موريتانيا والتبادل التجاري مع دول الجوار .. بين الفرص والمعوقات وضعف هيكلة الاقتصاد

 موريتانيا والتبادل التجاري مع دول الجوار .. بين الفرص والمعوقات وضعف هيكلة الاقتصاد
نواكشوط – محمد سيدي عبد الله
الأثنين 9 يونيو 2025 - 12:00

يروي الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه في مذكراته صفحات مثيرة من تاريخ موريتانيا وقصة تأسيس الدولة الفتية إثر الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي سنة 1960. فبعد عقد الولادة العسيرة التي تسببت في قطيعة مع بعض دول الجوار، ستواجه الدولة الفتية في عقد السبعينيات أكبر اضطرابات في تاريخها، عقد أدخلها في دوامة حرب في مواجهة جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر وليبيا معمر القذافي، على خلفية نزاع الصحراء الذي اندلع بين المغرب والجبهة الانفصالية، ومعها الجزائر إثر انسحاب إسبانيا من الإقليم سنة 1975.

كانت كلفة تلك الحرب باهظة بشريًا وماديًا، ولكن أيضًا سياسيًا، إذ فقدت الدولة الموريتانية طابعها المدني الذي أرساه المؤسس الراحل مختار ولد داداه، الذي أطاح عسكريون بحكمه سنة 1978، لتدخل البلاد في دوامة انقلابات عسكرية كرّست حكم العسكر على حساب المدنيين.

حينها لزم على الدولة الجديدة الدخول في مرحلة من تنشيط العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الجوار، وذلك بأهداف متعددة ومتنوعة، تطال تنشيط التبادل التجاري والاقتصادي، والتوجه نحو تقارب سياسي إزاء العديد من القضايا الأمنية والعسكرية التي تمر بها منطقة الصحراء والساحل بغرب أفريقيا.

شهد التبادل التجاري المغربي-الموريتاني تطورًا لافتًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بعوامل اقتصادية ودبلوماسية أبرزها إعادة تفعيل اللجنة العليا المشتركة بين البلدين. ففي عام 2023، بلغت صادرات المغرب إلى موريتانيا حوالي 323 مليون دولار، مقابل صادرات موريتانيا إلى المغرب التي لم تتجاوز 3.7 مليون دولار. وارتفع حجم التبادل التجاري في عام 2024 إلى حوالي 350 مليون دولار، وفق تصريح السفير المغربي في نواكشوط حميد شبار.

وتشكل الصادرات المغربية إلى موريتانيا 80% من المواد الغذائية، المنتجات الزراعية، والمواد المصنعة، والآلات، بالإضافة إلى 20% من الخضروات والفواكه.

ويُعد المغرب أول مورد إفريقي لموريتانيا، مزودًا لها بنحو 50% من وارداتها الإفريقية، و73% من وارداتها المغاربية. ويعتمد البلدان بشكل أساسي على معبر الكركرات الحدودي لتسهيل تدفق السلع، خاصة المنتجات الزراعية القادمة من المغرب.

لكن ما يراه رئيس الشبكة المغربية الموريتانية لمراكز الدراسات والأبحاث، عبد الفتاح البلعمشي، يتجاوز الأرقام الظاهرة، إذ يعتبر أن الشراكة الاقتصادية بين البلدين متعددة الأبعاد، وتشمل إلى جانب التبادل التجاري، مجالات الاقتصاد الأزرق المرتبط بالبحار والمحيطات، واستخراج وتسويق المعادن، وتطوير القطاع الفلاحي.

ويؤكد أن "المغرب وموريتانيا يمتلكان ثروة طبيعية مشتركة، ويمكن لموريتانيا أن تستفيد من التجربة المغربية، سواء في التقنيات أو في الجوانب الفنية، خاصة في ظل توفر الإرادة السياسية واستقرار الأمن، وهو ما ينعكس إيجابًا على تدفق رؤوس الأموال والطموح المشترك”على حد قوله.

أما الخبير الاقتصادي أمم ولد انفع، فيرى أن العجز التجاري المسجل لموريتانيا مع المغرب "منطقي جدًا بالنظر إلى التفاوت الكبير في هيكل الاقتصادين وتصنيف المغرب كأبرز بلد مصدر داخل القارة الإفريقية"، لكنه يتوقع أن يتمكن الاقتصاد الموريتاني من التغلب على هذا العجز في المدى المتوسط والبعيد، خصوصًا مع تركيزه على الزراعة، والثروة الحيوانية، والصيد، والصناعات الغذائية “التي شهدت تطورًا ملحوظًا”، حسب وصفه.

قفز حجم التبادل التجاري بين موريتانيا والجزائر من 50 مليون دولار عام 2018 إلى 414 مليون دولار سنة 2023، مع توقعات بوصوله إلى 700 مليون دولار خلال العام الجاري، وذلك بحسب أرقام وزارة التجارة والصناعة الجزائرية.

كما شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا في إقبال الموريتانيين على البضائع الجزائرية، وسط مشاريع كبرى، منها الطريق الصحراوي الذي يربط تندوف الجزائرية بزويرات الموريتانية، والذي يمتد على 840 كيلومترًا، ويُنجز بكلفة تزيد عن 600 مليون دولار.

وتعد دول غرب أفريقيا والساحل منطقة واعدة للاستثمارات بحكم الاكتشافات الهائلة للغاز والنفط والذهب. وتسعى موريتانيا لأن تبقى حلقة وصل عبر موانئها وطرقها البرية بين العالم ودول غرب أفريقيا والساحل، حيث مناجم الحديد التي تصدر عبر ميناء نواذيبو العاصمة الاقتصادية.

مالي، التي تشهد حالة من عدم الاستقرار والصراع منذ الانقلاب العسكري عام 2012 واحتلال الجماعات المسلحة للمناطق الشمالية، دخلت في أزمة مؤسسية بعد الانهيار السياسي في 18 شتنبر 2020، ما أسفر عن تشكيل حكومة ومجلس وطني انتقالي (CNT). ويُعد هذا الوضع السياسي والأمني الهش عاملاً مؤثراً في أداء الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بشكل كبير على الزراعة، حيث شكّلت 37.3% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2019، وتوفر مصدر دخل لنحو 80% من السكان.

وقد ساهمت الأزمات المتلاحقة، خاصة الجفاف والنزاعات المسلحة، في ارتفاع معدلات الفقر، لا سيما في المناطق الريفية التي يقيم فيها 90% من فقراء البلاد، ما جعل من علاقات مالي التجارية مع الدول المجاورة، ومنها موريتانيا، رئة اقتصادية لا يمكن الاستغناء عنها.

يقول الخبير الاقتصادي أمم ولد انفع، في حديث مع "الصحيفة": “مالي دولة حبيسة وتعاني من عجز كبير في الطاقة، وتعتمد على موريتانيا لاستيراد جزء مهم من حاجياتها الكهربائية”، مرجحًا أن تعزز هذه الوضعية مشاريع الربط الكهربائي بين البلدين، “وهو ما يفسر الفائض التجاري لصالح موريتانيا في تعاملاتها مع مالي”، بحسب تعبيره.

وبلغ حجم صادرات موريتانيا إلى مالي نحو 22.67 مليون دولار، مقابل واردات من مالي بلغت 11.3 مليون دولار، مسجلة بذلك فائضًا تجاريًا لصالح نواكشوط يُقدّر بـ11.37 مليون دولار. وتشمل الصادرات الموريتانية إلى مالي أسماكًا طازجة أو مبردة، في حين تتركز الواردات القادمة من مالي في الماشية، والحبوب، وبعض المنتجات الزراعية.

وقد تعزز هذا التوجه من خلال اتفاقية ثنائية وُقعت بين البلدين في فبراير 2022، تهدف إلى تسهيل التبادل التجاري، من خلال تسريع إجراءات تحويل البضائع، وإنشاء ضمانات رسمية بين الفاعلين الاقتصاديين.

تتداخل في العلاقة الموريتانية-السنغالية، عوامل التاريخ والجغرافيا والسياسة والأمن؛ قبل أن تنضاف إليها عوامل التأثر بالأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة على السياسات المحلية والخارجية للبلدين.

ويشكل ماضي التاريخ وطبيعة الحدود جانبًا أساسيًا من جوانب العلاقة بين موريتانيا والسنغال، فعلى مدى قرون طويلة ظلت العلاقة بين ضفتي النهر تعيش مستوى عاليًا من الانسجام تخللتها نوبات توتر "بسيطة".

وبحسب الأرقام المنشورة، فقد بلغ حجم صادرات موريتانيا إلى السنغال في 2023 نحو 9.97 مليون دولار، مقابل واردات من السنغال بقيمة 83.02 مليون دولار، مسجلة فائضًا تجاريًا لصالح السنغال بقيمة تقارب 73 مليون دولار. وتتضمن السلع المتبادلة رسميًا أسماكًا طازجة ومبردة، حيث تجاوزت صادرات موريتانيا إلى السنغال 574 ألف دولار بما يعادل أكثر من 1,000 طن.

ويبرز التعاون بين البلدين من خلال مشروع حقل الغاز المشترك “السلحفاة – أحميم الكبير” في المياه البحرية بين موريتانيا والسنغال، والذي تطوره شركات دولية مثل BP وKosmos Energy، ومن المتوقع أن يسهم بشكل كبير في الناتج القومي وعائدات الصادرات للطرفين مع بداية إنتاج الغاز الطبيعي المسال.

النظام الجزائري.. أسير الشيخوخة وإرث الماضي وأحقاده

حين بث التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهد استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لنظيره الرواندي بول كغامي، يوم 3 يونيو 2025، كان في حقيقة الأمر، ودون أن يدري، يضع الرَّجُلين في ...