مليلية المحتلة.. محنة الهوية ولقمة عيش للفقراء ومَلاهي ليلية للأغنياء

 مليلية المحتلة.. محنة الهوية ولقمة عيش للفقراء ومَلاهي ليلية للأغنياء
خديجة تشوت من مليلية
الأثنين 8 يوليوز 2019 - 12:01

هي مدينة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط عدد سكانها حوالي 90 ألف نسمة أغلبهم اسبانيين يدينون المسيحية، إلا أن بقية المغاربة الذين يشكل عددهم الأقلية مسلمون. إنها مدينة عربية مغربية ترتدي عباءة اسبانية منذ خمسة قرون. وأنت تدخل عبر بابها المحروس من طرف الشرطة المغربية والاسبانية، يخيّل إليك وكأنك قصدت بـ"الخطأ" إحدى المدن الاسبانية. مراقبة تشمل جوار السفر وبعض الأسئلة حول الغرض من دخول للمدينة المغربية المحتلة من طرف لإسبان.

مدينة الجدار الحديدي

"ابنتي إذ لم تتوفري على تأشيرة العبور لن تدخلي المدينة". عبارة من طرف سيدة في عقدها الخامس كانت كفيلة بإيصال معاناة مغاربة في عبور الباب الفاصل بين بلدهم وعائلاتهم بمليلية، ففي أي نقطة بالحدود تنكشف الخدعة البصرية حول مدينة استولت عليها اسبانيا وشيدت سياجا حديديا يبلغ علوه 4 أمتار منذ عام 1998. جسر تمكن من تمزيق عائلات وصنع شرخا في هوية السكان بعدما اختلط المغاربة بالإسبان وتزوجوا منهم وصاروا ظاهريا كعائلة واحدة، إلا أن الباطن ظل يحتفظ بحقد كبير صنعه الاستعمار وشيدته الحروب والتاريخ.

عباءة التناقضات:

في النظرة الأولى يتهيأ للزائر أنه بداخل "مدينة أوروبية"، وينطق بذلك مركزها وشوارع الأنيقة ومبانيها اللاتينية ونمط عيش يبوح بالرفاه، وتعايش بين مغاربة أغلبهم أمازيغ نسائهم يرتدين الحجاب، وبين آخرين اندمجوا شكلا وقناعة مع الأغلبية الساحقة صنع منهم الزمن اسبان "بهوية مغربية".

فتاة عشرينية من أصل مغربي ولدت بمليلية تشتغل نادلة بمقهى مالكه مغربي، تحدثت لـ"الصحيفة" عن جانب آخر لمغاربة لا يعترفون بمغربية مدينتهم قائلة: "هذه الأرض ساوم عليها المغرب وباعها لإسبانيا، نحن لسنا مغاربة، جواز سفرنا أوروبي ولدنا هنا وسنموت هنا"! وحول قناعتها بالتعايش مع الإسبانيين أضافت الفتاة "نحن سواسية وفي الوقت ذاته نرفض الزواج منهم لأن أصلنا أمازيغي ولا نحبذ الاختلاط معهم بالدم، عكس بعض الفتيات المنحدرات من مدن وسط المغرب تأتين للمدينة باحثات عن فرصة زواج من أجنبي".

ملاهي ليلة لرجال السلطة

كثيرون هم المغاربة الذين يقصدون المدينة ليلا بعد الساعة العاشرة مساء، حيث تبدأ المطاعم والملاهي الليلة باستقبالهم عند الساعة الثامنة مساء، يصطادون فرصة سانحة للحصول على هامش حرية بعيدا عن أعين ساكنة الناظوريين. بالمطاعم التي تقدم أشهى الأطباق الأوروبية تتم لقاءات سرية لرجال أعمال المنطقة وضيوفهم، يدخلون بمساعدة رجال الجمارك، يلقون معاملة خاصة من طرف شرطة الحدود، يجتازون المعبر الحدودي دون تسجيل دخولهم بجواز السفر.

 وتشهد كراسي تلك الأماكن التفاوض على أكبر الصفقات المالية والتجارية، وتحل كل المشاكل العالقة بالمدينة، بل يتم التخطيط لتسير المنطقة، وكذا توزيع المناصب ودعم الأشخاص المقربين وتصفية الحسابات الخاصة. جميع القضايا يتم مناقشها في جلسات ليلية بالمدينة المحتلة.

لقمة عيش الحمالات

السياج الفاصل بين المدينة المحتلة والمغرب يجعل الداخل إليها ليس كالخارج منها، إذ يتحقق من هويته ويتعرض للتفتيش والخارج منها يحمل معه زادا وسلع بثمن بخس يتغير سعرها بعد عبور السياج الحديدي.

نساء كثر يعشن على ما تحمله أجسادهن من سلع مهربة، يدخلن المدينة مع بزوغ الشمس ويخرجن منها قبل منتصف النهار، مهنة شاقة دفعتهم الحاجة والعوز إلى امتهانها لسد جوع أطفالهن.

لكل سيدة منهن ظروفها القاهرة، واحدة من هؤلاء النسوة صادفتها "الصحيفة" بمدينة مليلية وهي تمد يدها للمارة، بعبارات تحمل طابع المعاناة تتوسل السيدة البالغة 62 سنة "حني علي الله ينورك" وغيرها من الجمل التي تدفع المارة إلى الالتفاف والتوقف في بعض الأحيان لرمي قطعا نقدية في يد السيدة.

لحظات قليلة كانت كافية لمعرف جانب من حياتها المؤلم "لقد حملت السلع على ظهري عشر سنوات قبل أن أصاب بكسر في الأضلع وأضطر معه منذ سبع أشهر إلى توقف العمل ومد يدي لإعالة بناتي". هكذا بدأت في سرد معاناتها.

بوجه شاحب يحمل وشما قديما تجلس السيدة بشارع بقلب المدينة وهي ترتدي جلبابا مهترئا، تضيف حديثها: "توفي زوجي وترك لي بنتين واحدة منهن تعاني من إعاقة ذهنية والثانية ترعاها، هذه حياتي أدخل فجر كل يوم كعادتي إلى المدينة وأغادرها في المساء، وفي بعض المرات أبيت في حضن الطرقات".

باب الهجرة إلى الضفة الأخرى

من هنا يبدأ جزء من مأساة مليلة المحاصرة بين البحر والسياج الفاصل هذا السياج تتخلله ثلاث معابر أهمها المعبر الشرقي بني نصار والخاص بالسيارات الزوار والتجار الذين يفوق عددهم كل يوم  1700 تاجرا.

إلا أن الباب نفسه يمكن للعشرات عبوره قصد الهجرة إلى الضفة الثانية من البحر الأبيض المتوسط، باحثين عن فرصة عيش أفضل من تلك التي كانوا عليها في بلدهم الإفريقي، يجلسون بالمدينة فترة قبل أن يصطادوا فرصة الهجرة.

قسوة الفراغ!

صُور غارقة في الألم تلك التي تأتينا من مدينة الفنيدق على مدخل سبتة المُحتلة، حيث يتجمهر المئات من المغاربة ومعهم مهاجرين من تونس والجزائر ومن دول جنوب الصحراء، أغلبهم أطفال ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...