قبلها كارثة كورونا والانتحارات.. جريمة حارس السجن تنضاف إلى محطات فشل التامك في تدبير سجون المملكة
لم يكن يبدو على متزعم الخلية الإرهابية التي جرى تفكيكها قبل أسابيع أي عناء وهو يقتل بدم بارد موظفا بالمؤسسة السجنية "تيفلت 2" التي كان يقبع بها في انتظار محاكمته، إذ أظهر فيديو الجريمة الذي التقطته إحدى كاميرات المراقبة داخل السجن والذي انتشر اليوم الأربعاء، أن الجاني طعن الضحية وجره نحو زنزانته بهدوء مستغلا عدم تقييده وغياب أي موظف آخر عن المكان، الأمر الذي أعاد طرح علامات استفهام كبيرة حول تدبير المندوب العام لإدارة السجون، محمد صالح التامك، للمؤسسات التي تضم مجرمين خطيرين.
وحسب ما أظهرته الكاميرات، فإن النزيل الذي كان قد اعتُقل خلال عملية جرت بمدينة تمارة شهر شتنبر الماضي والتي حضرها المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي بنفسه، كان سيُعاد إلى زنزانته من طرف الضحية حين فاجأ هذا الأخيرَ بطعنة في الرقبة بواسطة آلة حادة ما أدى إلى سقوطه فورا قبل أن يجهز عليه، لكن الغريب هو أن الحراسة التي وُضعت للنزيل وظروف تحركه لا تلائم حجم القضية التي يتابع فيها وسمعته الإجرامية التي كانت آخر فصولها مواجهة عناصر التدخل السريع أثناء القبض عليه.
كارثة كورونا
وتنضاف هذه الواقعة إلى سلسلة من الوقائع الخطيرة التي تحدث باستمرار داخل "سجون التامك"، والتي يكون ضحاياها سجناء أو موظفون، بالإضافة إلى تدبيره المثيل للجدل للعديد من الملفات الحساسة، بطريقة جعلت كفاءته محل شك بالنسبة للعديد من المراقبين خاصة على المستوى الحقوقي، كما جرى خلال جائحة كورونا مثلا، عندما تحولت العديد من السجون إلى بؤر للوباء ولم يجد حينها المدير العام لإدارة السجون من حل سوى منع السجناء من الاتصال بعائلاتهم.
ففي ماي الماضي وفي عز حالة الحجر الصحي التي قررتها الحكومة للمحاصرة تفشي جائحة كورونا، احتج العشرات أمام سجن "طنجة 1" المعروف بـ"سات فيلاج" بسبب وفاة غامضة لأحد المسجونين وحديث آخرين عن خلط المرضى بالأصحاء داخل الزنازين، وهو الأمر الذي حاولت إدارة السجون إخفاءه طويلا قبل أن ينتقل التامك بنفسه مرتديا بذلة الحماية لمعاينة الوضع، في اعتراف ضمني بالكارثة التي تكررت بعد ذلك في سجون أخرى.
سمعة حقوقية سيئة
لكن موضوع كورونا ليس الوحيد الذي أبان عن عدم قدرة التامك على تدبير القضايا الحساسة دون ضريبة تُقتطع من سمعة السجون المغربية، فالرجل أصبح محط أنظار العديد من المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بسبب تعامل مدراء المؤسسات السجنية مع نزلاء حراك الحسيمة، الذين خاضوا مرارا جولات من الإضراب عن الطعام آخرها تلك التي بدأت في غشت الماضي بسبب ما قالت الجمعية الممثلة لعائلاتهم إنه "تضييق ممنهج يتعرضون له وحرمانهم من حقهم في زيارة عائلاتهم والتواصل معهم والتطبيب والفسحة والتغذية".
لكن التامك، الذي كان موضوع شكاية من قائد الحراك ناصر الزفزافي، وضعها لدى النيابة العامة متهما إياه بـ"ـتهديد حياته"، نال الكثير من السمعة السيئة حقوقيا بعد قرار وضع مجموعة من سجناء ملف الحسيمة في الزنزانة الانفرادية لمدة 45 يوما، باعتبارها "عقوبة تأديبية منصوص عليها في القانون المنظم للمؤسسات السجنية ومتناسبة مع المخالفات المرتكبة من طرف المعنيين بها" حسب ما أورده هو نفسه، قبل أن يفاجئه تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي رصد الوضع "غير الإنساني" لمجموعة من تلك الزنازين التي لا تتوفر حتى على الإنارة والتهوية.
زنازين الانتحار
وفي عهد التامك أيضا أصبحت أخبار السجناء الذين يقررون وضع حد لحياتهم داخل المؤسسة السجنية أمرا مألوفا، ففي يوليوز الماضي مثلا شنق نزيل مدان في قضية تتعلق بالمخدرات نفسه داخل الجناح المخصص لمرضى فيروس كورونا بسجن بني ملال، وقبله أنهى سجين متورط في قضايا الإرهاب حياته داخل سجن "تولال 2" بمكناس بعدما شنق نفسه بواسطة ملابسه، وهي الطريقة التي اتبعها قبله الكثيرون دون أن تنجح المديرية العامة للسجون في وضع حد لهذه الظاهرة.
وغالبا ما تربط مديرية التامك حالات الانتحار بمعاناة الضحايا من مشاكل نفسية وعقلية، لكن جهات أخرى ترى أن الأمر يمثل جرس إنذار حول الوضع القاسي الذي يعيشه مجموعة من النزلاء داخل تلك المؤسسات على غرار ما ورد في مراسلة للجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين لرئيس الحكومة والوزيرين المكلفين بالعدل والحقوق الإنسان، بعدما فشل المدير العام في وضع حد لنزيف الأرواح الذي يجري تبريره ببلاغات تحمل تفاصيل تكاد تكون متطابقة.