في أفق "معركة أكتوبر" داخل مجلس الأمن.. لقاء دبلوماسي مغربي روسي لترتيب أوراق ملف الصحراء

 في أفق "معركة أكتوبر" داخل مجلس الأمن.. لقاء دبلوماسي مغربي روسي لترتيب أوراق ملف الصحراء
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 5 يوليوز 2025 - 19:40

استقبل ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتين لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، أمس الجمعة، السفير المغربي لدى روسيا، لطفي بوشعرة حيث تم التباحث حول عدد من القضايا الثنائية والإقليمية، ضمن تحركات لافتة تأتي في سياق حساس إقليميا ودوليا، وقبيل أشهر قليلة فقط من موعد جلسة مجلس الأمن المرتقبة في أكتوبر المقبل، التي ستُخصَّص لمناقشة التمديد السنوي لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، وهذا التوقيت بالذات يمنح اللقاء أبعادا سياسية تتجاوز نطاق العلاقات الثنائية التقليدية، ويعيد طرح الأسئلة حول موقع روسيا في تفاعلات هذا النزاع الممتد، والذي أضحى محكا لاختبار توازنات القوى داخل المنظومة الأممية.

اللقاء الذي جمع نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتين لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، بالسفير المغربي، جاء، وفق ما أكدته وزارة الخارجية الروسية، في إطار مناقشة "قضايا عملية" تتعلق بتطوير العلاقات بين البلدين، التي وصفتها موسكو بـ"الودية والتقليدية"، غير أن قراءة خلفيات هذا اللقاء تُبرز أن المسألة لا تنفصل عن سياق أوسع، يطغى عليه استحقاق أكتوبر الأممي، وتزايد حدة التوترات المرتبطة بنزاع الصحراء، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي يعرفها العالم، وما تفرضه من إعادة تموقعات دبلوماسية مدروسة.

فروسيا، التي لطالما تبنّت خطابا حذرا ومتوازنا تجاه ملف الصحراء، تحاول، على ما يبدو، تثبيت أقدامها كلاعب دبلوماسي قادر على التوسط أو التأثير في مسارات الحل، دون أن تغامر بالاصطفاف الصريح مع أي طرف، وهو موقف يتيح لها الحفاظ على علاقات مستقرة مع المغرب، مع ما يمثله من بوابة استراتيجية نحو إفريقيا وأوروبا، وأيضا مع الجزائر، التي تشكل شريكا تقليديا في مجالات الطاقة والتسليح، لذلك، فإن اللقاء مع السفير المغربي لا يمكن قراءته إلا في ضوء سعي موسكو لتدبير توازن دقيق، في ظرفية تتسم بتعقيد إقليمي وتحديات دولية متصاعدة.

وإذ تؤكد الخارجية الروسية في بيانها الرسمي التزام موسكو بالمساهمة في تسوية الأزمات الإفريقية، ومن ضمنها الأزمات في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية ووفق قواعد القانون الدولي، فإن التشديد على "الدور المركزي للأمم المتحدة" في هذا الصدد، يعكس رغبة روسيا في الظهور كمناصر للشرعية الدولية، وكقوة داعمة للحلول التوافقية، وهو ما يصب بشكل غير مباشر في صالح المقترح المغربي للحكم الذاتي، الذي يحظى بدعم عدد متزايد من الدول، ويمثل في نظر الرباط الإطار العملي الواقعي لإنهاء النزاع.

اللافت أن اللقاء مع السفير المغربي تزامن مع لقاء مماثل أجراه بوغدانوف مع السفير الموريتاني، حيث تم التطرق بدوره إلى ملف الصحراء، ما يؤشر على وجود حراك روسي منسق لتقييم مواقف الفاعلين المباشرين في المنطقة، وربما لبلورة رؤية أكثر وضوحا قبيل النقاش المقبل في مجلس الأمن، فروسيا، وإن لم تكن من الدول "الصوتية" في هذا الملف، إلا أن مواقفها داخل مجلس الأمن – سواء عبر الامتناع عن التصويت أو عبر تقديم ملاحظات تقنية على بعض مشاريع القرارات – كثيرا ما تكون حاسمة في توجيه بوصلة التوازن داخل المجلس، لا سيما في ظل الاستقطاب المتزايد بين أعضائه الدائمين.

ولا يُفصل هذا الحراك، عن التصريحات السابقة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أكد خلال ندوة صحفية في يناير الماضي، أن بلاده "ملتزمة بمساعدة المغرب على إيجاد حل لقضية الصحراء"، مشددا على أن هذا الحل "لا يمكن أن يتم إلا بناء على توافق متبادل"، وهذه الرسالة التي لم تأت من فراغ، تعكس – ولو بحذر – انفتاحا روسيا على المبادرة المغربية دون التخلي عن خطاب التوازن، وتؤشر على رغبة موسكو في البقاء داخل مربع الوساطة المقبولة لدى الأطراف.

من جهة أخرى، فإن أهمية هذا اللقاء تتزايد بالنظر إلى المساعي المغربية الحثيثة لتعزيز زخم الدعم الدولي لموقفها، خاصة داخل مجلس الأمن، فالمغرب يدرك أن تمرير أي قرار يخدم مقاربته السياسية، ولو بشكل ضمني، يمر عبر هندسة دبلوماسية دقيقة تشمل العواصم الكبرى، وفي مقدمتها موسكو، التي لم تلتحق بعد بركب الدول الداعمة صراحة للحكم الذاتي، لكنها لا تعارضه أيضا، ما يجعلها شريكا مرنا يمكن مخاطبته بلغة المصالح المتقاطعة.

وفي السياق نفسه، يأتي هذا اللقاء في ظل استمرار الضبابية بشأن مستقبل مهمة المينورسو، في وقت تتصاعد فيه دعوات من أطراف معادية للوحدة الترابية المغربية إلى مراجعة مهام البعثة أو إقحام ملفات حقوق الإنسان في نقاش التجديد، وهو ما تعتبره الرباط تجاوزا غير مقبول، ومساسا بسيادتها، وهنا، تبرز أهمية كل تحرك دبلوماسي، وكل لقاء على هذا المستوى، كجزء من معركة التموقع الاستراتيجي داخل كواليس الأمم المتحدة، قبل أن تصل الملفات إلى قاعة مجلس الأمن.

ومما لا شك فيه، أن الحضور الروسي في هذا الملف، وإن ظل حذرا حتى الآن، إلا أنه يعكس إرادة موسكو في استثمار أي فرصة دبلوماسية قد تعيد لها بعضا من الحضور الدولي الذي تراجع بفعل الأزمة الأوكرانية والعزلة الغربية، فملف الصحراء، بما يتيحه من مساحات مناورة، يوفّر لروسيا فرصة لتحسين أوراقها التفاوضية على الساحة الدولية، وخاصة في علاقاتها مع العالم العربي والإفريقي، دون أن تخاطر بخسارة شركاء استراتيجيين مثل المغرب أو الجزائر.

في المحصلة، اللقاء بين السفير المغربي في موسكو والممثل الخاص لبوتين لا يمكن فصله عن دينامية أوسع تحركها حسابات الجغرافيا السياسية والرهانات الأممية المتسارعة، فهو مؤشر على أن المعركة الدبلوماسية حول الصحراء تدخل مرحلة جديدة من التفاعل متعدد المستويات، حيث لا تقتصر الأطراف الفاعلة على الميدان، بل تشمل أيضا القوى الدولية الكبرى التي تزن مواقفها في ميزان المصالح والتوازنات الدقيقة. وبين الرباط وموسكو، تظل قنوات التواصل مفتوحة، وتستند إلى رصيد من الاحترام المتبادل والطموح إلى شراكة متعددة الأبعاد، قد تجعل من روسيا يوما ما داعما أكثر صراحة للمقاربة المغربية، أو على الأقل ضامنا لحياد فاعل في محطات الحسم المقبلة.

"بغيتلك الحبس"!

في 30 مارس 2015، شارك مصطفى الرميد، في لقاء بالرباط نظمه مركز "مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط"، حول إصلاح منظومة العدالة في العالم العربي، والذي استحضر تجارب المغرب وتونس ومصر ...