موسكو تُشجع رجال الأعمال الروس على الاستثمار في المغرب خصوصا في الصناعات الغذائية والكيميائية التي لها فرص "واعدة"
يبدو أن تطور العلاقات الودية بين روسيا والمغرب بات حجر الأساس لمزيد من التعاون من بوابة المصالح الاقتصادية، بعدما أعربت موسكو عن رغبتها الكبيرة علنا في تطوير الاستثمارات والمبادلات التجارية في مختلف القطاعات مع الرباط، وشرعت منذ أشهر تسريع وتيرته، لعل آخرها الدعوة التي وجّهتها الحكومة الروسية إلى رواد ورجال الأعمال، وأصحاب المقاولات المتوسطة والصغرى في منطقتي أنجارا وإيركوتسك من أجل مناقشة الاستثمار في المغرب.
وتعمل الحكومة الروسية في السنوات الأخيرة، على النفاذ إلى المغرب الذي يُعتبر منطقة النفوذ التقليدية لكل من فرنسا والولايات المتحدة، وذلك على مختلف الأصعدة بما فيها القطاعات التجارية، الثقافية، السياحية والطاقة النووية السلمية، وكذا التعاون العسكري، سيّما في ظل التحول البراغماتي الذي شهده المغرب بدوره وبحثه الانفتاح على حلفاء جدد وتوسيع علاقاته الدولية في جميع الاتجاهات وإن كان صوب بوصلة موسكو، خاصة بعد توتر في علاقاتها مع أوروبا بسبب الاجتياح الروسي لأوكرانيا واتخاذ الرباط موقف الحياد الإيجابي الذي لعب دورا إيجابيا لصالحه.
وفي إطار هذا التقارب في الرؤى، وجّهت الحكومة الروسية، دعوة إلى رجال الأعمال من منطقة إيركوتسك وأنجارا للمشاركة في مؤتمر عبر الفيديو مع الممثل التجاري الروسي في المغرب، الذي سيحتضنه مركز "أعمالي" ضمن المشروع الوطني الرئاسي للمقاولات الصغيرة والمتوسطة في 22 مارس.
وتكلّفت الحكومة الروسية، بهذا المؤتمر الاقتصادي لتضمن مجانيته لجميع رجال ونساء الأعمال والمستثمرين وكذا أصحاب المقاولات المتوسطة والصغيرة، الراغبين في التعرف على المغرب وأفق الاستثمار به، كما وضعت للمهتمين رابطا من أجل التسجيل بحلول 16 مارس، تضمينه بعرض تقديمي أولي ومواد أخرى حول الشركة، بالإضافة إلى الأسئلة التي تهمهم الإجابة عنها خاصة ماهو مرتبط بمناخ الأعمال في المغرب.
وسيتمكن المشاركون في هذا الاجتماع، وفق بلاغ الحكومة الروسية من طرح أسئلة حول خصوصيات ممارسة الأعمال التجارية مع ممثلي المغرب وتعقيدات العلاقات التجارية، كما سيناقش المؤتمر المجالات الواعدة، والخيارات المثلى لدخول السوق المغربية، وسبل التفاعل مع الشركات المحلية، والعوائق التي تحول دون الترويج للمنتجات الروسية، وغير ذلك الكثير.
ومن المثير للانتباه، أن المنطقتين اللتين خصّتها الحكومة الروسية بهذا التعميم في الوقت الحالي معاملاتهم جد ضئيلة مع المغرب، بحيث تبلغ حصة منطقة إيركوتسك من حجم التجارة الخارجية مع المغرب أقل من 1٪، وتهم إمدادات الفحم والأخشاب فيما لم تتمكّن "الصحيفة" من الوصول إلى نسبة محدّدة بخصوص منطقة أنجارا، بناء على المعطيات المتاحة في موقع وزارة التجارة الروسي.
من جهة ثانية، أبرزت الحكومة الروسية، أنه يمكن لمنطقة أنجارا أن تقدم وتعرض منتجات فريدة من نوعها للمغرب، سيما ما هو مرتبط بصناعة المواد الغذائية أو الكيميائية، موردة في تعميمها المشجّع لشركاتها على الاستثمار في المغرب، أنه "يمكن أن يساعد التواصل الشخصي مع الممثل التجاري في العثور على فرصة سانحة للاستثمار".
ومن المرتقب، أن تصل إلى المغرب شهر ماي المقبل، بعثة تجارية عكسية لمؤسسات الصناعات الغذائية والكيميائية، وفق ما أكدته سفيتلانا فاسيليفا، نائبة وزير التنمية الاقتصادية والصناعة لمنطقة إيركوتسك، مشدّدة في الآن ذاته، وفي تصريحات لمنابر إعلامية ببلدها، أن هذا الاجتماع المرتقب سيساعد بشكل جيد وأفضل في الاستعداد لهذه الزيارة التي ستجعل للشركات الروسية مكانا في المغرب.
وخلال سنة 2022، عرفت التجارة بين المغرب وروسيا نموا مطردا، بلغ نحو 23,7 مليارات درهم، حيث استوردت الرباط من موسكو ما قيمته 22,8 مليارات درهم، بزيادة قدرها 25,4 في المائة. أما الصادرات فشهدت تراجعا كبيرا لتسجل 905 ملايين درهم، بانخفاض قدره 46,8 في المائة.
وحسب المعطيات الرسمية التي تتوفر عليها "الصحيفة" من مكتب الصرف، فقد كانت صادرات المغرب نحو روسيا في أعلى مستوى لها عام 2018 بنحو 2,8 مليارات درهم، لكنها بدأت في التراجع سنة بعد سنة، لتصل إلى أدنى مستوى لها بأقل من 1 مليار درهم العام الماضي، وتعتمد الرباط على روسيا للحصول على المحروقات بشكل أساسي، حيث بلغت قيمتها العام الماضي نحو 6,4 مليارات درهم، بعدما كانت في حدود 2,4 مليارات درهم عام 2021، فيما تتشكل صادرات المغرب نحو روسيا بالأساس من الحوامض، حيث قدرت لوحدها العام نحو 571 مليون درهم، أي أكثر من نصف الصادرات بشكل إجمالي.
وتُحاول موسكو منذ فترة، تطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع المغرب من نافذة المصالح المشتركة لكليهما، في إطار مساعيها الهادفة إلى استعادة مكانتها وقوتها في إفريقيا عقب التراجع الكبير الذي شهدته بعد الحرب الباردة، وهو التقارب الحاصل خلال السنوات القليلة الماضية.
وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قد استقبل نظيره الروسي سيرغي لافروف دجنبر الماضي في مراكش على هامش منتدى التعاون العربي الروسي، حيث أكدت موسكو دعمها للرباط في حل القضايا الإقليمية، واعتزام البلدان تعزيز التعاون في قطاع الوقود والطاقة.
وأكد المغرب من جانبه، على لسان وزير خارجيته أنه لطالما اعتبر روسيا شريكا هاما، "يمكننا أن نتعاون معه بطريقة بناءة لحل القضايا الإقليمية، ولطالما دعمت روسيا المغرب في حل القضايا الإقليمية، فيما المغرب يسعى للقيام بدور نشط في حل مشاكل القارة الإفريقية، خاصة في الملف الليبي"، مؤكدا أنه "بحكم موقع روسيا الاتحادية في المجتمع الدولي، وبالنظر لدورها الإقليمي الفاعل وعلاقاتها الوطيدة بالعالم العربي واطلاعها المعمق على واقعه، فإننا نرى في روسيا شريكا قادرا على لعب دور بناء في حل هذه القضايا، وفقا لمبادئ التضامن الفاعل والتأثير الإيجابي، أن المملكة المغربية تعتبر منتدى التعاون العربي الروسي امتدادا للعلاقات التاريخية القائمة بين المغرب وروسيا".