مقتل 3 من مسلحيها بقصف مغربي أفشل محاولتهم الوصول إلى بوجدور.. "البوليساريو" تنتقل من إعلان الحرب إلى التلويح بـ"الانتحار"
أعطت جبهة "البوليساريو" الانفصالية، إشاراتٍ على أنها مرت إلى مرحلة "الانتحار" في محاولة اختراق الجدار الرملي خلف المنطقة العازلة، حين أراد مسلحوها الوصول إلى إقليم بوجدور بداية الأسبوع الجاري، انتهى الأمر بثلاثة منهم على الأقل قتلى، في حين فر آخرون إلى مخيمات تندوف بالأراضي الجزائرية.
والملاحظ أن هذه المحاولة أتت بعد يومين فقط على اجتماع قيادة البوليساريو، داخل ما تسميه "المكتب الدائم" تحت رئاسة أمينها العام إبراهيم غالي، والذي انتهى ببيان يؤكد استمرار الجبهة في ما تعتبرها "حربا" تشنها على المغرب منذ نونبر 2021، مع الإشادة بمن وصفهم "الشهداء" الذين أسقطتهم الدفاعات الجوية للقوات المسلحة الملكية.
محاولة لتكرار هجمات السمارة
الظاهر، أن جبهة "البوليساريو"، تحاول جني "مكاسب" ميدانية بعد خسارتها العديد من النقاط على المستوى السياسي خلال الأشهر الماضية، إثر إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده تعتبر أن "حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان تحت السيادة المغربية"، ثم قرار المجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أشاد بمقترح الحكم الذاتي المغربي، لتستقبله الرباط بالترحاب، والجزائر بالانسحاب من جلسة التصويت، وأخيرا انخراط موريتانيا في المبادرة المغربية الأطلسية لفائدة بلدان الساحل.
تجميع المعطيات المتوفرة، من خلال ما نشره مناصرو "البوليساريو" ومعارضوها داخل مخيمات "تندوف"، يشي بأنها حاولت تكرار سيناريو الهجوم على مدينة السمارة ليلة 28 و29 أكتوبر 2023، والتي أدت إلى وفاة شاب مدني من أبناء الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، كان بصدد الإعداد لحفل زفافه، وإصابة 3 آخرين، وهذه المرة من خلال استهداف إقليم بوجدور.
ووفق المصادر ذاتها فإن مسلحي البوليساريو الذين كانوا على متن سيارات رباعية الدفع، حاولوا الوصول إلى منطقة "كلتة زمور" وراء الجدار الأمني، بعدما اقتحام المنطقة العازلة منزوعة السلاح بتاريخ 27 يناير 2025، لكنهم تعرضوا للقصف من طرف القوات المسلحة الملكية، بواسطة طائرة مسيرة عن بُعد يعتقد أنها من نوع "بيرقدار TB2" التي اقتنتها الرباط من تركيا.
فشل محاولة يائسة
مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي المنشق عن "البوليساريو" الذي كان يقود عناصر ما يسمى "قوات الدرك" التابع لها، والذي يعيش حاليا في موريتانيا، أكد، يوم أمس الثلاثاء، أن الأمر يتعلق بـ"فقدان مقاتلين من لواء احتياط جبهة البوليساريو في قطاع كلتة زمور، متحدا عن تدخل "درون" مغربية في عين المكان.
إثر ذلك، شرعت حسابات موالية للجبهة الانفصالية في نعي من وصفتهم بـ"الشهداء"، مُتحدثة عن مقتل 3 على الأقل، ويتعلق الأمر بالمدعوين المحفوظ ولد محمد، وصالح ولد أحمد، وسلامو الشبل، بالإضافة إلى إصابة شخص ثالث خلال القصف نفسه، ويُدعى محمد لامين ولد محمد سالم حمة، في حين تحدثت مصادر أخرى عن اختفاء مسلحين آخرين كانوا برفقتهم.
من جهتها، لم تتطرق الجبهة، من خلال منابرها، إلى هذه العملية، وتفادت نشر أي من "بلاغاتها" التي اعتادت نشرها بشكل يومي منذ 13 نونبر 2020، تاريخ التدخل الميداني للقوات المسلحة الملكية في "الكركارات"، والذي أتبعته "البوليساريو" بإعلان الانسحاب الأحادي من قرار وقف إطلاق النار الموقع مع الأمم المتحدة سنة 1991.
وعيد يُنهيه "الدرون"
تجاهل "البوليساريو" لهذه الواقعة، يشي بكونها تلقت ضربة قوية هذه المرة، خصوصا وأن بيانها الذي صدر قبل ذلك بـ48 مذيل بعبارة "تصعيد القتال لطرد الاحتلال واستكمال السيادة"، في إشارة إلى إصرارها على المضي في طريق "الحرب" التي أعلنتها من جانب واحد، وفيه وجهت القيادة "التحية والتقدير" لمن تصفه بـ"الجيش الصحراوي".
ومع ذلك، فإن الوثيقة حملت بين طياتها إشارات إلى الخسائر المسجلة في أرواح عناصر مليشيات الجبهة، من خلال الحديث عن أن المقاتلين "يسجلون ملاحم البطولة والتضحية والصمود، يتقدمون صفوف المقاومة والكفاح"، والتعهد بـ"المضي قدما على درب الشهداء"، ما يحيل على العديد من مسلحيها الذين تأكد مقتلهم بواسطة الطائرات المسيرة المغربية، بأسلوب مشابه، طيلة أكثر من 4 سنوات.
وهذه هي المرة الأولى التي تتلقى فيها "البوليساريو" ضربة من هذا النوع داخل المنطقة العازلة سنة 2025، لكنها سبق أن تكبت خسائر أخرى أصبحت وتيرتها أوضح خلال الأشهر الماضية، على غرار ما حصل شهر نونبر من العام الماضي، حين لقي 4 من عناصرها، كانوا على متن سيارتين رباعيتي لدفع، حتفهم، بعدما تعرضوا للقصف بواسطة "درون" مغربية قرب منطقة المحبس.
مأزق لا يخفى على القيادات
هذا النزوع "الانتحاري" لدى "البوليساريو"، يبرز أيضا من خلال تصريحات قادتها في الأيام الماضية، فالبشير مصطفى السيد، شقيق مؤسس الجبهة، والذي يحمل حاليا صفة "الوزير المستشار لدى الرئاسة"، نشر رسالةً الأسبوع الماضي، إثر بروز التقارب المغربي الموريتاني، عقب استقبال الملك محمد السادس للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وإعلان تدشين طريق بري جديد بين البلدين، جاء فيها أن "الوضع في مجمله صعب للغاية"، ملوحا بـ"الحرب" ضد موريتانيا.
مصطفى السيد، هو نفسه الذي كان قد نشر رسالة مطولة في يوليوز من سنة 2024، عبر فيها عن إحباطه من كيفية تدبير القيادة الحالية للأمور، واعترف خلالها بتكبد مسلحي الجبهة للهزائم، واصفا محاولات مقاتليه للهجوم على المغرب بأنها "لم تُنَظم ولم تنجز ضمن فعل متكامل وكمقدمة لمجهود للاستثمار في العمق والنشاط من خلف خطوط العدو، وإنما كوخزات معزولة تنبه العدو إلى فتقات في سدوده وخلل في دفاعه".
ويأتي ذلك، في الوقت الذي قررت فيه الرباط إغلاق باب التفاوض مع "البوليساريو"، ما دامت مستمرة في أعمالها العدائية، الأمر الذي أخبر به ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، خلال اجتماعهما في نيويورك، إذ وضعَ شروط الرباط على الطاولة، وإحداها "الاحترام الصارم لوقف إطلاق النار من قبل الأطراف الأخرى كشرط مسبق لمواصلة المسلسل السياسي".