مصادر من البرلمان ومجلس الدولة الليبي لـ "الصحيفة": لن نجعل ليبيا ورقة تفاوض أو مادة خام لبعض الدول لتشكيل موازين قوة في المنطقة

 مصادر من البرلمان ومجلس الدولة الليبي لـ "الصحيفة": لن نجعل ليبيا ورقة تفاوض أو مادة خام لبعض الدول لتشكيل موازين قوة في المنطقة
الصحيفة - خولة اجعيفري
الثلاثاء 15 أبريل 2025 - 22:00

في خضمّ الترتيبات التي كانت جارية لعقد قمّة مغاربية ثلاثية تجمع كلاً من الجزائر وتونس وليبيا بطرابلس، برزت داخل المشهد الليبي أصوات قوية رافضة لما اعتبرته "انحرافًا عن روح الاتحاد المغاربي بصيغته الخماسية"، محذّرة من الزجّ بليبيا في حسابات إقليمية ضيّقة، ومن تغييب المغرب، البلد الذي لعب دورًا جوهريًا في دعم مسارات التسوية الليبية، واستضاف أبرز محطات الحوار بين الفرقاء.

وبحسب ما أعلنه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فإن القمّة المرتقبة ستُعقد على الأراضي الليبية، في سياق ما وصفه بـ"التشاور الدوري" بين الدول الثلاث، بعد انعقاد جولتين سابقتين في تونس ثم الجزائر غير أن توقيت هذه القمّة وسياقها الإقليمي يطرحان أكثر من علامة استفهام، في ظل غياب دولتين مؤسستين لاتحاد المغرب الكبير، هما المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية، مما يعزز المخاوف من توجه نحو تكتل مغاربي مُصغر يفتقر للشرعية الوحدوية والمشروعية السياسية.

وترى جهات فاعلة في الداخل الليبي أن هذه القمّة، تحمل في طياتها محاولة لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بمنطق إقصائي، عبر تغييب المغرب وموريتانيا، وخلق تكتل مغاربي مُصغّر فاقد للشرعية الرمزية والسياسية، إذ لم تتأخر ردود الفعل الليبية، خصوصًا من داخل المؤسسات المنتخبة، في التعبير عن رفضها لهذا التوجه، محذّرة من الزج بطرابلس في محاور سياسية إقليمية لا تعبّر عن مواقف الدولة الليبية بمؤسساتها الشرعية، بل تُنذر بخلق اصطفافات حادة تُهدد استقرار البلاد، وتنتقص من حيادها الذي التزمت به طيلة السنوات الأخيرة.

وأطلقت مصادر مسؤولة داخل المجلس الأعلى للدولة الليبي، مواقف قوية تعكس امتعاضًا واضحًا من التوجّه نحو عقد قمة مغاربية تقتصر على ثلاث دول دون إشراك المملكة المغربية وموريتانيا،  أو إقحام بلدهم في أي توجه يعاكس مصالح المملكة مؤكدة أن "ليبيا ليست طرفًا في أي صراع ثنائي، لا بين الجزائر والمغرب ولا بين أي محورين متنازعين داخل الفضاء المغاربي".

وفي تصريح خاص لـ"الصحيفة"، أوضحت هذه المصادر أن "كل محاولة لإنشاء تكتلات إقليمية تستبعد أحد مكوّنات اتحاد المغرب العربي تمثل انزياحًا خطيرًا عن المسار التاريخي للوحدة المغاربية"، مشددة على أن "المغرب لا يمكن تغييب دوره المركزي في المنطقة، فهو بلد محوري في المغرب العربي والعالمين العربي والإسلامي، وأي غياب له يخلق فراغًا لا يمكن لأي طرف آخر أن يملأه".

وأضافت: "ما يُحاك اليوم في الكواليس السياسية لا يُعبّر عن تطلعات الشعوب ولا عن المسار الذي تأسس عليه الاتحاد، بل يشي بتحوّل خطير في منطق العلاقات البينية نحو تحالفات ظرفية قصيرة الأمد".

وأشارت ذات المصادر أنه "طوال مسار الأزمة الليبية، أثبتت المملكة المغربية أنها شريك استراتيجي لا يسعى لفرض أجندات ضيّقة، بل لعبت دور الوسيط النزيه والمستضيف لحوارات مفصلية أسست لمحطات حاسمة، بدءًا من اتفاق الصخيرات الذي رسم خارطة الطريق السياسية، وصولًا إلى جلسات بوزنيقة التي أعادت فتح قنوات التواصل بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وخلقت توافقًا واقعيًا بشأن المناصب السيادية".

واعتبرت مصادر من داخل المجلس الأعلى للدولة أن "الرباط ظلت على مسافة واحدة من كافة الأطراف الليبية، ولم تنخرط في صراعات إقليمية على النفوذ، بل راهنت على المقاربة السياسية التشاركية" مضيفة أن "الدولة المغربية، ملكًا وحكومة وشعبًا، قدّمت دعمًا هادئًا ومخلصًا، ونحن نرفض تجاهل هذه المساهمة التي لا تزال حاضرة في وجدان الليبيين".

وتابعت: "استبعاد المغرب عن مثل هذه التكتلات أو المحافل يُعد قرارًا يفتقر إلى الحكمة والبصيرة، ولا يخدم استقرار ليبيا ولا وحدة المنطقة".

ومن أبرز التحفظات التي أثارتها هذه الأصوات الليبية هو انخراط رئيس المجلس الرئاسي في ترتيبات إقليمية بإسم ليبيا، رغم انتهاء المرحلة التمهيدية التي أقرّتها خارطة طريق جنيف–تونس، والتي كان يفترض أن تُفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في دجنبر 2021.

واعتبر المجلس الأعلى للدولة في تصريح خاص لعضوين منه لـ"الصحيفة" أن "تصرّف المجلس الرئاسي خارج هذا الإطار يُعد تجاوزًا سياسيًا ودستوريًا، لا يعبّر عن الموقف الليبي الجامع، ولا يملك غطاءً تشريعيًا من البرلمان أو توافقًا من الأجسام السياسية الليبية"، بل ذهبت بعض التحليلات إلى اعتبار هذه التحركات جزءًا من محاولة لضمان البقاء في المشهد السياسي، عبر توسيع شبكة التحالفات الإقليمية ولو على حساب السيادة الوطنية والمصلحة العليا للدولة الليبية.

وفي سياق متصل، عبّر مصدر برلماني ليبي بارز، في تصريح لـ"الصحيفة"، عن قلقه من أن يتحول المجلس الرئاسي إلى "أداة جيوسياسية في يد بعض القوى الإقليمية لتصفية حساباتها مع المغرب"، مشيرًا إلى أن "مجلس النواب يرفض أن تُوظف ليبيا كورقة تفاوض أو مادة خام تُعيد بها بعض الدول تشكيل موازين القوة في المنطقة".

وكشف المصدر الليبي أن البرلمان ينظر بقلق بالغ إلى تحركات رئيس المجلس الرئاسي باتجاه الجزائر وتونس دون تنسيق مسبق مع الأجسام التشريعية المعنية، مؤكداً أن "مثل هذه الخطوات تُعد تجاوزاً سياسياً خطيراً، لا يراعي مبدأ الشراكة الوطنية في تمثيل ليبيا، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد".

وأوضح المصدر ذاته، أن "الاجتماع المرتقب لا يعبّر عن الإرادة الليبية الجامعة، ولا يستند إلى أي تفويض صادر عن المؤسسات التشريعية المنتخبة، بل على العكس، هو تحرك أحادي الجانب، قد يُفهم إقليمياً على أنه اصطفاف ضمن محور معين ضد دولة شقيقة، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلاً".

وأشار ذات المصدر إلى أن "الليبيين لم ينسوا الدور المحوري الذي لعبته المملكة المغربية في مرافقة الحوار السياسي الليبي في محطات حاسمة، بدءًا من اتفاق الصخيرات الذي أسّس لمبدأ الشراكة السياسية، مرورًا بجولات بوزنيقة التي فتحت الباب أمام توافقات واقعية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وهو ما لم تقدمه أي عاصمة مغاربية أخرى بذات القدر من الحياد والدبلوماسية البناءة".

وشدد البرلماني الليبي على أن "أي محاولة لبناء تكتل مغاربي ثلاثي دون المغرب وموريتانيا لا تُعد فقط إقصاء غير مبرر، بل تشكل خطرا على وحدة الإطار المغاربي، وتبعث رسائل سلبية للداخل الليبي، مفادها أن الدولة الليبية تُستغل كأداة جيوسياسية في صراع إقليمي لا يخدم مصالحها الوطنية، ولا يعكس ثوابتها في الحياد وبناء علاقات متوازنة مع جميع دول الجوار".

وخلُص إلى القول: "نحن في مجلس النواب نطالب بوقف هذه التحركات الفردية التي لا تعبّر عن مؤسسات الدولة، ونؤكد تمسكنا باتحاد المغرب العربي كإطار خماسي متكامل، نرفض تفكيكه أو إعادة صياغته في صورة محاور متصارعة ليبيا كانت وستظل أرضًا للوساطة، لا ساحةً للصراعات بالوكالة".

من جهة ثانية، فإن المفارقة أن القمّة المرتقبة ستُعقد داخل ليبيا نفسها، البلد الذي ظل مسرحًا للتجاذبات الإقليمية والدولية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرتها على أن تكون حاضنة لمبادرة إقليمية متوازنة، أم أنها تُستغل اليوم لإضفاء شرعية جديدة على مشروع تحالف مغاربي ثلاثي، لا يجد له سندًا في التاريخ ولا في الجغرافيا السياسية للمنطقة.

فالاجتماع، وإن كان يُقدَّم في ظاهره كخطوة تنسيقية من أجل معالجة قضايا مشتركة كالهجرة والأمن والتنمية الحدودية، إلا أن مضمونه العميق يُقرأ في سياق استبعاد الرباط، في ظرف إقليمي يشهد تصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب، وتكريس منطق الإقصاء بدل الوحدة.

وقد بات من الواضح أن هذه القمّة، بصيغتها الثلاثية، لن تمر دون تداعيات فهي لا تمثل فقط تغييرًا في قواعد الاشتباك السياسي داخل الفضاء المغاربي، بل تشكّل أيضًا اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة دول المنطقة على الحفاظ على روح الاتحاد، في وجه محاولات إعادة هندسة التحالفات وفق منطق النفوذ لا منطق المصير المشترك.

وإن كانت ليبيا، بما تعيشه من هشاشة سياسية، قد تجد نفسها عرضة لمثل هذه المناورات، فإن المواقف الصادرة عن مجلسي النواب والدولة تؤكد أن داخل المؤسسات الليبية من لا يزال وفيًا للفكرة المغاربية الأصلية، الرافضة لكل اصطفاف، والمُتمسكة بإشراك الجميع على قاعدة الشراكة والاحترام المتبادل، لا على قاعدة تقاسم مناطق النفوذ وتصفية الحسابات السياسية بين الجيران.

وكان محمد السلاك، الناطق الرسمي السابق باسم المجلس الرئاسي الليبي، قد دعا في وقت سابق إلى النأي بالدولة الليبية عن الصراعات المغاربية، مبرزًا أن ضمن تصريح تناقلته وسائل الإعلام الليبية أن "أي خطوة يتخذها المجلس الرئاسي الحالي لإقحام ليبيا في صراعات الاتحاد المغاربي ستكون بلا جدوى، إذ إن المجلس لا يعبّر عن الدولة الليبية ولا يملك صلاحيات لاتخاذ قرارات مصيرية".

وشدّد المتحدث على أن الاجتماع الثلاثي المرتقب بين ليبيا والجزائر وتونس هو اجتماع غير واضح الأهداف ولا جدول الأعمال، ما يستدعي، "ضرورة الشفافية وتوضيح النوايا الحقيقية لهذه القمة..إذ لا يجوز للمجلس الرئاسي اتخاذ قرارات قد تضع ليبيا طرفًا في الأزمة بين المغرب والجزائر".

وأكد أن "أي محاولة لخلق كيانات موازية وإقصاء المغرب وموريتانيا قد تزيد من حدة الانقسامات بدلًا من تحقيق التماسك والتعاون الإقليمي" موردا: "عدم وجود تحرك عربي واضح تجاه القمة المرتقبة يعود إلى الغموض المحيط بأجندتها وأهدافها، وهو ما يستدعي الحذر في اتخاذ أي خطوات غير مدروسة".

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...