من رد الفعل إلى المبادرة.. إسبانيا تبرز كمثال بارز لما أدلى به العاهل المغربي في خطابه أمام البرلمان بخصوص الصحراء
جاء في خطاب العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة بالبرلمان، قوله بأنه كان قد دعا "للانتقال من مقاربة رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية"، خلال عرضه للتطورات التي عرفها ملف الصحراء منذ اعتلائه للعرش.
وأجمعت العديد من القراءات السياسية لخطاب الملك محمد السادس، أن من الإشارات المهمة التي جاءت في الخطاب، هي التي تتعلق بالتحولات التي عرفها الملف لصالح المملكة المغربية، حيث تحولت الرباط من نهج سياسة رد الفعل إلى الأخذ بالمبادرة، وهو ما تُثبته اليوم العديد من الأمثلة، ومن أبزرها ما يحدث في إسبانيا، التي كانت لعقود تُعتبر هي المعقل النشيط لجبهة البوليساريو.
وسبق أن أشارت "الصحيفة" في تقرير نشرته في أبريل الماضي، إلى كيفية نجاح المغرب في نقل المعركة الدبلوماسية إلى "معاقل البوليساريو" في إسبانيا، إثر نجاحه في دفع مدريد لاتخاذ موقف متقدم، يتمثل في دعم مقترح الحكم الذاتي، وكيف نجح في محاصرة البوليساريو في زاوية "رد الفعل"، وفق ما رصدته الصحافة الإسبانية بدورها، والتي قالت في بعض تقارير، إن كل ما أصبحت تنشره البوليساريو في السنتين الأخيريتين هو بلاغات استنكارية وتعبير عن غضب فقط.
وفي هذا السياق، قال الخبير في قضية الصحراء، محمد سالم عبد الفتاح، في حديث لـ"الصحيفة"، إن جبهة البوليساريو "تبدو بالفعل اليوم فاقدة لزمام المبادرة، داخل الساحة الإسبانية، بحيث خسرت موقف إحدى أهم المتدخلين والفاعلين الدوليين في نزاع الصحراء، بحكم الدور المهم الذي تلعبه إسبانيا في تدبير الوساطة الأممية، لكونها المستعمر السابق للإقليم، ولكونها عضوا في مجموعة أصدقاء الصحراء، وأيضا لقربها وتأثيرها في المنطقة المغاربية، ولا سيما أنها عارفة بالنزاع وتحتفظ بأرشيف استعماري يتعلق بالعلاقات والصلات التاريخية، السياسية والثقافية والروحية، بين الأقاليم الجنوبية وملوك الدولة العلوية".
وأضاف عبد الفتاح أن موقف مدريد المتقدم في قضية الصحراء، "مثل انتكاسة كبيرة بالنسبة للمشروع الانفصالي، بحيث كانت إسبانيا إحدى أهم المعاقل الدعم الشعبي الذي يحظى بها المشروع الانفصالي على الساحة الدولية، خاصة في أوساط كل من اليمين المتطرف واليسار الرديكالي والاحزاب الانفصالية. كما كانت إسبانيا الداعم الشعبي الأول عن طريق جمع المساعدات المالية، وتنظيم القوافل والزيارات إلى تندوف، إلى جانب المرافعات التي تعكف عليها الأحزاب والصحفة المساندة للانفصال".
لكن التطورات التي عرفتها قضية الصحراء لاسيما في السنوات الأخيرة، أشار الخبير المذكور، إلى أنها "ألقت بظلالها على تعاطي النخب الإسبانية مع قضية الصحراء، بحيث باتت الأوساط ودوائر صنع القرار تضطلع على حقيقة المشروع الانفصالي البعيد كل البعد عن الشعارات الاديولوجية اليسارية والتقدمية التي لاطالما رفعها، خاصة مع انكشاف انتهاكات الانفصاليين الجسيمة لحقوق الانسان، خاصة تلك التي طالت صحراويين يحملون الجنسية الإسبانية".
لكن الأثر المهم، وفق محمد سالم عبد الفتاح، يرجع إلى "المقاربة الدبلوماسيية التي تبنتها المملكة، والتي نصت عليها خطابات عاهل البلاد، بوضع قضية الصحراء كمعيار للتقدم في العلاقات الثنائية مع الشركاء الاستراتيجيين للمغرب وفي مقدمتهم إسبانيا، مما فرض على مدريد التعجيل لاتخاذ موقف داعهم للمملكة"، مشيرا إلى أن "البوليساريو حاولت الترويج على أنه مجرد موقف شخصي لرئيس الحكومة، لكن ثبت أنه موقف سيادي تشترك فيه كافة المؤسسات السيادية، كما أنه يُظهر تغيرا في المزاج العام لدى مختلف النخب الاسبانية التي باتت تراهن على الشراكة الاستراتيجية مع المملكة".