الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

قراءة سيميائية.. حالة الجزائر وفرنسا

ناجح حسن
الجمعة 7 مارس 2025 - 17:48

من خلال مراقبة التطورات الأخيرة المتعلقة بالأزمة الفرنسية الجزائرية، يبدو أن هذا النزاع يتخذ منحىً دراميًا شبيهًا بالأعمال الشكسبيرية، حيث تتجلى النزعة الدرامية في طبيعة  الردود المتبادلة بين  الحكومتين، والتي تتسم بطابع يطغى عليه شيء من العبثية. وبالرغم من أن التحليل السياسي قد يفسر جزئيًا هذا الصراع الدائم بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، فإن الواقع أكثر تعقيدًا. فالعلاقة بين البلدين تتداخل فيها عوامل اقتصادية، تاريخية، جيوسياسية، والأهم من ذلك، عوامل إنسانية و بالضبط النفسية منها إذا تم  الاستناد  إلى مدرسة فيينا على وجه الخصوص.

        فوفق المعطيات المتاحة، يبدو أن الجزائر لا تكتفي باستهداف فرنسا فحسب، بل توسع دائرة العداء لتشمل كل من يحيط بها، لا سيما اليمين الفرنسي حاليًا والمملكة المغربية، دومًا.  فالمغرب، الذي يُنظر إليه كحليف  لليمين  الفرنسي و صديق  للملكيات الفرنسية السابقة ، أضحى منذ عقود أداة تستخدم لإثارة المخاوف داخل  الأوساط الجزائرية وخلق توتر دائم  في المحيط الإقليمي.  كما أن هذا العداء يخدم هدفًا داخليًا آخر، يتمثل في تعزيز التماسك الاجتماعي حول المؤسسة العسكرية،التي تظل صاحبة القرار الفعلي في البلد، رغم أزمتها المستمرة و الفادحة فيما يخص الشرعية. 

      في هذا السياق، تبرز الطغمة العسكرية التي استحوذت على زمام الحكم في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة كخصم لكل ما يحيط بها، و بالخصوص جارها الغربي. إذ تغذي عداءً ثابتًا،  يكاد يكون عقائديًا، تجاه المملكة المغربية،  وبدرجة أقل، تجاه فرنسا.  كما أن النظام الجزائري لا يتوانى عن إبداء نوايا عدائية متزايدة، منتهجًا سياسات تصعيدية قائمة على نظريات المؤامرة التي يظنها محبوكة ضده. وتنعكس هذه النزعة في الخطاب الإعلامي الرسمي الذي يعتمد ألفاظًا نابية ولا أخلاقية باتت جزءًا من خطه التحريري. 

       إن هذه الحدة العنيفة التي تعكسها خطابات وسائل الإعلام الجزائرية ليست  إلا مؤشرًا على أن الجهاز الدعائي لهذا النظام  يشهد تحولًا نحو نموذج عبثي، يكاد يكون مثيرًا للسخرية أو بالأحرى، للشفقة.  غير أنه، وعلى الرغم  من طبيعته البذيئة، فقد نجحت زمرة الجزائر في  إحداث شرخ داخل الساحة السياسية الفرنسية، حيث أضحى  الصراع مشتدًا  بين اليمين واليسار،  ومن بعده، بين القضاء والحكومة، وأخيرا بين أطياف المجتمع المدني،بيد أن الوضع بالنسبة للمغرب يختلف تمامًا.

       فالمغرب لا يرد على  الاستفزازات المتواصلة و لا يتبنى خطابا عدائيا اتجاه جيرانه، بل  و حتى اتجاه أعدائه, سالكا نهج الاتزان  و الهدوء، لطالما عالج المغرب أزماته مع الدول بالتروي وضبط النفس وخصوصا التحلي باللياقة و حسن السلوك و قد رأينا  النتائج خلال  الأزمة مع اسبانيا، ألمانيا وفرنسا مؤخرا

       و بمنطق عكسي، يسعى النظام  الجزائري  جاهدا إلى تأجيج الخلافات  داخل  المشهد السياسي الفرنسي،  كما  يواصل  بلا هوادة نهجه   العدائي تجاه المغرب، ممارسًا أشكالًا مفرطة من  "المغرب فوبيا"   و الهدف من كل التصرفات  التي تبدو للعاقل  كأفعال صبيانية، هو محاولة عزل المملكة  عن عمقها الإفريقي. وتتجلى ظاهرة "المغرب فوبيا"  من خلال محاولة خلق كيان  مصطنع في الصحراء يكون بمثابة حاجز يفصل المملكة عن عمقها الاستراتيجي أو كيان أخر مثيل في شمال المملكة، . كما يعمل نظام العسكر على تشويه صورت المغرب عالميًا،  عبر استغلال بعض علاقاته الدولية وريع المحروقات، فضلًا عن محاولات صرف انتباه المملكة عن أراضيها  الحقة  في الصحراء الشرقية و التي يتوجس العسكر من حين المطالبة بها. 

     وفي ظل سرعة تداول المعلومات في عصرنا الحديث، لا يمكن إنكار حجم الحملات الإعلامية الممولة  من قبل النظام الجزائري و التي تستهدف المغرب عن طريق  الخطابات العدائية التي تتبناها الدولة الجزائرية على صعيد كل مؤسساتها،  فضلا على  هذه الدعاية الممنهجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي و التي تصبو إلى زرع فكرة ثابتة في أذهان الشعب الجزائري: 

        إن هذا الاستثمار الكبير في العدوانية يبدو، بكل وضوح، باهظ التكاليف و ينعكس سلبا  على اقتصاد البلاد. و مع  ذلك،  فإن الجزائر تتعنت في نهج هذه السياسة التي  تحولت مع مرور الزمن إلى ثقافة عقائدية،  بل وإلى سبب وجود هذا  الكيان المضطرب.  وبالتالي، فقد باتت الوضعية تأخذ شكلا شاذا في خضم فوضى داخلية عشوائية متزايدة من شأنها أن تكون السبب  الأرجح لانفجار اجتماعي وشيك، لا سيما مع تزايد القمع مصحوبا بموجات الهجرة المكثفة للشباب تنامي مطالب الشعب بوتيرة متسرعة، الكل في   ظل الفشل المتكرر لهذا   النظام  في كل ما يقوم به. 

       ومن جهة أخرى، فإن هذه المنافسة الإقليمية، على الطراز المرضي و التي تحركها على ما يبدو أوهام هيمنة جهوية مستحيلة، لا تقتصر على مجرد صراع حدودي مع الجيران، بل تتعدى ذلك إلى أبعاد أعمق بكثير، تتجاوز  التحليلات السياسية  التقليدية، حيث تعكس في جوهرها محاولات مستميتة لتحقيق إثبات الذات، أو على الأقل، تفادي الانهيار الحتمي للسلطة العسكرية، التي لم تعد قادرة على تعليل شرعيتها أو الحفاظ على استقرارها الداخلي.

       ومع ذلك، يبقى أنه من خلال تحليل سيميائي يمكن إعادة النظر في هذه العدائية وهذا الهوس الذي  يميز قادة الجزائر من خلال عدسة الرواية الشهيرة لماري شيلي، "فرانكنشتاين". إذ تتيح هذه المقاربة رؤية الكائن الوحشي الذي خلقه الدكتور فيكتور فرانكنشتاين كمرآة تعكس نفسية الجزائر،  حيث  يمثل هذا  المخلوق الشاذ والمركب من أجزاء متنافرة، منتشلة من عدة جثت، مادة سميولوجية جديرة بالدراسة. إضافة إلى كون هذا الكائن الشاذ يتميز بعنفه اللا محدود، وبأخلاقه السيئة كما يفتقر إلى تاريخ وأصل يمكنه الاعتزاز بهما، وتبقى خاصية هذا المسخ حسب التحليل، هي سعيه بيأس إلى محاكاة خالقه ومنافسته، بل وأحيانًا إلى تجاوزه. 

       وكذلك مثل لهذا القبيل، فإن الجزائر، باعتبارها كيانًا جيوسياسيًا مصطنعا، تشبه إلى حد بعيد هذا المخلوق الخيالي الذي جسدته شخصية فرانكنشتاين، وهو الاسم الذي أطلقه خالقه على مخلوقه كما أطلقت فرنسا اسم الجزائر على مستعمرتها. 

      وهذا التشابه لا زال ملموسا في واقعنا المعاش، إذ تبقى الجزائر دون شك، تتصرف على شاكلة مسخ الرواية، لكونها أولا نتاج القرارات الاستعمارية الفرنسية، على الرغم من إنكارها المستمر لذلك منذ الاستفتاء المزدوج (الفرنسي و الجزائري) والذي أفضى إلى استقلالها المزعوم والمشروط. وثانيا لإصابتها بشكل من أشكال الاضطرابات النفسية الناتجة على الإحساس بالعزلة ورفض الأخر لها و التوجس بالدونية.        

        وتصطدم ظاهرة جنون العظمة الجزائرية دوما بالتاريخ الذي ما فتئ يقدم شهادات دامغة  حول ما اقترفته  فرنسا  حين ضمت أجزاءً من دول مجاورة إلى مقاطعاتها ما وراء البحار. وفي هذا الصدد،  لا بد من الإشارة أن فرنسا أبقت على علاقتها  الدبلوماسية مع مستعمرتها السابقة تحت إشراف وزارة الداخلية الفرنسية بدلًا من وزارة الخارجية، وهو ما يعد في حد ذاته حالة شاذة دبلوماسيًا لا تليق بالدول ذات السيادة التي لم تقبل هذا الوضع تحت أية طائلة. 

       وبذكر هذه العملية التوسعية، لا بد من استحضار إحدى تبعاتها. فعلى إثر عملية ضم الأراضي المغتصبة، نشأ خليط من الثقافات المتباينة المستمدة من مختلف البلدان المنهوبة، والتي أضيفت  إلى الثقافات الأخرى التي جلبها المستعمرون  المتعاقبون على الرقعة الأرضية التي كانت تسمى بالمغرب الأوسط، من العرب والأتراك والرومان، إلخ. ومع قدوم فرنسا،   تبلورت هذه التركيبة الغير المتجانسة في فسيفساء ثقافية وإثنية غريبة غير مسبوقة في التاريخ إلى درجة أن هذه المعضلة  أدت تبعاتها إلى حالة نفسية معقدة غير مستقرة على مستوى الفرد الجزائري، تصل أحيانًا إلى حد الجنون المرضي، المتجسد في ادعاءات وهمية حول التفرد والقوة والماضي المجيد العريق. 

       وعند التعمق أكثر، نجد أن هذه الظاهرة الشاذة دخلت في طور التمركز حول الذات في صورة الضحية، فبدلًا من تمجيد أبطالها، باتت الجزائر تتباهى بشهداء ثورتها، مضخمةً أعدادهم إلى حدود خرافية، لا يقبلها أي منطق عقلاني. ويضاف إلى ذلك سيل من الادعاءات الدائمة، التي تفتقر إلى أي أدلة دامغة، حول إنجازات مزعومة، ومحاولات متكررة لإعادة كتابة التاريخ وفق رؤية مشوهة، مع تعزيز فكرة تفوق المواطن الجزائري في كل المجالات، وتميزه المطلق، خصوصا  فيما يتعلق بمسألة الكبرياء و الشجاعة، وهو ما تسميه الثقافة الجزائرية "بـالنيف".  

    ومن وجهة نظر التحليل السيميائي، تُظهر الدلالات المستمدة من مواد الرواية سبب هذه  الديناميكية العدائية  التي تغدي أركان النخبة الحاكمة الجزائرية، والتي كانت وستظل كيانًا غير شرعيا، شأنها شأن الكائن الخيالي فرانكنشتاين الذي صُمم بالكامل من قبل كيان آخر، ولا يعيش إلا من أجل إنتاج سلوك عدائي، غير اجتماعي وانتقامي مرتبط برغبة لا إرادية في إظهار القوة وجنون العظمة  الغلو في العنتريات. 

       و يبرز من خلال قراءة العناصر المستوحاة من الرواية أيضا، أن هذا العداء ليس مجرد صراع سياسي، بل هو انعكاس لأزمة هوية عميقة تعاني منها الدولة الجزائرية منذ نشأتها. فرفضها الدائم لواقعها التاريخي ومحاولتها طمس علاقتها بصانعها يقودانها  إلى تبني  مواقف عدائية تجاه الأخر و تبخيسه عبر السب و الشتم في الأعراض و النسب، و هو ما يقترفه النظام الجزائري  تجاه المغرب وفرنسا.

       وقد تحول هذا الكائن الجيوساسي الغير الطبيعي  بمرور الزمن إلى "ورم خبيث" في المنطقة،  يتغلغل بلا  انقطاع في  الشؤون الداخلية للدول المجاورة  بغية نشر الفتنة وزعزعة الاستقرار.  وإذ  يبحث هذا الكيان بشكل يائس عن "قصة نجاح"  يتفاخر بها. وعليه، فإنه لا يفوّت أي فرصة للخروج عن  اللياقة وأدبيات حسن الجوار و استعراض العضلات،  وكأن الكائن  تدفعه نزعة  فطرية غير قابلة للسيطرة. 

       وبالتالي، فإن هذا الاستعراض المستمر للقوة والتمادي في الغطرسة  يبدو كمبدأ  كامن  في شخصية  هذا الكيان السرطاني، أو بالأحرى، كرسالة خبيثة زرعها المستعمر في بنيته ليؤدي وظيفة محددة، ألا وهي، على ما يبد، تأخير أي نهضة محتملة على صعيد الدول المجاورة، التي قد يشكل اتحادها خطرًا على مصالح الأوروبيين.  

       فلنأخذ على سبيل المثال تدخلات غير المحسوبة لهذا الكيان في شؤون الجوار، فنجد مثلا دولة ليبيا، ومالي، والنيجر، وموريتانيا، وتونس، ولكن بالأخص التدخل السافر في سيادة المملكة المغربية. والحال أن هذه الأخيرة أصبحت هدفًا رئيسيًا لإستراتيجية الجزائر العدائية والعدوانية. حيث إن غايتها المعلنة من جراء الهجمات المتكررة و التي تتجلى في ممارساتها المفرطة للـمغرب فوبيا، تكمن في محاولة عزل المغرب عن امتداده الإفريقي، من خلال خلق كيان مصطنع في الصحراء يكون بمثابة دولة حاجز. 

       وتسعى الأوليغارشية الجزائرية أيضًا إلى تشويه صورة المغرب عبر الربط المستمر لعلاقاته الدولية مع الدولة العبرية لتحريك العاطفة عند شعبها، بالإضافة إلى محاولات تحويل  اهتمام المغرب عن أراضيه الشرعية  في الصحراء الشرقية.  وسعيًا لإضعاف مكانته وزعزعة استقرار المملكة، تتمادى الجزائر في الرفع من وثيرة "البروباڴندا " البئيسة و الهستيرية  و هو ما  يعكس بوضوح طبيعة هذه السياسة العبثية. 

        في نهاية مطاف الرواية، يموت فيكتور خلال مطاردته لصنيعته والتي لا تنتهي، بينما يستسلم المخلوق، الذي أنهكه الحزن والندم، ويحاول إنهاء وجوده بنفسه.. وهذا يشبه، في جوهره، نزعة لاإرادية نحو التدمير الذاتي. 

       والسبب في ذلك، أنه على خطى الطبيب-ذلك الخالق الزائف- تبقى فرنسا، المسؤولة تاريخيًا عن خلق هذه الكيان الشاذ، الذي يعيش اليوم أزمة هوية واضحة، مطالبًا باعتراف ذاكراتي من خالقه، بل وحتى باعتراف بالذنب. 

       وبعد أن لاحقت هذه النزعة الوجودية المستعمر والخالق إلى أرضه، يحاول بعض أعضاء الجالية الجزائرية، التي يتم تحريضها من قبل النظام في بلدها الأصلي، جعل مؤسسها يدفع ثمن ما تدعيه من جرائم تاريخية. 

     وفوق كل هذا، وكما هو الحال مع فرانكنشتاين، سعت الجزائر إلى "خلق" دولة مصطنعة خاصة بها، وهي ما يسمى  بجمهورية البوليساريو فضلا كذلك على خلق جمهوريات وهمية أخرى، ما أدى إلى استمرار عملية تشويه الكيانات التي لا تمتلك جذورًا حقيقية، في محاكاة سخيفة لصنيع خالقها. وهكذا، وبعد أكثر من نصف قرن من الوجود، لم يؤدِ هذا الكيان المصطنع إلا إلى تأجيج التوترات، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي. وبذلك، فإنها تسير سيميائيًا على نفس خطى المخلوق الجحود، فرانكنشتاين. 

      وبالمعنى الدقيق، فإن هذه الأزمة بين فرنسا والجزائر لا تملك أي تفسير منطقي وفق الأسس الأكاديمية للعلاقات الدولية. ومن هنا جاءت هذه القراءة السيميائية التي تقدم رؤية ذات معنى، تربط الوجود المنطقي للكيان بجذوره البدائية، والتي تتجسد في هذه الحالة  في الطابع المتعجرف والخبيث للجزائر. حيث إن الدلالة تشير إلى سعي عقيم نحو الشرعية في أعين العالم، بينما تلمح الإيحاءات إلى يأس متفاقم ناجم عن الإخفاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتكررة، أما الدلالة المباشرة، فتمثل تمسكًا هزليًا بمنطق رجعي لا ينظر سوى إلى الماضي، دون أي تطلع إلى المستقبل. 

     علاوة على ذلك، فإن هذا السخط العنيف الذي أظهره "المخلوق" منذ اعتراف فرنسا بسيادة  المغرب على صحراءه  ليس  سوى القطرة التي أفاضت الكأس، إذ أن هذه الأزمة المتوترة بين الجزائر وفرنسا تختمر منذ زمن بعيد،و بالضبط، منذ اللحظة التي تم فيها قطع الحبل السري الاستعماري. 

فهل يمكن، في هذه الحالة، أن يكون هذا العداء نتيجة هذا الفطام المفاجئ، الذي كان للمغرب دور كبير في تعجيله؟

            وفي نهاية المطاف، من المرجح أنه، وعلى غرار رواية ماري شيلي، ستنتهي هذه القصة بارتداد عكسي يؤدي إلى تدمير هذه المخلوقة الجيوسياسية. إن المنطق المسرحي لهذا المشهد الدرامي يقودنا أيضًا إلى توقع أن هذا التشوه الجيوسياسي، الناتج عن قرارات استعمارية في زمن مضى، محكوم عليه حتمًا بالاندثار، حيث ستعود مكوناته الترابية إلى أصحابها الشرعيين. 

وبذلك، فستكون النهاية مأساوية بلا شك.

       بالتالي، فإن الطبيعة ستستعيد حقوقها في النهاية، ولن يكون بالإمكان تعديل أي عنصر من عناصر هذه المعادلة. ومهما حاول العقلانيون الالتفاف على الواقع و دلالاته، فإن هذه النتيجة ليست مجرد قدر محتوم، بل هي ثمرة مغامرة طائشة حاولت اللعب بدور الإله في شؤون البشر، والانغماس في دور المتحذلق الذي لم يدرك تبعات أفعاله. 

    وباختصار، فعلى فرنسا أن تتخلى عن نزعتها الأبوية وعن إحساسها بالذنب تجاه مستعمرتها السابقة، التي باتت تحتجز شعبًا مثقلاً بالإحباط والنزعة الانتقامية، كي تتحرر أخيرًا من هذا السيف المسلط على رقبتها، وتستعيد سيادتها كاملة. ولكن الأهم من ذلك، يجب عليها التخلص مما يسمى "الريع التذكاري"، والذي هو في الحقيقة ليس إلا "فدية تذكارية".  

أما النموذج الأمثل للتعامل مع هذه الظاهرة الشاذة، فهو النهج الذي تتبعه حاليا الولايات المتحدة  الأمريكية. فقد أثبت الرئيس الجديد للبيت الأبيض، من خلال وقائع لا لبس فيها، أن الدول المارقة لا تحترم سوى القوة. بل وأكثر من ذلك، فإن التنازلات الطوعي  التي قدمتها الجزائر لإرضاء إدارة "ترامب" تثبت بما لا يدع مجالًا للشك الأسلوب المناسب للتعامل مع هذا النظام، الذي يكرس عداءً  ثابتًا تجاه الجميع، وخاصة تجاه شعبه. 

وفي حال لم تستفق فرنسا من غفلتها وسباتها، وظلت على حالها من التخاذل، فإن النهاية الحتمية لن تكون سوى تكرارًا لانهيار الجمهورية الرابعة، على غرار ما ورد في رواية ماري شيلي. 

فكما تقول الحكمة:  مَنْ يزرع الريح يحصد العاصفة.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

نعيش أحلك سنوات المغرب سياسيا

يوم الخميس، 13 مارس الجاري، قرر الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوسا، حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 18 ماي المقبل، وذلك بعد حجب الثقة عن رئيس الوزراء اليميني ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...