"مَوسم اللجوء إلى الشمال".. المغرب يَخسر أبناءه المُحبطين سياسيا واجتماعيا

 "مَوسم اللجوء إلى الشمال".. المغرب يَخسر أبناءه المُحبطين سياسيا واجتماعيا
الصحيفة
الخميس 12 شتنبر 2019 - 14:35

وسط واقع اجتماعي واقتصادي لا يدعو للتفاؤل، وبعد العديد من الوقائع التي تؤكد أن مؤشر الحريات يتراجع بوتيرة سريعة، لم يعد خيار الهجرة أمرا مؤجلا عند الكثير من المغاربة، الذين جعلوا من فكرة الرحيل أولوية في سبيل بدأ حياة جديدة بعيدا عن وطن يعتقون أنهم عانوا فيه من "الظلم".

ولم يعد أمر مغادرة المغرب مقتصرا على من يرغبون في نيل فرصة عمل أو فضاء أفضل للتحصيل العلمي، بل صار في كثير من الحالات يحمل طابعا "احتجاجيا" صريحا، يتجسد في طلبات اللجوء المعلن عنها صراحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الشيء الذي يُفقد المغرب تدريجيا الكثير من طاقاته التي غالبا ما يكون ذنبها الوحيد التعارض مع الاختيارات الرسمية للدولة في المجالين السياسي والحقوقي.

هجرة من كل الأطياف

قبل أيام أعاد الصحافي مصطفى الحسناوي إلى الواجهة موضوع هجرة العديد من الفاعلين المغاربة في مجال الصحافة والإعلام إلى الخارج، بعدما أعلن عن وصوله إلى العاصمة السويدية ستوكهولم، لاستكمال إجراءات طلب "اللجوء السياسي"، مستندا على ملف غير صغير يوثق لما يعتبرها "انتهاكات" في حقه، تشمل محاكمته بقانون الإرهاب وسجنه 3 سنوات ما بين 2013 و2016، بالإضافة إلى دخوله في مسلسل إضراب عن الطعام احتجاجا على "سوء المعاملة".

وتنبه قضية الحسناوي إلى أن التذمر من الوضع الحقوقي في المغرب ليس نابعا من تيار سياسي واحد، فإن كان الحسناوي معروفا بتوجهه الإسلامي المحافظ الواضح من خلال موقعه "هوية بريس"، فإن هشام المنصوري، الصحافي والحقوقي المنتمي للصف اليساري، والعضو في الجمعية المغربية لصحافة التحقيق، كان قد سبقه للحصول على اللجوء السياسي في فرنسا.

وتشترك قصة المنصوري مع الحسناوي في وصولهما معا إلى الزنزانة، وإن اختلفت تفاصيل الاثنين، إذ كان الناشط في حركة 20 فبراير قد اعتقل سنة 2015 من داخل شقته بحي أكدال بالرباط بتهمة "الفساد والخيانة الزوجية"، وهي العملية التي قال دفاعه إنها كانت مصحوبة بالضرب والتعنيف اللفظي، قبل أن يحكم عليه بالسجن 8 أشهر حبسا نافذا، في حين ربطت هيئات حقوقية بين ما جرى وبين مواقفه السياسية.

الوصول للباب المسدود

لكن الصحافيين والحقوقيين ليسوا وحدهم الذين فضلوا ترك المغرب بعدما أحسوا بأن الأمل في "التغيير" قد وصل إلى الباب المسدود، بل أيضا ذوو كفاءات أخرى في العديد من المجالات، والذين كانوا إلى وقت قريب قبل مغادرتهم يجاهرون بفخرهم بهويتهم الوطنية.

وقد يكون أبرز مثال على ذلك الخبير في الشأن الأمني رشيد المناصفي، الذي استقر في المغرب طيلة 11 سنة قدما إليه من السويد حيث كان يعيش، بهدف مشاطرة خبرته في المجال مع مؤسسات بلده، قبل أن يكتشف أن "وزراء ومسؤولين غير أكفاء يسيرون البلد"، وفق ما جاء في رسالة وداعية نشرها سنة 2017، قال فيها أيضا "أنا أمثل العديد من المغاربة المنسيين الذين ملوا من رؤية عدد من الأشياء".

وأورد المناصفي "بعد تفكير عميق قررت طي صفحة من حياتي، أعلن لكم بكل حسرة قرار رحيلي عن أجمل بلد في العالم، المغرب الذي سيظل رفقة الشعب المغربي دائما وأبدا في قلبي وفي روحي"، وأضاف الخبير في علم الإجرام أن ما سرع من وتيرة رحيله "كوني ومنذ عودتي من السويد حاولت تغيير بعض الأشياء والعقليات، لكنني كنت في كل محاولة أصطدم بالحائط".

ويبدو أن المغرب قريب من فقدان كفاءة أخرى، في مجال الطب الشرعي هذه المرة، ويتعلق الأمر بالبروفيسور أحمد بلحوس، الأستاذ بكلية الطب والصيدلة بالرباط ورئيس الجمعية المغربية للطب الشرعي، الذي أوقف عن عمله بسبب مساندته لاحتجاجات كلية الطب والصيدلة، والذي استثنته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي مؤخرا من قرار رفع الإيقاف.

وانتشرت مؤخرا للبروفيسور بلحوس صور رفقة أطقم طبية من ألمانيا، مرفوقة بتساؤلات حول إمكانية استقراره هناك نهائيا، في ظل ما يعتبره "ظلما في حقه" من طرف الوزارة الوصية عن قطاع التعليم العالي رغم أن قرار المجلس التأديبي كان في صالحه.

واقع غير مطمئن

"الهجرة بدافع الإحباط واليأس صارت أمرا واقعا نعاينه في محيطنا الشخصي، فلا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن شخص ترك المغرب بسبب ذلك"، بهذه الكلمات يصف عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض هذه الظاهرة، التي قال عنها إنها "لم تعد هجرة عادية بحثا عن فرصة عمل، بل هجرة بسبب الخوف".

ونبه العلام إلى أن الوضح حاليا صار "يثير القلق"، إذ "حتى في عهد الحسن الثاني لم نكن نسمع عن هذا العدد من  طلبات اللجوء السياسي، رغم وجود معارضين مغاربة كثر في الخارج"، موردا أن الأمر يتعلق بأشخاص "يبحثون عن حرياتهم السياسية في مكان آخر غير وطنهم، وآخرين يشعرون أن حرياتهم المدنية صارت مهددة في ظل توالي مسلسل التشهير والإساءة وانتهاك الحق في الخصوصية والتنقيب المستمر في الحياة الخاصة للأفراد".

واعتبر العلام أن "صورة المغرب في الخارج تضررت بسبب هذا النوع من الهجرة، وسيتواصل هذا الضرر ما دامت حالات انتهاك الحقوق والحريات مستمرة وما دام الخوف من الاعتقال بسبب المواقف السياسية حاضرا، ولا أدل على ذلك من قيام العديد من السياح الأجانب بإلغاء حجوزاتهم بعد كل حالة مشابهة، والتي صارت أخبارها تنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

المغرب يخسر

أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية أن عدد طلبات اللجوء التي توصلت بها من مواطنين مغاربة سنة 2018 بلغت 650 طلبا تم قبول 55 منها، بينما كانت إيطاليا قد توصلت سنة 2016 بأكثر من 1500 طلب لجوء، ما يعني أن هذه الطريقة أصبحت من وسائل الهجرة المستخدمة بكثرة.

ويرى الأستاذ الجامعي عبد الرحيم العلام أن المغرب يخسر كثيرا بسبب ذلك، كون أن هذا النوع من الهجرة يشمل في شق كبير منه طاقات مهمة في مجالات الاقتصاد والتعليم العالي والوظيفة العمومية وغيرها، موردا "أَن يغادر 6000 آلاف مقاول المغرب في السنوات الأخيرة، وأن يهاجر أساتذة جامعيون ورجال تعليم وإداريون نحو الخليج ونحو الدول الأجنبية، يعني أن الوضع غير مطمئن".

وتابع المتحدث "صار المغرب يفقد طاقات عديدة كان يمكنها أن تفيده في البناء الاقتصادي أو في تجويد الممارسة السياسية أو في تحسين وضعية التعليم، وبالتالي في النهوض بمسلسل التنمية، لكن العديد من الكفاءات لم تعد تشعر بالأمان وفقدت ثقتها في المؤسسات الأمنية والقضائية والسياسية، وبخروجها نحو الدول الأخرى تبرهن أن الأوضاع داخليا ليست جيدة".

وأورد العلام أن التنافسية الاقتصادية للمغرب آخذة في الضعف كون أن رؤوس الأموال "جبانة بطبعها، وعندما لا يحس المواطنون بالأمان الاقتصادي فالأولى أن لا يحس المستثمرون الأجانب به"، ويضيف الأستاذ الجامعي قائلا "مغادرة الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين تعني أن المغرب يفقد خيرة أطره، وبما أنه بلد يسير نحو الشيخوخة فإنه سيجد نفسه مستقبلا أمام خصاص كبير ولن يستطيع سد هذا الخصاص باستيراد الكفاءات كما فعلت الدول الأوروبية، لأن تلك الدول تملك الموارد المالية اللازمة عكس المغرب".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...