيعا إلى الآن نزع فتيل هذا الصراع الذي بدأه إعلاميون جزائريون واستمر في تغذية نيرانه المعلق الجزائري حفيظ دراجي.

لكن موضوع مغادرة الصحافي المغربي عبد الصمد ناصر لشبكة الجزيرة، قد يكون منعطفا حاسما، ليس فقط على مستوى العلاقة بين اللوبيات داخل شبكات الإعلام القطري، وإنما أيضا في علاقة الرباط بالدوحة، خصوصا بعدما ثبتت رواية النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي تحدثت عن أن الأمر يتعلق بإقالة مردُّها رفض ناصر سحب تغريدة يدافع فيها عن النساء المغربيات.

تلويح بـ"إجراء رادع"

واختار الصحافي المغربي الذي ظهر مع الجزيرة منذ بداياتها الأولى سنة 1997، عدم تقديم أي تصريح حول أسباب الانفصال، وفق ما أكده للصحيفة في اتصال سابق، في حين اكتفت الشبكة القطرية من جهتها ببعث رسالة قصيرة إلى باقي العاملين تخبرهم فيها بمغادرة زميلهم المغربي مع كلمة شكرٍ له، دون أي توضيح حول دوافع إقالته من مهامه.

ومع ذلك، فإن المجال ليس متروكا لكثير من التأويلات، لأن النقابة الوطنية للصحافة المغربية كشفت عن فحوى الرواية التي توصلت بها حول ما جرى، مبرزة أن ناصر بادر إلى نشر تغريدة على تويتر "يدافع فيها على شرف المرأة المغربية، بعدما تعرضت له من احتقار من طرف وسيلة إعلام جزائرية رسمية، والتي اتهمت الدولة المغربية بالاتجار بعرض وشرف نساء المغرب".

تغريدة الصحفي المغربي عبد الصمد ناصر التي تسببت في إنهاء عقده مع قناة "الجزيرة" القطرية

ووفق رواية النقابة، فإنه بعد نشر التغريدة، اتصل به مدير الأخبار بقناة الجزيرة يطالبه بصيغة الأمر بحذفها، وكان جواب ناصر هو الرفض، لأن الأمر يتعلق بحرية التعبير في فضاء غير ملزم للقناة، وإثر ذلك اتصل به المدير العام للقناة، واستقبله بمكتبه، وطالبه بحذف التغريدة أو تعديلها على الأقل، بما لا يُفهم منه إساءة إلى الدولة الجزائرية، وأنه في حالة الرفض سيكون "مضطرا لاتخاذ إجراء إداري رادع".

لكن الصحافي المغربي تمسك برفض التجاوب مع الطلب، والتأكيد على أن التغريدة تدخل في صميم ممارسة حرية التعبير في فضاء لا يعني قناة الجزيرة القطرية، وبعد وقت وجيز من هذه المقابلة أعلنت إدارة قناة الجزيرة عن قرار إنهاء التعاقد مع الإعلامي ناصر من جانب واحد، مما يعني "طردا تعسفيا" في حق صحافي مارس حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه خارج إطار وسيلة الإعلام التي يشتغل بها، وفق لغة النقابة.

ما الذي حدث بالفعل؟

الشيطان دائما يكمن في التفاصيل، وإذا كان ناصر قد أصر في تصريح سابق للصحيفة على عدم تحميل "وزر" إنهاء الرابطة المهنية بينه وبين الجزيرة لهذه المؤسسة، فإن ما وصل إليه الموقع عبر مصادره الخاصة يتحدث عن تفاصيل تطرح العديد من علامات استفهام، خصوصا وأن القرار اتُخذ رأسا من لدن مدير القناة الإخبارية، أحمد بن سالم السقطري اليافعي، ما يعني أن القرار كان "قطريا" في نهاية المطاف.

وعلى هذا الأساس، فإن المعطيات التي حصلت عليها "الصحيفة" تتطابق مع تلك التي جاءت في بلاغ النقابة الوطنية للصحافة المغربية بنسبة كبيرة، مع فارق واحد وأساسي هو أن المدير العام للشبكة، الجزائري مصطفى سواق، ليس له أي دور في ما حدث، وهو عمليا ليس جزءا من "اللوبي" الجزائري داخل القناة الإخبارية، ويتعلق الأمر بشخص يتولى مهاما إدارية بالدرجة الأولى على مستوى الشبكة ككل، كما أنه يحمل الجنسية البريطانية وغير مقرب من النظام الحاكم في الجزائر، ولا يحمل أي موقف سلبي من المغرب.

أما القرار فاتخذه القطري أحمد السقطري، بناء على تغريدة على حساب عبد الصمد ناصر على "تويتر"، تعقيبا على تقرير تلفزيوني على القناة العمومية الجزائرية أورد أن "المخزن جعل من المغرب مملكة للشر والفساد والرذيلة، دولة مخدرات لا تتوانى عن عرض أبنائها وبناتها في سوق السياحة الجنسية"، وجاء في نص التغريدة "هذا نموذج صارخ لفجور إعلام نظام الجزائر الرسمي، التلفزيون الجزائري الرسمي يهاجم المغرب بسفالة ويتهم الدولة المغربية بكل نذالة بالاتجار بعرض وشرف نساء المغربيا، أي فجور غير المسبوق هذا؟ وأي وضاعة هذه يا عديمي الأخلاق؟ بئس الإعلام إعلامكم الحقود وبئس ما تفعلون".

قرارُ السلطة القطرية

ورغم أن التغريدة نُشرت على الحساب الشخصي لناصر، وكانت رد فعل على تقرير استخدم لغة بعيدة عن المهنية في تصريف الحسابات السياسية للأزمة بين المغرب والجزائر، إلا أن الذي دخل على الخط مسؤول قطري، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام عن دوافع مدير قناة "الجزيرة" الإخبارية، فهل الأمر يتعلق بقرار فردي اتخذه شخص واحد كما قال ناصر نفسه في تصريحاته للصحيفة؟ وهل يمكن له أساسا أن يتخذ قرارا كهذا بأبعاد دبلوماسية دون الضوء الأخضر من سلطات بلاده خصوصا وأننا نتحدث عن شبكة مملوكة للدولة ويرأس مجلسها الإداري حاليا حمد بن ثامر آل ثاني، أحد أبناء عمومة أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني؟

ما يدعم هذا الطرح هو محاولات شخصيات قطرية نافذة الدفاع عنه، أحدها اللواء مبارك بن محمد الخيارين قائد القوات الجوية الأميرية السابق، الذي نشر صورة لناصر على حسابه في تويتر أسفلها تعليق "قناة الجزيرة تستغني عن المذيع المغربي عبد الصمد ناصر"، وأرفقها بتغريدة جاء فيها "لك الحق في الدفاع عن وطنك ولكن ليس بالأسلوب الشوارعي الذي غردت به وأسأت به لبلدك قبل الإساءة للجزائر ولزملائك في العمل، وهذا أسلوب لا يرقى إلى مستوى قناة الجزيرة التي تعمل بها"، مضيفا "حسنا فعلت الجزيرة ما فعلته معك، لأنه اتضح أن موقعك الفعلي الإعلام الأصفر".

تغريدة مبارك بن محمد الخيارين قائد القوات الجوية الأميرية السابق التي انتقد فيها الصحافي المغربي عبد الصمد ناصر بعد أن دافع الأخير عن بلاده المغرب

معطيات كهذه تدفع للتساؤل حول ما إذا كان قرار إقالة ناصر، الذي قضى في شبكة الجزيرة 26 عاما، وينتمي للجيل المؤسس بها الذي غطى أحداثا كبرى من بينها الربيع العربي وأزمة الدوحة مع جيرانها السعودية والإمارات والبحرين، يعني أن القطريين حسموا موقفهم من الأزمة المغربية الجزائرية وانتقلوا من محاولات لعب دور الوساطة إلى الوقوف في الصف الجزائري، خصوصا بعد زيارة تبون للدوحة في نونبر الماضي، ولقاءه أمير البلاد تميم بن حمد، ثم الرسالتين المتتاليتين اللتان توصل بهما الرئيس الجزائري بالأمير القطري في يناير وفبراير من العام الجاري.

الدوحة تفتح أبواب الجزيرة للرئيس الجزائري من اجل مهاجمة المغرب

إلى جانب كل ذلك تبرز شواهد أخرى تدعم هذا الطرح، فالجزيرة فتحت الأبواب على مصراعيها لتبون، وخصته بحوارين في ظرف أقل من عام ونصف، الأول في يونيو من سنة 2021، والذي جاء بعد "جفاء متبادل" على حد توصيف الرئيس الجزائري في الحوار نفسه، الذي بلغت مدته 27 دقيقة تقريبا، أما الثاني ففي أبريل الماضي ضمن برنامج - بودكاست "بعد أمس" ومدته 47 دقيقة، وفي كلا الحوارين كانت هناك نقاط مشتركة، جعلت قناعة تترسخ لدى الكثيرين ممن تابعوه بأن الأمر يتعلق بأسئلة مُفصلة على المقاس.

حوار الصحفي الجزائري عبد القادر عياض مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لصالح قناة الجزيرة القطرية

واختارت الجزيرة في الحوارين إيفاد مذيعين جزائريين، عبد القادر عياض في الأول وخديجة بن قنة في الثاني، هذه الأخيرة التي كانت في صدارة من استقبلهم تبون حين زار الدوحة قبلها بأشهر، وفي الحوارين معا أُتيح المجال لتبون لقول ما يريد بخصوص الأزمة مع المغرب وقضية الصحراء، دون مقاطعة أو متابعة تستحضر "الرأي الآخر" مُمثلا في موقف البلد الجار الذي يعتبر أن مسألة الصحراء تحديدا تتعلق بسيادته على جزء واسع من أراضيه بحكم الواقع والتاريخ والجغرافيا.

حوار الصحفية الجزائرية خديجة بن قنة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لصالح قناة الجزيرة القطرية وهو ثاني حوار في أقل من سنة ونصف، حيث هاجم المغرب وهدد بالدخول في حرب مع المملكة المغربية

وهكذا، مرر تبون عبر الجزيرة خطابا داعما لجبهة "البوليساريو" الانفصالية ولتحركات ميليشياتها المسلحة من تندوف، التي لا تستهدف بلادا آخر سوى المغرب، مرددا أن بلاده "لن تقبل بالأمر الواقع (في الصحراء) تحت أي ظرف"، في الحوار الأول، ثم في الحوار الثاني أورد أن "العلاقة بين الجزائر والمغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة" وأن موقف بلاده، القاضي بقطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية، ووقف تزويد جيرانه بالغاز الطبيعي "هو رد فعل".

تغريدات بمكيالين

ووسط كل هذا أصبحت منصات التواصل الاجتماعي المغربية تتداول تساؤلات حول ما إذا كان "اللوبي الجزائري" أضحى صاحب اليد الطولى داخل "الجزيرة"، لدرجة أن بعض المعلقين أصبحوا يصفونها بـ"الجزائرية"، فما جرى مع عبد الصمد ناصر تحديدا يستدعي عقد مقارنة بسيطة مع ما يحدث حين ينشر صحافيون جزائريون أو غير جزائريين من القناة نفسها تعليقات مسيئة إلى المغرب، إذ لم نسمع من قبل عن أن الإدارة طلبت منهم تعديلها أو حذفها أو أنها قررت فصلهم بناء على ذلك.

ففي 18 نونبر 2020، وبعد أقل من أسبوع على عملية الكركارات التي نفذتها القوات المسلحة الملكية ضد عناصر جبهة "البوليساريو"، نشرت بن قنة على تويتر "كل عام والشعب المغربي بخير بمناسبة عيد الاستقلال الذي يوافق هذا اليوم، 18 نونبر، وهو تاريخ يصادف الاحتفال بعودة الملك المغربي محمد الخامس من المنفى وإعلانه فورا استقلال مملكته الكاملة في عام 1956"، في إشارة إلى الصحراء ليست جُزءا من المملكة.

تغريدة الصحفية الجزائرية بقناة "الجزيرة" القطرية حول الصحراء

المذيعة الجزائرية نفسها ستكتب بعد افتتاح الإمارات العربية المتحدة قنصلية لها في الصحراء تجسيدا لاعترافها بالسيادة المغربية على المنطقة "الإمارات تفتتح قنصلية في مدينة العيون الصحراوية.. افتتاح قنصلية في مكان لا يوجد فيه مواطن إماراتي واحد، تراه الجزائر حسب مراقبين قريبين من السلطة أنح خطوة تهدف إلى محاصرة الجزائر في سياق التطبيع مع إسرائيل".

تغريدة الصحفية الجزائرية بقناة "الجزيرة" القطرية خديجة بن قنة حول فتح قنصلية إماراتية في مدينة العيون بالصحراء المغربية

ولا ننسى أيضا تغريدات المذيع الأردني ذي الأصول الفلسطينية، جمال ريان، الذي كتب ذات تغريدة "حيا الله النظام الجزائري، فهو بريء من الدم الفلسطيني، أما النظام المغربي فلا، هذا ما سيُسجله التاريخ"، بل ذهب أبعد من ذلك حين اتهم الرباط بالتورط في اغتيال صحافية الجزيرة شيرين أبو عاقلة، التي وثقت كاميرات القناة اغتيالها على يد قناص إسرائيلي، لدرجة أن عبد الصمد ناصر نفسه رد عليه قائلا "من العار والجهل أن تُوجه اتهامات طائشة للمغرب بالتورط في سفك دم أهلنا في فلسطين المحتلة، وتمكين الصهاينة بالمال والسلاح".

تغريدة الصحفي الأردني من أصل فلسطيني بقناة "الجزيرة" القطرية، جمال ريان، ينتقد فيها المغرب و"يحي" الجزائر

وهنا تبدو المفارقة، فإذا كانت "الجزيرة" تتيح للعاملين بها نشر ما يريدون على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك توجيه الاتهامات والسُباب للدول، ومعاكسة الموقف القطري الرسمي من بعض القضايا مثل دعمها العلني أمام الأمم المتحدة لمغربية الصحراء، فإن تغريدة ناصر تدخل في هذا الإطار، أما إذا كان العكس، فإن الكثيرين قبله كان يجب أن يُجبروا على حذف ما كتبوه أو أن يؤدي ذلك إلى إقالتهم.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

نعيش أحلك سنوات المغرب سياسيا

يوم الخميس، 13 مارس الجاري، قرر الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوسا، حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 18 ماي المقبل، وذلك بعد حجب الثقة عن رئيس الوزراء اليميني ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...