مسؤولة جزائرية قادتها الأقدار لتعمل في الدار البيضاء .. "العداء المغربي لنا مجرّد خرافة سياسية"، فقد وجدت ودًا لا يصنعه إلا شعب شقيق

 مسؤولة جزائرية قادتها الأقدار لتعمل في الدار البيضاء .. "العداء المغربي لنا مجرّد خرافة سياسية"، فقد وجدت ودًا لا يصنعه إلا شعب شقيق
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 16 أبريل 2025 - 9:00

بينما لا تزال العلاقات الرسمية بين الجزائر والمغرب تعيش واحدة من أكثر مراحلها توترا، وفي وقت تتراكم فيه مواقف سياسية متصلّبة وخطابات إعلامية جزائرية مشحونة، تأتي بعض القصص الفردية لتكشف الجانب الآخر من المشهد، الجانب الإنساني العابر للحدود، الذي لا تحكمه الشعارات ولا تُقيّده الحسابات السياسية ويفضح حقيقة تفنّد ما يتم ترويجه من طرف "الماكينات" الاعلامية التي تخدم أجندات معينة.

وواحدة من تلك القصص التي تحمل في طياتها مفارقة لافتة، هي قصة مسؤولة جزائرية عُينت مؤخرًا على رأس إدارة منطقة المغرب العربي في شركة متعددة الجنسيات، ووجدت نفسها في قلب مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، في تجربة مهنية – وإن بدت اعتيادية في ظاهرها – سرعان ما تحوّلت إلى تجربة إنسانية غير متوقعة.

ففي حديث صريح لصحيفة"DNAlgérie" الجزائرية، روت المسؤولة كيف أن انتقالها إلى المغرب كان مثقلاً في البداية، بتوجّسات مفهومة بحكم السياق السياسي المشحون بين البلدين، غير أن هذه المخاوف سرعان ما تلاشت، لتفسح المجال أمام تجربة يومية اتسمت بالدفء والتلقائية والاهتمام الإنساني، موردة: "المغاربة كانوا لطفاء جدًا معي، يقولون إنهم يحبون الجزائريين، ويسألونني كثيرًا عن بلدي"، هكذا لخصت المعنية دهشتها مما وصفته بـ"الاستقبال الذي فاق كل التوقعات".

المنصب الجديد الذي تولته هذه المسؤولة الجزائرية التي لم تحدد الصحيفة هويتها، لا يخلو من طابع استراتيجي، فالشركة التي تعمل فيها وفق ما نقلته رغم امتدادها العالمي، تولي أهمية بالغة لمنطقة المغرب العربي ضمن مخططاتها التوسعية، ولم يكن اختيار مدينة الدار البيضاء كمقر لهذه الإدارة الإقليمية محض صدفة، بل جزء من رؤية اقتصادية تراهن على هذه المدينة التي تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى مركز استقطاب للمقرات الإقليمية للشركات الكبرى العاملة في شمال إفريقيا.

لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن تكتشف المسؤولة الجزائرية أن هذا المنصب سيفتح أمامها أبوابًا غير متوقعة على المستوى الشخصي، وهي أبواب التفاعل الاجتماعي، والاحترام المتبادل، والانفتاح الثقافي التي يتميز به المغرب في قولها "فور استقراري في المدينة، فُوجئت بلطافة الناس، وبالاهتمام الذي أبداه المغاربة بمعرفة المزيد عن بلدي، عن ثقافتي، عن عاداتنا"، تضيف في شهادتها.

وما يجعل هذه القصة بالغة الدلالة هو التناقض الصارخ بين ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية وواقع التوتر المتصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين ما تعيشه هذه السيدة يوميًا على أرض الواقع، فبين الخطابات الرسمية التي تغذّي فكرة العداء المتبادل، والتجربة الشخصية التي تُعيد الاعتبار لمشترك مغاربي لا يزال حاضرًا بقوة، يظهر جليًا أن العلاقات بين الشعوب أكثر تعقيدًا وإنسانية من أن تُختزل في قرارات قطيعة أو البيانات الرسمية العدائية التي تكيلها الجزائر الرسمية للمملكة.

وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة الجزائرية عن مواطنتها المسؤولة قولها: "التجربة التي أعيشها هنا في المغرب تفوق الوصف، لم أكن أتوقع هذا القدر من الودّ لقد وجدت في الناس هنا رغبة حقيقية في التقارب، في تجاوز الخلافات، وفي إحياء روابط تربطنا شعبيًا وثقافيًا أكثر مما نتصور".

ورغم أن هذا التعيين جاء في إطار تحرك مهني تقليدي، إلا أنه أتاح لهذه السيدة الجزائرية، أن تكون – دون تخطيط – جزءًا من بناء جسر ناعم بين بلدين فرقتهما الخلافات السياسية، لكن ما زال يربطهما الكثير من الذاكرة والتاريخ والتقاليد.

ووجودها في المغرب، كما تشير لم يكن مجرد انتقال وظيفي، بل شكل مناسبة للغوص في تجربة ثقافية تتجاوز الأرقام والمكاتب، مضيفة: "لم أعد أنظر إلى المغرب فقط كبلد مجاور، بل كامتداد طبيعي لعالم أعرفه جيدًا، ولشعب يشبهنا كثيرًا في لهجته وتقاليده ونظرته للحياة"، وفق تعبيرها.

وتجربة المسؤولة الجزائرية كما تسردها، تكشف أن ما يجمع المغاربة والجزائريين في الشارع والحياة اليومية، من مشاعر وألفة، يظل أقوى بكثير من محاولات التقسيم السياسي التي تصدر من فوق، إذ تقول: "أعيش هنا حاليًا وكأنني في مدينة جزائرية بثقافة مغربية، أو العكس هناك هذا التشابه الجميل الذي يجعلني أشعر بالأمان والانتماء".

وفي النهاية، لم تكن الدار البيضاء مجرد مدينة مهنية لهذه المسؤولة، بل تحولت إلى مساحة لقاء غير متوقع، إلى مدينة أعادت إليها الثقة في فكرة المغرب العربي الموحد، الذي لا يُمكن أن يُلغى من الذاكرة مهما تعمّق التوتر من خلال تفاصيل صغيرة تكمن في ابتسامة جارة، سؤال زميل، حوار في متجر، أعادت الحياة اليومية كتابة العلاقة بين بلدين يفرّقهما السياسي، ويجمعهما الإنساني.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...