قانون "التواصل الاجتماعي" يُجرم المقاطعة.. فعلى أيّ مَقاس تم تَفصِيله؟
منذ مساء أمس، لم تعد حالة الطوارئ الصحية التي فرضها وباء كورونا على المغرب هو الشغل الشاغل لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل عوضه القانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، الذي تسربت بعض من مضامين نسخته المصادق عليها من طرف الحكومة بتاريخ 19 مارس 2020، والتي تفرض عقوبات صارمة على دعوات مقاطعة البضائع.
وبدت هذه النصوص، التي أكدها مسؤولون حكوميون على الرغم من كونهم تحدثوا عن أن الأمر يتعلق بنسخة أولى سيجري تعديلها، (بدت) وكأنها فُصلت على مقاس المؤسسات البنكية والشركات التي سبق أن تعرضت لحملة مقاطعة قاسية سنة 2018 تمت الدعوة لها انطلاقا من منصات التواصل الاجتماعي، والتي تصدرت شركة "أفريقيا" للمحروقات المستهدفين منها، وهي ليست سوى إحدى شركات عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
الدعوة للمقاطعة "جريمة"
وعلى الرغم من أن الحكومة عجلت بالمصادقة على هذا المشروع في ظل انتشار الأخبار الزائفة المتعلقة بوباء "كوفيد 19"، ليبدو وكأن هذه الأخيرة هي التي استدعت ذلك، إلا أن العودة لمجموعة من مواده يظهر مراميه الأخرى وتحديدا عدم تكرار حملة المقاطعة التي استهدفت سنة 2018 شركات "أفريقيا" و"سيدي علي" و"سنترال دانون"، وهو ما يتضح بجلاء في المادة 14.
وتنص هذه المادة على أنه "يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 5000 إلى 50.000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك"، وهي العقوبة نفسها التي تفرضها المادة 15 على من قام "بحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها"، ما يعني "حماية" المؤسسات البنكية أيضا.
بل إن حماية الشركات من طرف هذا النص تمتد لتشمل أيضا استهداف الفيديوهات المشككة في جودتها وسلامتها، والتي ينشرها المستهلكون عادة عندما يتعلق الأمر بمواد غذائية فاسدة، فالمادة 18 تنص على أنه "يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 2000 إلى 20.000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديدا وخطرا على الصحة العامة".
"مراوغة" الحكومة
وتكشف هذه المواد أن البلاغ الحكومي الذي أعقب مناقشة المشروع والمصادقة عليه كان "مُراوغا"، إذ تفادى ذكر ما يتعلق بـ"حماية الشركات من المقاطعة"، حين أورد أنه "يستهدف سد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، من قبيل نشر الأخبار الزائفة وبعض السلوكات الإجرامية الماسة بشرف واعتبار الأشخاص أو القاصرين، خاصة في مثل الظرفية الحالية التي يعرفها العالم، وتعيشها بلادنا، والمرتبطة بتفشي فيروس كورونا".
وربطت هذه الوثيقة "ضمان حرية التواصل الرقمي" بشرط "عدم المساس بالمصالح المحمية قانونا والإحاطة بمختلف صور الجرائم المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، لاسيما تلك التي تمس بالأمن العام والنظام العام الاقتصادي ونشر الأخبار الزائفة والسلوكات الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي للأفراد، وكذا بعض الجرائم التي تستهدف القاصرين"، دون أن توضح ما إذا كانت تعتبر دعوات المقاطعة "مسا بالنظام العام الاقتصادي".
وكان واضحا أن هذا في هذا النص ما قد يؤدي إلى الكثير من الجدل، وذلك من خلال "إخفاء" هذه النسخة عن جميع المواقع الرسمية، بما في ذلك موقع وزارة العدل التي تولت صياغته وموقع الأمانة العامة للحكومة.
انتقادات من الرميد
وفي الوقت الذي فضل فيه وزير العدل محمد بن عبد القادر، الذي قدم مشروع القانون، عدم الخروج بأي توضيح إلى حدود الساعة حول التسريبات المتداولة، كسر وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد، الصمت الحكومي، قائلا على حسابه الرسمي في "الفيسبوك" إن "البلاغ الصادر عن المجلس الحكومي، عقب الاجتماع الذي تمت فيه مناقشة مشروع القانون 20.22، يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، بتاريخ 19 مارس 2020، تضمن ما يفيد أن المجلس صادق على المشروع، على أن تتم مراجعته على ضوء ملاحظات السادة الوزراء من قبل لجنة تقنية وبعدها لجنة وزارية".
وأضاف الرميد أن "هذا يعني أن الصيغة النهائية للمشروع هي التي ستتم إحالتها على البرلمان، وهي التي يمكن مناقشتها وقبولها أو رفضها، أما ما يتم تداوله حاليا من مضامين، فقد سبق الاعتراض عليه من قبل بعض أعضاء الحكومة، لذلك فإنها تبقى غير نهائية، ويبقى أي نقاش حول مواد بعينها سابق لأوانه".
ويعي الرميد جيدا صعوبة تمرير المواد المتضمنة في النسخة الأولى من هذا المشروع، وهو ما تؤكده مذكرته بهذا الشأن الصادرة بتاريخ 2 أبريل 2020، والتي حصل موقع "الصحيفة" على نسخة منها، حيث انتقد ضمنيا تلك المواد، واستغرب أن يتضمن المشروع فقرات تنص على أن تكون عقوبة الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات أكبر من العقوبة التحريض على ارتكاب جناية، مقترحا مراجعة حدي العقوبة بتقليصها، وعلى مستوى التجريم اقترح أن يبقى في حدود إعاقة ممارسة النشاط الاقتصادي.