القبّة الحديدية.. درع إسرائيل الذي كلف 210 ملايين دولار وفشل في صدّ صواريخ المقاومة الفلسطينية
ارتفعت حدة الصراع العسكري بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، خلال الأيام القليلة الماضية، وكلما تصاعدت المواجهات بين الطرفين، إلا وتبادلا معا الضربات الصاروخية، حيث تعول تل أبيب في كل مرة، على منظومة "القبّة الحديدية" للتصدي للمقذوفات القصيرة والمتوسطة المدى لصواريخ المقاومة الفلسطينية، غير أن التجربة بيّنت أن هذه المنظومة لا يمكنها حماية إسرائيل بشكل كلي، حيث بدأ الإعلام الدولي يتحدث عن أن "القبة الحديدية" منظومة دفاع صنعت منها البروباغندا الإسرائيلية وهما عسكريا لا يقهر غير أن الحقيقية غير ذلك بالمرة.
ومع وصول العشرات من صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى داخل المدن الإسرائيلية، بما فيه عمق تل أبيب، وشل كل المطارات المدنية، ودخول أغلب السكان إلى الملاجىء، بدأت الأسئلة تنهال على قيادات الجيش الإسرائيلي حول مدى نجاعة النظام المعتمد لحماية إسرائيل في ظل التكلفة الباهضة التي وضعت كميزانية لهذه المنظومة العسكرية.
القبة الحديدية.. ماهية الحضور في مواجهة صواريخ المقاومة
القبة الحديدية، هي نظام دفاع جوي بالصواريخ ذات قواعد متحركة، طورته شركة "رافئيل" لأنظمة الدفاع المتقدمة، والهدف منه هو اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية، حيث استخدم سنة 2007 كحل دفاعي لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى عن إسرائيل، والذي بلغت كلفته 210 مليون دولار، وتم تطويره لالتعاون مع جيش الدفاع الإسرائيلي، ودخل الخدمة منذ منتصف سنة 2011.
من فكرة تسميته بـ"مضاد القسام"، إلى اقتراح اسم Tamir كإسم للصواريخ والتي تعني (الصواريخ الاعتراضية)، ثم التفكير في اسم "القبة الذهبية" للمشروع ككل، خلص الإسرائليون لتسميته بـ "القبة الحديدية"، حيث كانت وظيفته صد الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية من عيار 155 ملم، والتي يصل مداها إلى 70 كم، حيث يعمل النظام في مختلف الظروف ويشمل جهاز رادار ونظام تعقب وبطارية مكونة من 20 صاروخ اعتراضي.
وبعد حرب لبنان سنة 2006، حيث أطلق حزب الله ما يزيد عن 4000 صاروخ "كاتيوشا" قصير المدى سقطت في شمال إسرائيل، وأدّت إلى مقتل 44 إسرائيليا ولجوء حوالي مليون إسرائيلي إلى الملاجئ، ظهرت حاجة إسرائيل إلى نظام عسكري على غرار "القبة الحديدية"، خاصة في ظل استمرار حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية بإطلاق الصواريخ، التي فاقت الـ8000 صاروخ.
تقرير مجلة "The National Interest" الأمريكية
لا يوجد نظام دفاع صاروخي تقليدي مهما كان متقدما يتمتع بحصانة كاملة ضد الهجمات الصاروخية المكثفة، بما في ذلك نظام القبة الحديدية الذي تستخدمه إسرائيل للتصدي للصواريخ التي تطلقها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وباقي الفصائل الفلسطينية من قطاع غزة. هكذا خلص تقرير لمجلة "ناشونال إنترست The National Interest" الأمريكية المختصة في الأنظمة العسكرية.
وذكرت المجلة، في تقرير لها، أن هذا النظام، وهو عبارة عن شبكة اعتراضية تستخدم تكنولوجيا تحليل بيانات رادارات متطورة لرصد وتعقب وتدمير الصواريخ، يعد خط الدفاع الأول والأساسي لدى إسرائيل ضد وابل الصواريخ قصيرة المدى القادمة من قطاع غزة.
وتساءلت عن مدى فاعلية هذا النظام، الذي غالبا ما يوصف بأنه أحد أكثر أنظمة الاعتراض فاعلية في العالم، في التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية، مؤكدة أنه يركز جزئيا -من أجل توفير التكلفة- على الصواريخ التي تسير في مسار محدد، وهو قرار حكيم خاصة في سياق التصعيد الحالي حيث فشل حوالي 400 صاروخ من بين 1600 أطلقتها حماس في الوصول لإسرائيل.
وفيما يتعلق بباقي الصواريخ التي تقترب من أهدافها فيؤكد الجيش الإسرائيلي أن نسبة النجاح في التصدي لها وتدميرها تزيد عن 90%، وهو رقم تم التشكيك فيه بشكل موضوعي خلال السنوات الأخيرة خاصة في تحليل دقيق أنجزه لناشونال إنترست الأستاذ المساعد بجامعة بروك الأميركية مايكل أرمسترونغ.
وحتى لو كانت هذه النسبة دقيقة بشكل إجمالي -تضيف المجلة- فهناك بيانات وسوابق تشير إلى أن القبة الحديدية أقل فاعلية بشكل ملحوظ أمام ضربات توجه إلى أهداف قصيرة المدى. حسب تقرير نشرته قناة "الجزيرة".
وحسب المصدر ذاته، فخلال الحرب على غزة عام 2014 كافحت بطاريات القبة الحديدية لاعتراض ما يقرب من 700 صاروخ قصير المدى أطلقت على إسرائيل خلال يوم واحد.
وأشارت المجلة إلى أن قدرات فصائل المقاومة -وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي- على توجيه ضربات صاروخية مكثفة للداخل الإسرائيلي لم تنم فحسب منذ ذلك الوقت، بل إن الحركتين عمدتا باستمرار إلى تكييف تكتيكاتهما من خلال إطلاق الصواريخ في مسارات منخفضة بهدف الحصول على فرص أفضل لاختراق شبكة الدفاع الصاروخي للجيش الإسرائيلي.
نظام القبة.. جنود إسرائليوين أصيبوا بمرض السرطان
كشف جنود إسرائيليون أنهم أصيبوا بمرض السرطان، بسبب خدمتهم العسكرية في ما تعرف بمنظومة "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ، حيث أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" المحلية إن مجموعة من الجنود الذين خدموا في القبة الحديدية أصيبوا بالورم الخبيث، عند اقتراب نهاية خدمتهم العسكرية أو بعد فترة وجيزة من إتمامها.
وأضافت الصحيفة أن الجنود يزعمون أن هناك صلة بين الخدمة في المنظومة ومرضهم، وأن رادار المنظومة يتسبب بإشعاعات وحرارة تسبب المرض، مضيفة أنها تعتزم نشر قصص حوالي 10 من الجنود يعانون من المرض، بعضهم في مراحل مختلفة من المقاضاة ضد وزارة الدفاع.
ونقلت عن أحد الجنود، واسمه ران، قوله إن عمله في المنظومة تسبب بإصابته بالسرطان، وأضافت أنه بعد حوالي عام من مغادرته الخدمة تم تشخيص إصابته بورم خبيث في العظام.
بين مؤيد ومعارض.. ما مدى نجاعة نظام القبة الحديدية؟
قال أمير أفيفي، العميد الإسرائيلي المتقاعد، إن القبة الحديدية تعمل على النحو المنشود "تم تصميم النظام لأحداث أكبر بكثير"، مردفا "يمكن للقبة الحديدية التعامل مع حجم هائل من الصواريخ"، في الوقت الذي صرح فيه جوناثان كونريكوس، المتحدث العسكري الإسرائيلي، قائلا "كان من الممكن أن يكون عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين أكبر بكثير لولا نظام القبة الحديدية الإسرائيلي".
في المقابل، يرى ستيفن واغنر، وهو محاضر في الأمن الدولي في جامعة "برونيل" في لندن، إنه "رغم أن أداء القبة الحديدية الإسرائيلية ملفت لكن يجب أن يكون ذلك أيضاً تذكيراً صارخاً بعدم تكافؤ هذا الصراع"، مضيفا "ذخيرة حماس بسيطة ورخيصة ويمكن أن تخترق من حين لآخر نظاماً دفاعياً أنفق عليه مئات ملايين الدولارات بتمويل من الولايات المتحدة".
وتشير المعطيات إلى أن العدد الهائل من الصواريخ التي في أيدي المقاومة الفلسطينية، والتي تم إنتاجها ببضع مئات من الدولارات لكل منها، يمكن أن تشكل تهديداً على القبة الحديدية، حيث تبلغ تكلفة كل صاروخ اعتراض نحو 50 ألف دولار، وفقاً للجيش الإسرائيلي، ومع ذلك، تقول إسرائيل إنّ "نظامها الدفاعي المكلف يستحق كل قرش انفق عليه".
ونشرت صحيفة "التلغراف" البريطانية، قبل يومين، تقريرا بعنوان"كيف اخترقت حماس درع القبة الحديدية الشهير لإسرائيل". أشارت من خلاله إلى تساؤلات واجهها الجيش الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، حول ما إذا كانت القبة الحديدية بحاجة إلى تحديث، بعد مقتل خمسة مدنيين إسرائيليين في ضربات صاروخية.
وأشار التقرير إلى أن النظام، الذي يقول مسؤولون إسرائيليون إن معدل اعتراضه يبلغ 90 في المئة، جنّب بالفعل إسرائيل خسائر فادحة في الأرواح، إلا أن محللين إسرائيليين قالوا إن "مصادر استخباراتية كانت بدأت بالتحذير منذ بعض الوقت من أن حماس حسنت بشكل كبير أسلحتها لدرجة أنها قد تخترق درع القبة الحديدية".
ونقلت "التلغراف"، مقالا لمحلليها في الشؤون الاستخباراتية داخل الصحيفة، قالوا خلاله إن "القبة الحديدية كانت تعاني دائماً من نقاط ضعف"، في إشارة إلى معدل نجاح النظام، مع التأكيد على أن ذلك لا يعني أن القبة الحديدية لم تعد فعالة.
وأضاف:"إذا كانت حماس تملك المزيد من الصواريخ طويلة المدى، فقد يؤثر ذلك على خطط إسرائيل لهذه الجولة من المعارك، وخاصة مسألة المدة التي تريدها أن تستمر فيها".
تكلفة باهضة للنظام العسكري الإسرائيلي
طالت نظام "القبة الحديدية" انتقادات كبيرة، منذ نشأته وتطويره من قبل النظام العسكري الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بتكلفته الباهظة، حيث تقدر تكلفة الصاروخ المعترض ما بين 35 ألف و50 ألف دولار، وحتى 62 ألف دولار وفقاً لمصادر مطلعة في عالم الاستخبارات العسكرية.
وفي مقال له في صحيفة "هآرتس"، في يناير 2010، قال رؤوفين بيداتسور، المحلل العسكري والأستاذ في جامعة تل أبيب، أن القبة الحديدية كانت أكبر عملية احتيال ضخمة، مع العلم أن زمن رحلة صاروخ قسام إلى "سديروت" هو 14 ثانية، في حين أن نظام القبة الحديدية يحدد ويعترض الصاروخ بعد 15 ثانية، وهو ما يعني أن النظام لا يمكن اعتراض الصواريخ ذات مدى أقل من 5 كم.
وألقى المؤلف الضوء على الفجوة الكبيرة، بين تكلفة القبة الحديدية صاروخ (50 ألف دولار) وتكلفة صاروخ القسام (300 دولار أو 1000 دولار)، حيث أن كثافة الصواريخ الفلسطينية تكلف الميزانية الإسرائيلية ملايين الدولارات يوميا، في ظل إطلاق المقاومة مثات الصواريخ بشكل مستمر.
ويقول موقع "غلوبس" الاقتصادي الإسرائيلي، أن التقدير الصحيح لثمن صد صاروخ تطلقه المقاومة الفلسطينية بصاروخ القبة الحديدية هو 100 ألف دولار أمريكي، مشيراً إلى أن تقديرات الجيش الإسرائيلي السابقة حول التكلفة التي أشارت إلى أنها لا تتعدى 50 ألف دولار غير صحيحة.
ويضيف، بالتأكيد على أن "الحديث يدور حول تكاليف باهظة للغاية مقارنة بالصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية التي لا تتجاوز أثمانها مئات الدولارات" لافتا في الآن ذاته إلى أنّ منظومة القبة الحديدة معدة لتوفير الحماية من الصواريخ قصيرة المدى في العادة، وهي معدة خصيصاً لصد صواريخ الفصائل الفلسطينية مثل صواريخ القسام وصواريخ جراد.
كما كتب يورام يوفال، رئيس معهد الأبحاث الانفعالية في جامعة "حيفا"، مقالا في "يديعوت أحرونوت" حول الوهم الخطير للأمن المطلق، يتساءل فيه هل القبة الحديدية والوسائل الدفاعية التكنولوجية قادرة على توفير الحماية للمجتمع الإسرائيلي، حيث قال يورام يوفال في مقاله "نحن بحاجة إلى الاعتراف بأن أي نظام دفاعي عالي التقنية لا يمكنه أن يوفر الأمن المطلق حتى إذا كان سياسيونا يقودوننا مرة أخرى إلى الاعتقاد بغير ذلك، هذا الأمر هراء وخطير وسينفجر في وجوهنا".