في عز الأزمة العالمية للمياه: الذكاء الاصطناعي يستهلك مواردنا المائية

 في عز الأزمة العالمية للمياه: الذكاء الاصطناعي يستهلك مواردنا المائية
نجيب مصطفى كمالي
السبت 7 شتنبر 2024 - 23:58

بينما يتسارع العالم نحو تبني الذكاء الاصطناعي (AI) في كل مجال، من الرعاية الصحية إلى القيادة الذاتية، يبرز قلق بيئي متزايد غالبًا ما يمر دون انتباه: استهلاك الذكاء الاصطناعي الكبير جدا للمياه. وبينما يَعِد الذكاء الاصطناعي بتقديم خدمات مهمة فعلا في كل مجال تقريبًا، فإن بصمته البيئية أوسع مما يعتقده الكثيرون. فإلى جانب استهلاك الطاقة، أصبح استهلاك المياه المرتبط بأنظمة الذكاء الاصطناعي قضية ملحة تستحق الاهتمام.

العلاقة بين استهلاك الطاقة والمياه في الذكاء الاصطناعي

ترتبط العلاقة بين المياه والذكاء الاصطناعي بمراكز البيانات الهائلة التي تدعم هذه التقنيات. تتطلب نماذج الذكاء الاصطناعي، خاصة واسعة الانتشار مثل نموذج GPT الذي طورته OpenAI أو نماذج DeepMind التابعة لجوجل، موارد حوسبية ضخمة. توجد هذه الموارد في مراكز البيانات، وهي في الأساس مستودعات كبيرة مملوءة بالخوادم التي تعمل على مدار الساعة لمعالجة وتخزين وتحليل البيانات. وللحفاظ على هذه الخوادم من الحرارة الزائدة، تعتمد مراكز البيانات بشكل كبير على أنظمة التبريد التي تستخدم المياه في كثير من الأحيان.

يمكن لمركز بيانات نموذجي استهلاك ملايين اللترات من المياه يوميًا. على سبيل المثال، استخدم مركز بيانات جوجل في مدينة داليس بولاية أوريغون أكثر من 450 مليون لتر من المياه في عام 2021 لتبريد خوادمه. ولا يقتصر هذا الاستهلاك على نماذج الذكاء الاصطناعي فقط، ولكن الطلب المتزايد على القوة الحوسبية للذكاء الاصطناعي زاد من حدة المشكلة.

أمثلة واقعية لاستهلاك المياه بواسطة الذكاء الاصطناعي

تسببت مراكز البيانات في مناطق تعاني بالفعل من نقص المياه في توترات بين شركات التكنولوجيا والمجتمعات المحلية. في ولاية أريزونا، حيث قامت جوجل وغيرها من الشركات التقنية العملاقة ببناء مراكز بيانات، أعرب السكان عن مخاوفهم بشأن ندرة المياه. تعتبر ولاية أريزونا واحدة من أكثر الولايات جفافًا في الولايات المتحدة، وقد واجهت موجات جفاف شديدة في السنوات الأخيرة. استخدام المياه من قبل مراكز البيانات في مثل هذه المناطق يثير تساؤلات أخلاقية حول أولوية تخصيص المياه لتبريد الخوادم على حساب الاحتياجات الزراعية أو السكنية.

وعلى غرار ذلك، أثار مركز بيانات مايكروسوفت في كوينسي بواشنطن انتباه الجمهور عندما تم الكشف على أنه استخدم ما يصل إلى 1.7 مليار لتر من المياه في سنة واحدة. يعزى هذا الاستهلاك المفرط للمياه جزئيًا إلى الطلب المتزايد على الخدمات السحابية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مثل خدمة Azure التي تستضيف حلول الذكاء الاصطناعي للشركات على مستوى العالم.

استهلاك المياه خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي

يتطلب تدريب نموذج ذكاء اصطناعي موارد حوسبية ضخمة. ووجدت دراسة أجرتها جامعة ماساتشوستس في أمهيرست أن تدريب نموذج ذكاء اصطناعي واحد يمكن أن ينبعث منه قدر من الكربون يعادل خمس سيارات على مدار حياتها. يتزامن استهلاك المياه مع هذه الانبعاثات. فكلما كان نموذج الذكاء الاصطناعي أكثر تقدمًا، كانت عملية التدريب أكثر كثافة، وبالتالي زاد استهلاك المياه لتبريد الآلات المسؤولة عن هذه العمليات الحسابية.

على سبيل المثال، تطلب نموذج GPT-3 الذي طورته OpenAI ويحتوي على 175 مليار معلمة عدة أشهر من التدريب. ومن المرجح أن هذه العملية التدريبية استهلكت كميات كبيرة من المياه في مراكز البيانات المعنية، رغم عدم توفر أرقام دقيقة علنية. وقدّر الباحثون أن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات يساهم بجزء كبير في إجمالي استهلاك الطاقة والمياه، ومن المتوقع أن يزداد هذا العبء مع تعقيد النماذج.

الدراسات الأكاديمية وجهود الصناعة

ما تزال الدراسات المتعلقة بالتأثير البيئي للذكاء الاصطناعي في مراحلها الأولى، ولكن النتائج الأولية مقلقة. فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2020 من قبل باحثين في جامعتي ستانفورد وبيركلي أن مراكز البيانات حول العالم تستهلك حوالي 200 تيراواط / ساعة (TWh) من الطاقة سنويًا. يرتبط هذا الاستهلاك الكبير للطاقة باستهلاك المياه، حيث تعتمد العديد من محطات توليد الطاقة على المياه لتوليد الكهرباء وتبريد مرافقها.

لقد بدأت شركات التكنولوجيا في الاعتراف بالتحديات البيئية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، التزمت جوجل بتشغيل مراكز بياناتها باستخدام طاقة خالية من الكربون بحلول عام 2030. ومع ذلك، فإن هذا يعالج جزءًا فقط من المشكلة، حيث إن الطاقة الخالية من الكربون لا تقلل بالضرورة من استهلاك المياه. من جانبها، تعهدت مايكروسوفت بتقليل استخدام المياه في عملياتها، واستثمرت في تقنيات التبريد المبتكرة، مثل التبريد بالغمر السائل، والذي يمكن أن يخفف من الحاجة إلى أنظمة التبريد القائمة على المياه.

بالإضافة إلى ذلك، استكشفت بعض مراكز البيانات استخدام المياه العادمة المعاد تدويرها، أو ما يصطلح عليه "بالمياه الرمادية"، في أنظمة التبريد، مما يمكن أن يقلل بشكل كبير من الضغط على إمدادات المياه العذبة. لكن هذه الحلول ما تزال في مراحلها الأولى، ولم يتم اعتمادها على نطاق واسع بعد.

نظرة إلى المستقبل

مع استمرار الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في الصناعات، أصبح من الصعب تجاهل المقايضات البيئية المرتبطة به. ورغم أن الذكاء الاصطناعي يًعِد بفوائد لا حصر لها، بدءًا من إحداث ثورة في الطب إلى جعل النقل أكثر أمانًا، إلا أن استهلاك المياه المرتبط بهذه التقنيات المتقدمة لا يمكن إغفاله. وللتخفيف من التأثير البيئي، يتعين على شركات الذكاء الاصطناعي الاستثمار في حلول تبريد أكثر استدامة والعمل بشفافية أكبر فيما يتعلق باستهلاك المياه.

يجب على صانعي السياسات وقادة التكنولوجيا العمل معًا لتطوير استراتيجيات تُوازن بين الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي والحاجة الملحة للحفاظ على المياه. إذا تُرك استهلاك المياه المرتبط بالذكاء الاصطناعي دون مراقبة، فقد يصبح عاملًا آخر يسهم في تفاقم أزمة المياه العالمية.

في المرة القادمة التي نشيد فيها بقدرات الذكاء الاصطناعي، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار التكلفة الخفية: المياه التي تشغل هذه التكنولوجيا الثورية. كيفية إدارة هذه الموارد ستحدد مستقبل الذكاء الاصطناعي وكوكبنا على حد سواء▪

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

الخطيئة الكبرى للدولة

ما حصل بتاريخ 15 شتنبر 2024، حينما تدفق آلاف القاصرين على مدينة الفنيدق رغبة في الهجرة غير النظامية إلى سبتة المحتلة، هو انعكاس صريح على فشل منظومة تربوية وتعليمية بكاملها، وإخفاق مؤلم في ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...