موريتانيا تواجه ضغوط الهجرة غير النظامية واحتدام التحديات الداخلية بعد أن أصبح المهاجرون يشكلون 10 في المائة من سكان البلاد
في السنوات الأخيرة، تحولت سواحل موريتانيا إلى نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير النظاميين من مختلف أنحاء إفريقيا وآسيا، متوجهين نحو جزر الكناري الإسبانية في محاولة للوصول إلى الأراضي الأوروبية. أصبحت هذه الظاهرة تُعرف بـ"قوارب الموت"، حيث تتكدس القوارب الصغيرة بالمهاجرين في رحلة محفوفة بالمخاطر في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها هؤلاء المهاجرون.
هذا التحول في سواحل موريتانيا بعد أن أصبحت نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير النظاميين جاء رغم توقيع اتفاق بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي في مارس 2024 لمحاربة الهجرة غير النظامية. الاتفاق الذي نص على منع تدفق المهاجرين نحو أوروبا وإعادة المهاجرين غير الشرعيين، كان له تفاعل شعبي واسع بين مؤيد ومعارض.
في هذا السياق، أكدت الحكومة الموريتانية أنها لن تستقبل المهاجرين، إلا أن الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت تعبيرًا عن المخاوف الأمنية والاقتصادية التي أثارها تدفق المهاجرين.
العواقب الأمنية والاجتماعية.. صراع مع الواقع
القلق الأمني في موريتانيا أصبح جليًا في الآونة الأخيرة مع تصاعد الجرائم المرتبطة بالمهاجرين. فقد سجلت موريتانيا في الأسابيع الأخيرة سلسلة من الجرائم المقلقة، أبرزها جرائم السرقة والاعتداءات باستخدام الأسلحة، التي نفذها مهاجرون، أغلبهم من دول إفريقية.
هذه الحوادث أثارت تخوفات كبيرة بين المواطنين الموريتانيين حول تأثيرات الهجرة على الأمن والاستقرار الداخلي. كما قوبلت تصريحات مسؤولين، مثل تلك التي أدلى بها النائب البرلماني المعارض محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل، التي تحدثت عن تأثير الهجرة على التركيبة الديموغرافية للبلاد، بالاستنكار. حيث أشار إلى أن المهاجرين قد يؤثرون على البنية العرقية والدينية والثقافية للمجتمع.
تحديات اقتصادية لا تنتهي.. من البطالة إلى صعوبة توفير الخدمات
موريتانيا تواجه أزمة اقتصادية حادة تفاقمت بسبب هذه الهجرة غير النظامية. يعاني أكثر من 50% من السكان من صعوبة الحصول على مياه نظيفة، وتواجه المناطق الريفية صعوبات في الوصول إلى خدمات الكهرباء والإنترنت. أما في صفوف الشباب، فالبطالة تمثل تحديًا رئيسيًا، حيث يعاني حوالي 30% من الشباب من البطالة في بلد تبلغ نسبة الشباب فيه 70%.
وفي ظل هذه الضغوط، حاولت الحكومة الموريتانية التهدئة والطمأنة على لسان وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين، الذي أكد أن بلاده لن تكون حارسًا لحدود الآخرين وأنها ستتعامل مع قضية الهجرة غير النظامية وفقًا للقوانين الدولية.
ولكن، مع تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين، وصل العدد إلى أكثر من 10 آلاف مهاجر تم إبعادهم في الأشهر الأولى من عام 2024، ما دفع الحكومة إلى وضع خطط جديدة لتقوية الحدود. من هذه الخطط مشروع بناء حزام أمني إلكتروني لمكافحة الهجرة غير النظامية، وهي خطوة تأتي في وقت حساس جدًا من تاريخ البلاد.
حملة تحريض ورفض شعبي: مواجهة داخلية وحلول ضبابية
في هذا السياق، انتشرت في الآونة الأخيرة حملة تحريض ضد المهاجرين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبحوا يشكلون نحو 10% من سكان موريتانيا. هذه الحملة تحولت إلى وقفات احتجاجية في بعض المدن مثل ازويرات.
وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة من بعض الصحفيين مثل سلطان البان الذي اعتبر أن الحكومة فشلت في معالجة هذه الأزمة بشكل يراعي مصالح الوطن والمواطن، فإن هناك من يدعو إلى التهدئة وعدم الانجرار وراء التحريض ضد المهاجرين، مثلما فعل مدير مركز الأطلسي الساحلي للهجرة، محمد الأمين خطاري، الذي دعا إلى تقنين الهجرة ومعاملة المهاجرين بما يتماشى مع حقوق الإنسان.
خارج الحدود: موريتانيون في مرمى الأزمات العالمية
في المقابل، لا تقتصر أزمة الهجرة على موريتانيا فقط، إذ يعاني المهاجرون الموريتانيون أنفسهم من تحديات كبيرة في الخارج، خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يسعى العديد منهم للهروب من الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلادهم. وقد أصبحت هذه الظاهرة تثير العديد من التساؤلات حول الحلول الممكنة لتحسين الوضع الاقتصادي الداخلي.
ومع استمرار الضغوط المحلية والدولية، بدأت السلطات الموريتانية ترحيل المهاجرين غير النظاميين المقيمين على أراضيها والغير مستوفين لشروط الإقامة.أكثر هاؤلاء المرحلين هم ماليون وسنغاليون، حيث استنكرت الحكومة السنغالية الظروف الإنسانية الصعبة التي عوملوا بها على حد وصف وزيرة الخارجية السنغالية. بينما أقدم مهاجرون غاضبون كانت موريتانيا بدأت في تهجيرهم عبر معبر حدودي مع مالي إلى إحراق نقطة تفتيش تابعة للشرطة الموريتانية قبل أن تتم السيطرة عليهم وطردهم.
ومع الضغوط الدولية والحقوقية، تواصل موريتانيا تطهير أراضيها من المهاجرين الذين لا يتوفرون على شروط إقامة واضحة، مع منحها تسهيلات من أجل الحصول على إذن عمل وإقامة في البلد.