مسجد تينمل الذي دمّر زلزال الحوز أغلب معالمه.. بُني عام 1148م في حقبة الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي.. ومنه أطلق ابن تومرت دعوته لبناء الدولة الموحدية

 مسجد تينمل الذي دمّر زلزال الحوز أغلب معالمه.. بُني عام 1148م في حقبة الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي.. ومنه أطلق ابن تومرت دعوته لبناء الدولة الموحدية
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأحد 17 شتنبر 2023 - 12:00

هزة أرضية واحدة بقوة 7 درجات على سلم رشتر، فاجأت المغرب قبل أسبوع وكانت كافية لتحوّل معالم تاريخية تعكس أمجاد السلف إلى ذاكرة حزينة محطمة، تلاشت معها آثار ماضٍ عظيم في ثوان معدودات، ليندمج هذا الماضي والحاضر في لحظات من الخراب لا تزال السلطات المغربية تُحصيها بحذر شديد. فكثيرة هي المباني الأثرية التي تضررت من زلزال الحوز، وتستلزم جهدا وفيرا  لترميمها، وإعادة روح الذاكرة الجماعية إلى نصابها.

ولعل أبرز المعالم التاريخية التي خرّبها الزلزال العنيف، مسجد تينمل المتواجد بمنطقة ثلاث نيعقوب الجبلية، والذي يعود تاريخه إلى بداية القرن الثاني عشر الميلادي، حين ظهرت في أعالي جبال الأطلس حركة دينية إصلاحية توحيدية تزعمها المهدي بن تومرت الذي نصب زعيما روحيا للموحدين سنة 1121م، وقد أمر بعد مرور أربع سنوات على حكمه ببناء مدينة تينمل الواقعة على طول ممر جبل الأطلس الكبير المهم المعروفِ باسم تيزي-ن-تست بين مراكش في الشمال ومنطقة سوس في الجنوب، وجعلها عاصمة له وقاعدة عسكرية لجيوشه، حيثُ استوطنَ أتباعه القرية عام 1124 أو 1125 ميلاديّة وأصبحت القاعدة الرئيسيّة لهم والتي يشنّون منها هجماتهم وغزواتهم على المرابطين الذين كانوا يحكمون المنطقة في ذلك الوقت.

وبعد وفاة المهدي بن تومرت، وتخليدا لذكراه، أمر خلفه عبد المومن بن علي الكومي في سنة 1153م ببناء مسجد تينمل المسمى أيضا المسجد الأعظم أي بعد فترةٍ وجيزةٍ من فتح مراكش (1147) وبدء بناء مسجد الكتبية هناك. وتُظهر الهندسة المعمارية لمسجد تينمل العديد من أوجه التشابه مع جامع الكتبية، ومن المحتمل أنه قد بُني وصُمِّمَ من قِبل حِرفيين من مراكش، حيث كان المسجد أصغر حجمًا من المساجد الموحدية الكبرى الأخرى وصُمّمَ ليُناسب حجم تينمل، ورغم ذلك فقد حظي بشهرة كبيرة، حيث دُفن عددٌ من حكام الموحدين اللاحقين بالقربِ منه لما مثّله من رمزيّة للدولة الموحدية التي دخلت في حربٍ معَ الدولة المرينية فاتخذ الموحدون في مراكش موقفًا نهائيًا بالصمودِ في تينمل حتى هُزم آخر قادتهم وتم أسرهم هناك عام 1275.

وتحول الموقع على إثر ذلك إلى مقبرة ملكية للخلفاء الموحدين، وخلال العصر المريني تعرضت المدينة للهدم والتخريب من طرف الجنود المرينيين، ولم يستثن من ذلك إلا هذا المسجد الأعظم الذي أصبح يشكل معلمة مهمة يعتبرها السكان المحليون مزارا مقدسا، بالإضافة إلى بقايا سورها الأمني في الجهة الشرقية وأطلال متناثرة لقصبة أورير التي أفردت على قمة جبل.

وبني المسجد بتصميم ذي شكل مستطيل على مساحة طولها 48,10 مترا وعرضها 43,60 مترا وهو محاط بسور مرتفع تعلوه شرفات، وتتكون قاعة الصلاة من تسع أروقة موجهة نحو القبلة، كما يشكل التقاء البلاط المحوري والرواق الموازي لجدار القبلة شكلا هندسيا على نحو الحرف اللاتيني.

أما القباب الثلاث فتتوزع بشكل منتظم على طول رواق القبلة، إلا أنه لم يتبق منها إلا واحدة في الزاوية الجنوبية الغربية، فيما ترتكز أروقة المسجد على دعامات مبنية من الآجر بواسطة أقواس متنوعة الأشكال، تساهم في إعطاء جمالية خاصة لقاعة الصلاة، وتعلو المنبر والمحراب صومعة مستطيلة الشكل، وهو ما يعتبر استثناء في هندسة الجوامع بالمغرب. أما الصحن فيمتد شمال غرب قاعة الصلاة وهو محاط بأروقة.

من حيث الزخرفة يشكل محراب تينمل إحدى روائع الفن الإسلامي بالمغرب. وصفوة القول إن مسجد تينمل يتميز بأحجام متوازنة وتناسق تركيبي تدريجي لمرافقه المركزة جميعها على عنصر المحراب، ليس فقط على مستوى الزخرفة، بل وحتى على مستوى الترابطات الهندسية وترابطات الأحجام.

ويحكي محمد غزواني، الباحث في التاريخ وابن منطقة تينمل لـ "الصحيفة"، كيف قاوم هذا المسجد الخراب المحدق به طيلة العقود الماضية، ليبقى شامخا في وجه المتغيرات التي شهدتها البلاد على مدار الحقب التاريخية الفائتة، مشيرا إلى أن الوزارة الوصية عمدت إلى مباشرة أشغال الترميم في تسعينياتِ القرن العشرين، وبالتالي لم يعد ذات المسجد مكانًا للعبادة والصلاة، ولكنه بقي مزارا تاريخيا يرحّب بزواره المسلمين وغيرِ المسلمين على حدٍ سواء.

وقام المغرب سنة 1995، بتسجيل موقع المسجد الأعظم لتينمل في لائحة التراث العالمي، ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي لليونسكو، قبل أن تبدأ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في يناير 2023 العمل على ترميمٍ جديدٍ للمسجد قصد حمايته.

ويصف الباحث في التاريخ الأضرار التي تعرض لها المسجد المذكور بسبب الزلال العنيف الذي شهدته المنطقة القريبة من بؤرة الزلزال، بـ "الجسيمة، سيّما على مستوى الصومعة والجدران والأركان داخل البناية التي كانت في المراحل الأخيرة من إعادة ترميمها".

وأشار المتحدّث، إلى أن هذا المسجد العظيم والمنطقة ككل كانت قبلة للزوار والباحثين في عظمة التاريخ المغربي والذاكرة الجماعية ومزارا للسياح على اختلاف أجناسهم، خصوصا الأوروبيين المنبهرين بالمعمار المغربي والثقافة الإسلامية.

وكانت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أودري أزولاي، قد أعلنت عبر حسابها على منصة X، وصول بعثة من المنظمة إلى مراكش بهدف حصر الأضرار في مجالات التراث والتعليم، وجعل المباني آمنة، والاستعداد لعمليات إعادة الإعمار.

ومن المهم، حضور البعثة لتنسيق الجهود مع الجهات المغربية لتقييم الوضع والتي أعلنت عنها وزارة الثقافة، التي أكدت إطلاق برنامج استعجالي يروم ترميم كل المآثر التي تعرضت للضرر في منطقة الحوز والبالغ عددها 40، مع إيجاد آليات العمل لحفظ وإعادة تأهيل المعالم المتضررة.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

رسالة مَاكرون للمغاربة. قِلّة حيلة.. أم قِلّة أدب؟!

بدا إيمانويل ماكرون وهو "يَخطب في المغاربة" مثل رئيس فرنسي غارق في بقايا الكولونيالية الاستعمارية التي مازالت عالقة عند الكثير من أبناء شعبه، الغير قادرين على التخلص من "الاحتيال التاريخي" ...