لعبة المصالح.. معطيات وأسماء برلمانيين أوروبيين صوتوا لإدانة الحريات في المغرب ورفضوا التصويت على اعتقال صحافيين في الجزائر
كثيرة هي الكواليس التي يتم من خلالها عادة ترتيب قرارات أعضاء البرلمان الأوروبي، بعضها يتم تصريفه من خلال تصريحات سياسية واضحة والبعض الآخر يصبح واضحا عند كل تصويت "عقابي" لدولة غالبا ما تكون موضع استهداف بقرارات ما يجب أن تخرج إلى العلن.
هذا بالضبط ما حدث عند مراجعة لائحة النواب الأوروبيين الذين قاموا بالامتناع عن التصويت على اللائحة المتعلقة بوضع الحريات الإعلامية في الجزائر والتي طالب البرلمان الأوروبي من خلالها، وبأغلبية مطلقة، بالإفراج الفوري عن الصحافيين إحسان القاضي ومصطفى بن جامع.
النواب الأوروبيين الذي امتنعوا عن التصويت ضد انتقاد الحريات في الجزائر وإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين هم أنفسهم من قاموا بالتصويت على قرار يدين وضع الحريات الإعلامية بالمغرب.
وكان البرلمان الأوروبي، قد صادق بأغلبية ساحقة على قرار يطالب بالإفراج عن الصحافيين الجزائريين المعتقلين إحسان القاضي ومصطفى بن جامع، وذلك بتأييد 536 نائبا للقرار أي ما يُعادل 96 في المائة من النواب الأوروبيين، مقابل اعتراض 4 نواب أي ما يمثل 0.7 في المائة، وامتناع 18 نائبا برلمانيا أوروبيا عن التصويت أي ما يشكل 3 في المائة من مجموع النواب الأوروبيية.
وما يثير الانتباه في هذا الصدد، هو لائحة النواب الأوروبيين الممتنعين عن التصويت، والبالغ عددهم 18 نائبا برلمانيا، إذ أن المُلاحظ وفق معطيات الصحيفة، أن 5 منهم صوتوا لصالح القرار ضد المغرب، والذي يدينه في ملفات مرتبطة بوضعية حقوق الإنسان وحرية الصحافة، بالرغم من أن المعايير والمبادئ وسبل التقييم يفترض أن تكون نفسها وبنفس المنطق الذي يقود إلى التصويت من عدمه.
ويتعلق الأمر، بالنائب البرلماني الإسباني ورئيس لجنة العلاقات مع فلسطين في البرلمان الأوروبي، الذي صوّت ضد توجه مجموعته السياسية ذلك أنه من أصل 29 حاضراً في الجلسة، صوت 26 لصالح القرار، وبالتالي فإن النائب البرلماني الإسباني "لم يتبع وفد بلاده، ذلك أنه من بين 46 عضوًا من أعضاء البرلمان الإسباني 6 الحاضرين، 44 صوتوا لصالح القرار.
أما النائب الثاني، فهي عضوة البرلمان الأوروبي عن تحالف اليسار، ساندرا بيريرا، التي صوّتت هي الأخرى، ضد توجه مجموعتهما السياسية إذ أنه من بين 29 صوت برلماني، 26 برلمانيا صوّت لصالح القرار، وبذلك تكون قد انزاحت عن اتباع وفد بلدها، مع العلم أنه من بين 19 عضوًا برتغاليًا من أعضاء البرلمان الأوروبي الحاضرين، صوت 17 لصالح القرار.
أما النواب المتبقيين، فينتمون للوفد البرلماني اليوناني، ويتعلق الأمر بكوستاس باباداكيس، وليفتيريس نيكولاو ألفانوس، ممن اختاروا الانزياح عن الاتجاه العام لتصويت غير المسجلين إذ أنه من بين 20 صوتًا، صَوّت 12 نائبا لصالح القرار، كما انسلخوا عن اتجاه الوفد البرلماني اليوناني، فمن أصل 12 نائبا يونانيا، 9 صوتوا لصالح القرار ذاته.
هذه المعطيات تكشف بشكل واضح، تناقض بعض البرلمانيين الأوروبيين في التصويت على نفس المبدأ. مرة معه، ومرة أخرى ضده، كما يعاكس التوجه العام داخل البرلمان الأوروبي الذي دان انتهاك حقوق الإنسان في الجزائر، كما يعري النهج الانتقائي والمتحيز عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع قضايا حقوق الإنسان، في بعض الدول وفق مصالح المجموعات البرلمانية أو البرلمانيين فرادا بعيدا عن القناعات التي تنطلق من المبادئ الأساسية لحرية التعبير وحقوق الإنسان وفق تصريحاتهم العلنية.
هذا، في الوقت الذي أقدم عضو البرلمان الأوروبي الإسباني ميغيل أوربان كريسبو (GUE) على التراجع وقت التصويت عن وضع حقوق الإنسان والحريات في الجزائر، في وقت كان "صاحب القلم" في مشروع القرار لمجموعته السياسية، ومن ثم شارك في الصياغة العامة لاقتراح القرار المشترك.
ومجمل هذه المعطيات، بحسب مصادر الصحيفة، تكشف المواقف وتناقضها الكبير لدى شريحة من النواب الأوربيين الذي يضعون الكثير من القيم الأوروبية على المحك حينما يتم تصريفها وفق المصالح وليس وفق المبدأ.
وكان البرلمان الأوربي، قد صوّت في جلسة علنية الخميس 11 ماي على اللائحة المتعلقة بوضع الحريات الإعلامية في الجزائر، بتأييد 536 نائب ورفض 4 وامتناع 18 ليتم بذلك إقرار اللائحة التي تطالب بالإفراج الفوري عن إحسان القاضي ومصطفى بن جامع.
وتداول قبل ذلك نواب أوروبيين على المنصة للدفاع عن اللائحة التي ناقشت تحديدا واقع حرية الصحافة في الجزائر على ضوء قضية سجن الصحافي إحسان القاضي مدير موقعي "راديو أن" و"مغرب إميرجون"، المدان بخمس سنوات سجنا وإغلاق مؤسسته الإعلامية قبل 5 أشهر.
وكان هذا النقاش مقترحا لجلسة 20 أبريل الماضي، بيد أن نواب كتلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كانوا قد انسحبوا من المبادرة في آخر لحظة، ليتم تأجيل النقاش بشأنه.
ويتكون مشروع اللائحة التي نشرها موقع البرلمان الأوربي من 4 مطالبات موجهة للسلطات الجزائرية. أولها الدعوة للإفراج الفوري عن إحسان القاضي وجميع المعتقلين تعسفياً واحترام حرية التعبير وحرية الإعلام، كما دعا السلطات الجزائرية إلى إعادة فتح وسائل الإعلام المغلقة، ووقف اعتقال واحتجاز النشطاء السياسيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان أو أي شخص يعبر عن رأي مخالف أو ينتقد الحكومة.
كما تحث اللائحة السلطات الجزائرية على تعديل التهم المتعلقة بالأمن في قانون العقوبات المستخدمة لتجريم الحق في حرية التعبير، بما في ذلك المادة 95 مكرر والمادة 196 مكرر، ومراجعة القانون رقم 14-04 حول نشاط السمعي البصري لجعله يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
من جانبه، ندّد البرلمان الجزائري بمخرجات قرار المؤسسة التشريعية الأوروبية معتبرا إياه "تدخلا سافرا في الشأن الداخلي".
وأشار المجلس الشعبي الوطني، وهو الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري، إلى أنه “اطّلعَ باستياء شديد على لائحة البرلمان الأوروبي حول حرية التعبير والصحافة بالجزائر، لما تضمنته من تضليل ومغالطات بعيدة كل البعد عن حقائق الوضع في الجزائر، وما تشهده الساحة الإعلامية من حركية وانفتاح وحرية".