من باطن الأرض إلى الشمس والماء والهواء.. عزيز أخنوش "يَفترسُ" الصفقات غير آبه بأي "تضارب للمصالح"!
أينما وليت وجهك تجد أخنوش. هي عبارة يرددها الكثير من المغاربة، لكن صيغتها لا تحمل أي مبالغة، فرئيس الحكومة وأثرى أثرياء المملكة، الحاضر دائما في قوائم "فوربس" لمليارديرات العالم، أصبح اسمه مرتبطا حرفيا بكل شيء، بالمياه، وبالأوكسجين وبالمحروقات وبالغاز الطبيعي، وقريبا ربما، بالإنارة أيضا، لأن الرجل ينافس على صفقة جديدة للظفر بإنجاز مشروع أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم.
عزيز أخنوش، رئيس الحكومة منذ 2021، وقبلها وزير الفلاحة والصيد البحري منذ 2007، الحقيبة التي أضاف لها تدريجيا مجالات التنمية القروية والمياه والغابات، لا يرى أنه يقع في "تضارب المصالح" وهو يجمع بين ثاني أهم منصب دستوري في المملكة، وبين مراكمة الصفقات عبر "الغول" الاقتصادي "أكوا هولدينغ"، التي لها من كل شيء نصيب، من باطن الأرض إلى البحر وصولا إلى السماء.
حلم التحكم في الطاقة الشمسية
لا تتوقف أذرع "أكوا" عن التمدد لتصل إلى العديد من المشاريع التي ترتبط بشكل وثيق بالحاجيات اليومية للمغاربة والرهانات الاقتصادية المستقبلية للمملكة، دون الالتفات إلى الانتقادات التي تطال مالكها، باعتباره يزاوج بين المال والسلطة، ففي الوقت الذي كان فيه الجدل محيطا بصفقة أكبر محطة لتحلية المياه في إفريقيا، التي نالها تحالف "أفريقيا غاز" و"غرين أوف أفريقيا"، المملوكتين تواليا، كليا وجزئيا، لـ"أكوا"، مع "أكسونا" الإسبانية، كان رئيس الحكومة يخطط لصفقة أخرى ليست أقل منها من حيث القيمة الاستراتيجية.
ففي 12 دجنبر الجاري، كشفت الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، المعروفة اختصارا بـ"مازن"، قائمة الشركات والتحالفات التي ستتنافس للظفر بصفقة بناء وتشغيل وصيانة المحطة الثالثة لمجمع الطاقة الشمسية بميدلت "نور ميدلت 3"، ليبرز من بين المرشحين تحالف ثنائي، بين "أكسيونا" الإسبانية و"غرين أوف أفريكا" المملوكة لكل من "أكوا" وهولدينغ "أو كابيتال" هذا الأخير، المملوك لرجل الأعمال الآخر، عثمان بن جلون، والذي لا يغيب بدوره عن قوائم "فوربس"، إلا أن الفرق بينه وبين أخنوش أنه لا يتحمل أي مسؤولية عمومية.
وكالعادة، فإن استثمارات أخنوش دائما طويلة الأمد، فهذا التحالف يستهدف أحد أكبر مجمعات الطاقة المتجددة في العالم، بعقد يمتد لـ30 عاما، حيث سيكون التحالف الفائز هو الجهة المسؤولة عن تصميم وبناء وتمويل وتشغيل وصيانة المحطة الثالثة لمجمع "نور ميدلت" للطاقة الشمسية التي تصل قدرتها الإنتاجية من الكهرباء إلى 400 ميغاوات من إجمالي 1600 ميغاوات، وفق ما أعلنته "مازن"، علما أن المرحلة الأولى من هذا المشروع وحدها، التي سينطلق تشغيلها سنة 2024، كلفت 800 مليون دولار.
قبل الإنارة.. كان الماء
والمثير للانتباه في صفقة "نور ميدلت 3" التي يسعى لها أخنوش، هو أن كشف النقاب عن كونه طرفا منافسا فيها جاء بعد أيام قليلة من إعلان فوزه شركته "أفريقيا غاز" التابعة لـ"أكوا هولدينغ"، ضمن تحالف ثلاثي مكون من "غرين أوف أفريكا" و"أكسيونا"، بصفقة محطة تحلية المياه في الدار البيضاء، الأكبر من نوعها قاريا، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 1,5 مليار دولار، ما يجعله عمليا متحكما في مياه سكان أكبر مدينة في المغرب وجيرانهم في مدن جهة الدار البيضاء – سطات، لثلاثة عقود كاملة.
وسيتولى التحالف إنشاء المحطة في ظرف 3 سنوات، يعقب ذلك تولي أعمال التشغيل والصيانة لمدة 27 سنة، بعدما قدم عرضا قيمته 4,80 درهما لكل لتر مكعب من المياه يتم إنتاجه، علما أن المحطة ستنتج يوميا 548 ألف متر مكعب من المياه خلال المرحلة الأولى من عملها سنة 2026، لتصل بعد ذلك إلى 822 ألف متر مكعب يوميا، وهو ما سيجعلها المزود الأساسي لـ7 ملايين نسمة بالإضافة إلى سقي 5000 هكتار من الأراضي الفلاحية.
ولا يرى أخنوش "تضاربَ المصالح" الذي وقع فيه نتيجة منافسته على هذا المشروع، وظفره به في النهاية، على الرغم من أن الأمر يتعلق بمشروع تابع لوزارة التجهيز والماء، التي يوجد على رأسها حليفه في الأغلبية نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، وكان هو شخصيا، بصفته السياسية، طرفا في انتقاء التحالفات المتأهلة للدور النهائي من أجل الظفر به، بما في ذلك التحالف الذي يضم شركتين من شركاته.
هذا التضارب أثار الكثير من الجدل داخل البرلمان، فالنائبة عن فدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، وجه سؤالا كتابيا بخصوص هذا الموضوع، موردة "كيف لمجموعة يملكها رئيس الحكومة ان تنافس على صفقة كبيرة بالشفافية والوضوح المفترضين، وتفوز بالصفقة التي ستضمن استغلال المحطة لثلاثين سنة؟"، بل إن الأمر وصل إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، من خلال بلاغ حركه رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، عبد الله بوانو، على اعتبار أن ما فعله أخنوش منافٍ للقانون المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.
احتكار أوكسيجين المرضى
وإذا كان أخنوش قد ضمن التحكم في مياه المغاربة ويسعى للتحكم في إنارتهم، فإنه قبل ذلك لم يدع حتى "الأوكسيجين" ليفلت من بين يديه، فالرجل هو المتحكم الرئيس في بيع هذه المادة للمؤسسات الطبية المغربية، في عملية احتكارية جعلته يستفيد حتى من أكثر الفترات قساوة على المغاربة، ويتعلق الأمر بجائحة "كوفيد 19"، التي حقق خلالها أكثر من 248 مليون درهم كرقم معاملات، تحديدا سنة 2020 عبر "مغرب أوكسيجين"، الشركة التابعة بدورها لهولدينغ "أكوا".
وشركة "مغرب أوكسيجين" التي تأسس سنة 1977 والمدرجة في بورصة الدار البيضاء منذ 1999، تعمل فى مجال إنتاج وتسويق الغازات الطبية والصناعية والخاصة خاصة الأوكسيجين والآزوت والأسيتيلين، وتمتلك "أكوا" ما يقارب 63 في المائة من أسهمها، وتلاحقها منذ سنوات تهم "الاحتكار غير المشروع" لتوزيع هذه المادة على المؤسسات الصحية العمومية والخاصة، وهو الأمر الذي دفع حزب العدالة والتنمية، عبر مجموعته البرلمانية، إلى طلب رأي مجلس المنافسة.
ويعود ذلك إلى منتصف سنة 2022 حين وجه "البيجيدي" طلبه عبر مجلس النواب إلى مجلس المنافسه، لمعرفة "مدى احترام الفاعلين في مجال الأوكسيجين والغازات الطبية لشروط المنافسة"، والوقوف على "طبيعة خضوع "مغرب أوكسيجين" لشروط المنافسة الحرة والشريفة، والتحقق من شبهات تورطها في "الهيمنة والتواطؤ من أجل رفع الأسعار"، غير أن هذا الإجراء لم يكتمل لأن الغرفة التشريعية الأولى رفضت توجيه المراسلة إلى المجلس المذكور.
نصيب أخنوش من الغاز الطبيعي
لم يعد ممكنا الحديث عن مجال اقتصادي يراهن عليه المغرب مستقبلا، إلا ونجد أخنوش طرفا فيه، فإذا كان يلعب جزءا من أوراقه مُراهنا على مشروع الطاقة المتجددة "نور ميدلت"، فإنه أيضا يعمل على أن يكون أحد الفاعلين في مجال استخراج وبيع الغاز الطبيعي، من خلال شراكته مع شركة "ساوند إينيرجي" البريطانية، الذي أصبح مساهما فيها في إطار صفقة يكتنفها الكثير من الغموض.
ففي نهاية يوليوز من سنة 2021، أي قبل أشهر قليلة من توليه رئاسة الحكومة، أصبح أخنوش، عبر شركة "أفريقيا غاز"، مساهما في "ساوند إينيرجي"، المكلفة بتطوير حقل الغاز الطبيعي "تندرارة" بالجهة الشرقية للمملكة، وذلك في صفقة بقيمة 2,8 ملايين دولار، وهي الخطوة التي تزامنت مع إطلاق الرئيس التنفيذي لشركة البريطانية، غراهام لينون، تصريحات أقرب إلى المساومة، يربط فيها بين إتمام عمليات التطوير، وبين الحصول على إعفاءات ضريبية بملايين الدولارات من طرف إدارة الضرائب المغربية.
تهديدات "ساوند إنيرجي"، التي وصلت حد الحديث عن مغادرة المغرب، وجد فيها أخنوش منفذا لاستثمار جديد، حيث اتفق مع هذه الأخيرة، إلى جانب اقتناء جزء من أصولها، على بيعه الغاز المسال المستخرج من حقل تندرارة، وهو الأمر الذي تزامن مع تخلي إدارة الضرائب عن مطالبها الضريبية ضد الشركة البريطانية بخصوص عمليات استحواذ تمت ما بين 2026 و2018، بعد سلسلة من الاجتماعات، ما أدى فورا إلى ارتفاع قيمة أسهمها في بورصة لندن.
هذا الاتفاق سيكون أخنوش مستفيدا رئيسيا منه، فشركة "أفريقيا غاز" ستستحوذ بموجبه على الكميات المستخرجة من الحقل التابع لإقليم فيكيك، بموجب عقد بيع مدته 10 سنوات، علما أن الحد الأدنى المتوقع استخراجه سنويا هو 100 مليون متر مكعب، لتتولى الشركة المغربية بعد ذلك عمليات النقل والتوزيع على الزبناء، هذه المكاسب هي التي تفسر أيضا القرض الذي حصلت عليه "ساوند إنيرجي" من "أفريقيا غاز" بعد ذلك بأشهر، بقيمة 18 مليون دولار، لتمويل عمليات تطوير حقل الغاز الطبيعي المسال.
وتعني تلك الصفقة أن رئيس الحكومة المغربية سيبيع للمغاربة الغاز الطبيعي المستخرج من باطن الأراضي المغربية، بشكل احتكاري في ما يتعلق بإنتاج حقل "تندرارة" تحديدا، وهو ما أوقعه أيضا في شبهة "تضارب المصالح" وهي الاتهامات التي طالته داخل قبة البرلمان، وبذلك تواصل "أفريقيا غاز" سطوتها على قطاع الطاقة في المملكة، لتضيف الغاز الطبيعي إلى المحروقات التي تعد الفاعل الأول في مجال استيرادها وتوزيعها وطنيا.
صفقة من جيب البرلمان
والحديث عن أخنوش لا يكتمل إلا باستحضار شركته "أفريقيا غاز"، التي تعد رأس الحربة بالنسبة لهولدينغ "أكوا"، حيث تعد الفاعل الأول في مجال استيراد وبيع الغازوال والبنزين بنسبة 21,2 في المائة، وفق معطيات مجلس المنافسة في تقريره الصادر في شتنبر 2022، والذي يهم أسعار هاتين المادتين في السوق الوطنية خلال الفترة ما بين 2018 إلى نهاية 2021، وهي الشركة التي حققت خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2023 أرباحا بقيمة 349,2 مليون درهم، مقارنة بـ344,5 مليون درهم خلال الفترة نفسها من سنة 2022.
مناسبة استحضار هذه الأرقام، هي صفقة جديدة ظفرت بها "أفريقيا غاز" وتطرح مجددا تساؤلات حول زواج المال بالسلطة الذي برز بشكل واضح في زمن تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقوده رئيس الحكومة، للمشهد السياسي، حيث ستصبح انطلاقا من فاتح يناير 2024 المزود الحصري للنواب البرلمانيين بالبنزين والغازوال، لتخلف بذلك شركة "توتال" الفرنسية، التي كانت قد احتكرت هذا المجال طيلة 6 سنوات.
ولا تُعرف قيمة الصفقة على وجه التحديد، لكن لتقريب الصورة نستحضر أن "توتال"، وهي الفاعل الثالث في مجال المحروقات بالمغرب، كانت تحصل سنويا من مجلس النواب على 9 ملايين درهم، وهي التي ظفرت بالصفقة التي دخلت حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير 2018، بعدما أبعدت "أفريقيا غاز" التي كانت قبل ذلك حاصِلَةً على عقد امتياز توفر بموجبه بطائق الغازوال والبنزين للبرلمانيين بقيمة يصل حدها الأقصى إلى 4000 درهم شهريا، قبل أن تعود لتظفر بها مرة أخرى في زمن يتوفر فيه التجمعيين على أكبر فريق نيابي ويترأس فيه أخنوش الحكومة.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :