معدل البطالة في المغرب يواصل ارتفاعه إلى مليون و683 ألف عاطل سنة 2024.. وخبير اقتصادي لـ "الصحيفة": هذا "فشل حكومي" وبرامج التشغيل ترقيعية وتفتقر للرؤية وفيها إهدار للوقت والمال

 معدل البطالة في المغرب يواصل ارتفاعه إلى مليون و683 ألف عاطل سنة 2024.. وخبير اقتصادي لـ "الصحيفة": هذا "فشل حكومي" وبرامج التشغيل ترقيعية وتفتقر للرؤية وفيها إهدار للوقت والمال
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأثنين 4 نونبر 2024 - 21:00

يواصل معدل البطالة في المغرب منحاه التصاعدي خلال عام 2024، حيث ارتفع عدد العاطلين إلى مليون و683 ألف شخص بعد أن كان مليوناً و625 ألفاً، أي بزيادة تقدر بـ 4% في الربع الثالث وحده، ما يجدد الجدل حول كفاءة الحكومة في إدارة ملف التشغيل، خاصة بعد "إخفاق برامجها التنموية التي استنزفت الكثير من الوقت والموارد  الصادرة عن خزينة الدولة"، وفق تقديرات الخبراء، ممن سجلوا بأن هذا الارتفاع المتواصل برهان آخر على الحاجة الملحّة لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية لإيجاد حلول عملية تخفف من وطأة الأزمة على الفئات الأكثر تضرراً.

وأصدرت المندوبية السامية للتخطيط مذكرة إخبارية حول وضعية سوق الشغل خلال الربع الثالث من عام 2024، كاشفة عن نتائج مخيبة للآمال لمستوى الطموحات التي سبق أن أعلنت عنها الحكومة، إذ لا يزال معدل البطالة في المغرب يسير في منحى تصاعدي خلال هذه السنة، حيث ارتفع عدد العاطلين من مليون و625 ألف إلى مليون و683 ألف عاطل، ما يتناقض مع وعود الحكومة عند إطلاقها لبرامج التشغيل. 

ويأتي هذا على خلاف الطموحات التي أعربت عنها الحكومة في مناسبات عدة، بما في ذلك المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2025، التي أكدت أن خارطة الطريق الجديدة تشمل خططاً تنفيذية على مدى الخمس والعشر سنوات المقبلة، ستُفعَّل عبر مشروع قانون المالية لسنة 2025، وستركز على دعم التشغيل في العالم القروي، وإعادة هيكلة البرامج النشيطة للتشغيل، ودعم المقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة، إلى جانب دعم النشاط الاقتصادي للنساء وضمان دخولهن إلى سوق العمل، خاصةً من خلال توفير دور الحضانة وتعزيز وسائل النقل العمومي بالشراكة مع الجماعات الترابية.

وفي حين لم تتطرق المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2025 إلى أرقام محددة بشأن تقليص العجز في سوق الشغل، أشارت المندوبية السامية للتخطيط إلى ارتفاع عدد العاطلين بمقدار 58 ألف شخص ما بين الربع الثالث من سنة 2023 ونفس الفترة من سنة 2024، مسجلةً زيادة نسبتها 4%. وأوضحت المندوبية أن هذا الارتفاع يعود إلى زيادة عدد العاطلين في المناطق الحضرية بـ42 ألف وفي المناطق القروية بـ62 ألف.

كما شهد معدل البطالة ارتفاعاً طفيفاً خلال الفترة نفسها، إذ ارتفع من 13.5% إلى 13.6%، متأثراً بزيادة نسبتها 0.4% في المناطق القروية، حيث صعد من 7% إلى 7.4%، مع استقراره عند نسبة 17% في المناطق الحضرية.

وارتفع معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة بواقع 1.3 نقطة، ليصل إلى 39.5%، كما ارتفع بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 45 سنة بواقع 0.4 نقطة ليصل إلى 4.1%، وبين النساء بنسبة 1 نقطة، ليبلغ 20.8%.

وفيما يتعلق بمعدلات البطالة حسب مستوى الشهادات، شهد حاملو شهادات التقنيين والأطر المتوسطة زيادة بنسبة 2.3 نقطة، وارتفع معدل البطالة لحاملي شهادات التعليم الثانوي التأهيلي بواقع 0.5 نقطة. أما بالنسبة للفئات الأخرى من حاملي الشهادات، فقد تراجع معدل البطالة، وكان أكبر انخفاض بين حاملي الشهادات العليا بنسبة 1.6 نقطة، حيث انخفض من 26.5% إلى 24.9%.

وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن هناك عدة عوامل موضوعية وراء ارتفاع معدلات البطالة في المغرب، يتصدرها الطابع الهيكلي للاقتصاد المغربي واعتماده على القطاع الفلاحي الذي يتأثر مباشرة بالتقلبات المناخية، مشيرا إلى أن أن نسبة كبيرة من العاملين تتركز في القطاع الفلاحي، مما يجعل الاقتصاد الوطني هشاً وعرضة للتأثر الكبير بتغيرات المناخ.

وأشار ساري، في تصريحه لـ "الصحيفة" إلى أن من بين العوامل الأخرى المرتبطة بالبطالة، السياسة الحكومية غير الناجعة في تدبير ملف الشغل، موردا: "لاحظنا أن الحكومة فشلت في تخصيص ميزانية كافية لدعم المشاريع التشغيلية، وكان ذلك جلياً عندما رفضت رصد 14 مليار درهم ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2025، ما يبرز أن الرؤية الحكومية للتشغيل تفتقر إلى التخطيط السليم والحكامة الفعالة".

وأضاف المتحدث، أن معظم البرامج الحكومية المتعلقة بالتشغيل لم تتمكن من تحقيق الأهداف التي وُضعت من أجلها، رغم الآمال التي عُلقت عليها في البداية، فقد أطلقت مبادرات مثل "أوراش" و"فرصة"، لكن هذه البرامج لم تُحقق النتائج المرجوة، ولم تساهم فعلياً في تقليص نسب البطالة كما كان متوقعاً، بل إن بعضها اختفى تدريجياً عن الأنظار دون أثر يذكر.

الخبير الاقتصادي، شدّد على أن السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات البطالة يعود إلى عجز الحكومة عن وضع سياسات تشغيلية فعّالة، سيّما وقد اعتمدت على برامج غير ناجعة مثل "أوراش" و"فرصة" التي لم تحقق أهدافها، رغم ضخها مبالغ مالية ضخمة دون دراسة جدوى واضحة، لافتا إلى أن برنامج "أوراش" لم ينجح في خلق فرص عمل مستدامة، إذ اتخذ طابعاً مؤقتاً لترفع الحكومة بعض المؤشرات بشكل اصطناعي دون معالجة جذرية لمشكلة البطالة، كما أن تخصيص 4.75 مليار درهم لهذا البرنامج على مدار سنتين لم يثمر عن النتائج المطلوبة، ما يجعله مجرد حل ترقيعي فاقد للرؤية طويلة الأمد.

أما بالنسبة لبرنامج "فرصة"، فأوضح رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة أنه لم يقدم هو الآخر أي تأثير فعلي على معدلات البطالة، رغم الحملة الإعلامية الواسعة التي رافقته، مشيرا إلى أن الشروط التي وضعتها الحكومة للاستفادة منه، مثل تحديد سن المستفيدين عند 18 عاماً، أثارت تساؤلات حول مدى ملاءمة هذا السن للدخول في عالم المقاولات، حيث إن هؤلاء الشباب ما زالوا في حاجة لمقاعد الدراسة والتحصيل العلمي، بدل إلقائهم في مسؤولية مشاريع تجارية معقدة.

وأكد ساري أن الحكومة لم تقدم أرقاماً دقيقة وشفافة حول مدى استفادة الفئات المستهدفة من برنامج "فرصة" أو حول مدى تأثيره الفعلي في تقليص معدلات البطالة، حيث بدت الأرقام الصادرة عن الحكومة مجرد استعراض إعلامي بلا مضمون فعلي على أرض الواقع، معربا عن استيائه من غياب التخطيط المدروس والرؤية الواضحة في تنفيذ هذه البرامج، واصفاً عملية إنزالها بأنها كانت عملية قيصرية مشوهة، وهو ما يعني أن هذا التدبير العشوائي ساهم بشكل كبير في اتساع دائرة البطالة في المغرب، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 13. معدل لم تصل إليه المملكة حتى في أشد الأزمات.

وأكد ساري في تصريحه، أن تراجع قطاع التشغيل في المغرب هو نتيجة مباشرة لسوء تدبير الحكومة لملف الشغل، معتبرا أن هذه السياسات العقيمة لم تساهم سوى في إهدار الإمكانات المالية دون تحقيق الأهداف التنموية التي ينتظرها المواطنون، ما يستدعي مراجعة شاملة للسياسات الحكومية لضمان خلق فرص عمل دائمة وفعّالة.

من جهة ثانية، استحضر ساري مشكلة القطاع غير المهيكل، موضحاً أن هذا القطاع يمثل تحدياً كبيراً أمام جهود الحد من البطالة في المغرب، سيما وأن هناك شريحة كبيرة من المغاربة تعمل في هذا القطاع بشكل غير رسمي، مما يعني أنها غير مشمولة بإحصائيات سوق الشغل الرسمية، وهذا بدوره يؤدي إلى تضخم البطالة الفعلية، ومع غياب الدعم الاجتماعي اللازم، تظل هذه الفئة مهمشة وغير معترف بها رسمياً كجزء من القوى العاملة، مما يعمّق من أزمة البطالة.

وأورد المتحدث، أن سوء التواصل الحكومي بخصوص ورش تعميم الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي المباشر، دفع أيضا مع المشتغلين بمن فيهم في القطاع الفلاحي، والكثيرون ممن ينتمون إلى القطاع غير المهيكل إلى تجنب التسجيل، من أجل الاستفادة من الدعم، وهذا يعني بحسبه "غياب الحكامة الجيدة والإدارة الفعالة للموارد والبرامج التشغيلية ما أدى إلى ضياع العديد من الفرص، وتحول السياسات الحكومية إلى مجرد وعود وخطط على الورق دون تحقيق الأثر المطلوب على أرض الواقع، مضيفا: "هذا التسيير العشوائي ساهم في إهدار الإمكانيات وإضاعة الوقت، ما جعل الحكومة عاجزة عن تقديم حلول ناجعة وفعالة لمشكلة البطالة التي تزداد تفاقماً، فيما نحن اليوم في حاجة ملحة لتبني سياسات تنموية شاملة تركز على القطاعات الإنتاجية وتدعم الاندماج الاجتماعي والاقتصادي لفئات واسعة من المجتمع".

النظام الجزائري.. أسير الشيخوخة وإرث الماضي وأحقاده

حين بث التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهد استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لنظيره الرواندي بول كغامي، يوم 3 يونيو 2025، كان في حقيقة الأمر، ودون أن يدري، يضع الرَّجُلين في ...