مَصدر حكومي عمّاني لـ"الصحيفة": لا المغرب ولا الجزائر طلبا من السلطنة التوسط لحل الخلافات بينهما
أنهى سلطان عُمان هيثم بن طارق زيارته الرسمية إلى الجزائر، وسط ترقب لما يمكن أن تحمله الزيارة من إشارات أو رسائل دبلوماسية، تتجاوز ما أُعلن من اتفاقيات اقتصادية وتنموية، فبين توقيع مذكرات التفاهم وتعزيز العلاقات الثنائية، برز غياب لافت لأيّ إحالة على ملف الصحراء المغربية، الذي ظل طيلة السنوات الأخيرة بندا مهيمنا على أجندة علاقات الجزائر الخارجية، خاصة مع الدول العربية.
غيابُ هذا الملف، الذي يُعتبر لبّ النزاع القائم بين الجزائر والمغرب، دفع مراقبين إلى قراءة مزدوجة للخطاب الصامت الذي طبع الزيارة، فمن جهة، بدا أن سلطنة عمان تمسكت بنهج "الحياد النشط" الذي لطالما شكّل حجر الزاوية في سياستها الخارجية، ومن جهة ثانية، تساءل البعض عمّا إذا كانت مسقط تُهيئ بهدوء وعلى طريقتها، أرضية دبلوماسية للوساطة بين الجارين المتخاصمين، اعتمادا على رصيدها الموثوق في الوساطات الهادئة، وخبرتها في إدارة النزاعات المركبة دون ضجيج.
في ظل هذه التكهنات، أكد مصدر حكومي رفيع المستوى في العاصمة العمانية مسقط لـ"الصحيفة" أن "سلطنة عمان تتعامل مع هذا الملف بحساسية استثنائية، إدراكا منها لطبيعته المعقدة والمتداخلة إقليميا وسياسيا وتاريخيا، وعلى هذا الأساس، فإن مسقط لا تبادر إلى الوساطة أو التدخل ما لم يكن ذلك بطلب مباشر وصريح من كلا الطرفين المعنيين".
ونبّه المصدر الحكومي العماني ذاته، إلى أن "لا المغرب ولا الجزائر قدّما حتى الآن أي طلب رسمي للسلطنة بشأن الوساطة أو لعب أي دور في نزاع الصحراء، سواء من خلال قنوات دبلوماسية معلنة أو عبر رسائل خلفية أو غير رسمية، وهو ما يجعل عمّان تلتزم الحياد الكامل دون مبادرة أو تحرك، احتراما لسيادة قرار كل دولة وتوجهاتها."
وأردف المصدر ذاته، في تصريح خصّ به "الصحيفة": "نحن في سلطنة عمان نؤمن أن الوساطة لا تُفرض، ولا تنجح إن جاءت بناء على توقعات خارجية أو تطلعات نظرية، وتجربتنا في الوساطات الإقليمية علّمتنا أن الوقت، والإرادة السياسية الصادقة، والتزام الصمت البناء، هي مفاتيح النجاح، ولهذا، نحرص على أن نكون على المسافة ذاتها من جميع الأطراف، ليس فقط شكليا، بل عمليا واستراتيجيا."
ولم يُخفِ المصدر أن سلطنة عمان "تابعت خلال السنوات الأخيرة تطورات هذا الملف بدقة، وتدرك حجم التحولات التي طرأت على موقف المجتمع الدولي تجاهه، كما تدرك تعقيدات العلاقة بين الجزائر والمغرب، ليس فقط في ملف الصحراء، بل في مجموع التراكمات السياسية والحدودية والمخاوف الجيوستراتيجية."
واستطرد موضحا: "في هذا الإطار، تُدرك مسقط أن محاولة الدخول في وساطة دون توفر الأرضية النفسية والسياسية الكافية من الطرفين قد لا تؤتي أُكُلها، بل قد تنعكس سلبا على دور السلطنة الإقليمي المتوازن، وهو ما نسعى لتجنبه."
واعتبر المصدر أن سياسة "الصمت الدبلوماسي" التي اتبعتها عمان خلال زيارة السلطان إلى الجزائر ليست غيابا، بل تعبيرا عن موقف محسوب بعمق، هدفه الإبقاء على الثقة مع الطرفين، دون الدخول في متاهة الاصطفافات أو الضغوط غير المثمرة.
ومن زاوية تحليلية، فإن عدم ورود ملف الصحراء في البيان الختامي للزيارة إلى الجزائر قد يكون مؤشرا على أن الطرف الجزائري نفسه لم يسعَ إلى الزج به في النقاشات الرسمية، ربما إدراكا لحساسية الموقف العُماني، أو حرصا على إبقاء النقاش الاقتصادي في معزل عن الملفات الجيوسياسية الخلافية.
في المقابل، لا يبدو أن الرباط بدورها تتوقع أو تضغط باتجاه وساطة عُمانية، لا سيما في ظل الدينامية الدولية المتصاعدة الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، والتأييد المتزايد لمغربية الصحراء من قِبل عدد من الدول المؤثرة، سواء في العالم العربي أو الغرب في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، إسبانيا وغيرها.
بيد أنه ورغم هذا الواقع، تظل سلطنة عمان رقما دبلوماسيا غير قابل للتجاهل، وقد تكون إحدى القنوات الخلفية الممكنة في لحظة ما، إذا ما توافرت إرادة إقليمية أو أممية لإطلاق مسار حوار غير مباشر بين الرباط والجزائر، سواء لتفكيك الجمود أو لإدارة التوتر المزمن.
وإلى أن يتحقق هذا الشرط، يبدو أن مسقط واستنادا إلى تصريح المصدر الحكومي لـ "الصحيفة"، ستبقى في موقع "الحياد المترقّب"، تمارس دبلوماسيتها، وتحتفظ لنفسها بإمكانية التحرك متى نضج الظرف، بما يجعلها دائما الأقرب إلى الوساطة دون أن تطلبها.
وكانت صحيفة "إسرائيل هايوم" العبرية، قد أكدت في تقرير لها، أن زيارة سلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر ولقاءه مع الرئيس عبد المجيد تبون، له علاقة بدور الوساطة الذي تلعبه مسقط في عدة ملفات، مبرزة أن مساعي البلد الخليجي قائمة من أجل إحداث تقارب مع المغرب وتغيير اللهجة بخصوص علاقات المملكة الدبلوماسية مع إسرائيل.
وأوردت "الصحيفة" أنه "قد يكون هناك الآن تحول في العلاقات" بين المغرب والجزائر، بعد الزيارة التي أجراها سلطان عمان، موردة أنه في الوقت الذي ذكرت فيه وكالة الأنباء العمانية الرسمية أن هدف الرحلة هو "مناقشة جوانب التعاون بين البلدين والتنسيق حول القضايا الإقليمية والدولية"، فإن إمكانية التوسط بين البلدين المغربي تمت إثارتها أيضا.
وكانت سلطنة عمان، قد جدّدت التعبير في 13 أبريل الماضي عن تأييدها للوحدة الترابية للمملكة المغربية وحقها في السيادة على كافة ترابها الوطني، معربة عن تقديرها لحكمة القيادة المغربية في التمسك بحل سلمي يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية.
وأكدت سلطنة عمان أن مبادرة الحكم الذاتي الجدية والواقعية، التي تقدمت بها المملكة المغربية، هي الأساس لحل قضية الصحراء المغربية، وذلك في بيان مشترك صدر على إثر انعقاد أشغال الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية – العمانية بمسقط، برئاسة ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ونظيره العماني بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي.
وثمنت سلطنة عمان الجهود المتواصلة التي يبذلها الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، دفاعا عن مدينة القدس الشريف وصونا لهويتها الحضارية وحفاظا على مكانتها، كما نوهت سلطنة عمان، بالدور الريادي للملك محمد السادس في تدعيم أسس السلم والأمن والاستقرار بالقارة الإفريقية، بما يتجاوب مع تطلعات شعوبها للتقدم والنماء.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :