مداخلات حقوقية بالأمم المتحدة تدعو للتدخل لوقف الانتهاكات الانسانية ضد الأطفال وتجنيدهم عسكريا في مخيمات تيندوف جنوب الجزائر
شهدت أشغال اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تلاحق تنديدات حقوقيين دوليين بينهم إسبانيين وأمريكيين فضلا عن زعماء سابقين من "البوليساريو"، بالانتهاكات الجسيمة التي تحدث بمخيمات تندوف، محذّرين المجتمع الدولي من ارتفاع وتيرة القمع الممنهج في المنطقة بسبب غياب حكم القانون وتحت أنظار البلد الحاضن، الجزائر.
وندد رئيس مؤسسة "أفينا" الإسبانية، بيدرو ماكارون، بشدة أمام أعضاء اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك، بالانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال بشكل خاص في مخيمات تندوف، الواقعة جنوب غرب الجزائر، واصفًا الوضع بأنه بالغ الخطورة وغير مقبول، سيّما وأن "جبهة البوليساريو المسلحة تقوم بإخضاع آلاف الشباب لممارسات غير مقبولة تنتهك أبسط حقوقهم"، بما يحيل إلى حقيقة مروعة مفادها أن هؤلاء الأطفال يتم تجنيدهم وتدريبهم ليصبحوا جنودًا.
ماكارون، نبّه أيضا إلى أن هذا التجنيد لا يحرم هؤلاء الأطفال فقط من عيش طفولتهم، بل يعرضهم أيضًا لمواقف عنف وخطر كبيرين، تجعل البيئة حيث يعيشون مليئة بالقلق والخوف، مشيرا إلى أن هذه الأفعال لا تساهم سوى في استمرار "دوامة العنف والمعاناة التي تؤثر على أجيال بأكملها"، وأن الفتية الذين يفترض أن يعيشوا تجارب الطفولة البسيطة والرائعة يتم حرمانهم من تلك الحقوق الأساسية.
وعوض أن ينعم هؤلاء الأطفال بفرصة التعليم الجيد الذي يفتح أمامهم آفاق المستقبل، أعرب ماكارون عن أسفه العميق لكونهم يعانون من "صدمات نفسية وجسدية لا ينمحي أثرها"، ما يترك تأثيرات سلبية مستمرة على حياتهم. بدلًا من ذلك، يضطر هؤلاء الأطفال إلى حمل السلاح والمشاركة في الصراعات، مما يعزز دورة من العنف والخسارة، فيما هذه الانتهاكات ليست مجرد خروقات فردية، بل هي تجسيد لعجز المجتمع الدولي عن حماية حقوق الأطفال في هذه المخيمات، مما يتطلب تحركًا عاجلًا لوضع حد لهذه الممارسات المروعة.
من جانبه، أدان حمادة البويهي، العضو السابق في "البوليساريو"، "السياسة الإجرامية للبوليساريو، التي تعرض الساكنة المحتجزة بمخيمات تندوف إلى "أسوإ أشكال انتهاكات حقوق الإنسان".، مشيرا إلى أن التنظيمات المتطرفة التي تنشط في منطقة الساحل "تضم في صفوفها عناصر من البوليساريو ينحدرون من مدرسة العنف والإرهاب بتندوف".
وتحدث امربيه أحمد محمود أدا، أحد مؤسسي جمعية الصمود، التي تهدف إلى المطالبة بالحق في حرية التعبير والتنقل، عن تجربته الشخصية القاسية، حيث تعرض للتعذيب على أيدي الجلادين في مخيمات تندوف. ولفت الانتباه إلى "الانتهاكات الممنهجة التي يرتكبها زعماء البوليساريو بالمخميات"، معتبراً أن هذه الانتهاكات تمثل الوسيلة الوحيدة التي يعتمدون عليها للحفاظ على مناصبهم، وذلك بدعم من الدولة الجزائرية التي تستضيفهم.
وأشار أحمد محمود أدا إلى أن هذه الممارسات قد أدت إلى تحويل مخيمات تندوف إلى "ملجأ" للشبكات الإجرامية التي تنشط في تهريب المخدرات والأسلحة، مؤكدا أن هذه المخيمات أصبحت بمثابة "قاعدة خلفية" للميليشيات المسلحة، مما يفاقم الوضع الإنساني والأمني في المنطقة، مشيرا إلى أن الانفصاليين استغلوا الظروف الاقتصادية والاجتماعية في تلك المخيمات لتغذية أنشطتهم الإجرامية، مما يزيد من معاناة السكان ويهدد استقرار المنطقة بشكل عام.
وفي إطار النقاشات الجارية حول الانتهاكات الممنهجة التي تتعرض لها ساكنة مخيمات تندوف، أعرب مقدمو ملتمسات دولية آخرون، مثل الأمريكية نانسي هاف، رئيسة "المنظمة الدولية لتعليم الأطفال"، والأردنية أمل جبور، عن قلقهم العميق من الوضع الراهن، مؤكدين أنه قد حان الوقت لكي يتحرك المجتمع الدولي بشكل فعّال ضد هذه الانتهاكات، فضلاً عن مواجهة الاختلاسات المكثفة للمساعدات الإنسانية المخصصة للسكان.
وأعربت هاف عن موقفها الصارم إزاء هذا الموضوع، مشيرة إلى أنه لم يعد بإمكانها، بكل حسن نية، قبول مساعدات الوكالات الإنسانية التي تستند إلى نوايا حسنة وإرسالها إلى تندوف، في الوقت الذي تعلم فيه أن الأشخاص الأكثر احتياجاً لن يتلقوها أبداً.
واستندت المتحدثة في كلامها، إلى تقارير موثوقة صادرة عن برنامج الأغذية العالمي والمكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، حيث أشارت إلى أن برنامج الأغذية العالمي رصد في تقريره لعام 2023 اختلالات جسيمة في إدارة المساعدات داخل مخيمات تندوف، ولا سيما ظاهرة بيع المنتجات الغذائية المخصصة للاجئين في أسواق البلدان المجاورة.
وفي نفس السياق، استنكرت لمعدلة زروق، رئيسة الجمعية الصحراوية لمناهضة الإفلات من العقاب في مخيمات تندوف، غياب حكم القانون في هذه المخيمات، حيث تتعرض ساكنتها لانتهاكات ممنهجة من قبل ميليشيات "البوليساريو"، في ظل دعم واضح من الجزائر، البلد الحاضن، مؤكدة أن "الحاجة لم تعد ضرورية لإثبات مسؤولية البلد الحاضن"، مشيرة إلى وجود تقارير صادرة عن الآليات الأممية لحقوق الإنسان والعديد من المنظمات مثل "فرانس ليبرتي"، التي تدعم هذا الموقف وتوثق الانتهاكات المستمرة.
وما يعزز هذه المطالبات الدولية هو النداء المتزايد من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية، الذي يتطلب تدخل المجتمع الدولي لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وحماية حقوق الأشخاص المتضررين في مخيمات تندوف.