نفوذُ المغرب داخل "الكاف".. معركةُ الصحراء واستراتيجية "القوة الناعمة" التي تطلبت النفس الطويل

 نفوذُ المغرب داخل "الكاف".. معركةُ الصحراء واستراتيجية "القوة الناعمة" التي تطلبت النفس الطويل
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأثنين 9 يونيو 2025 - 18:00

وصل فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، إلى منصب النائب الأول لرئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وذلك خلال انعقاد اجتماع المكتب التنفيذي يوم 26 أبريل الماضي، في العاصمة الغانية أكرا، وهو ما يعني، نظريا، أنه الرجل الثاني في المؤسسة الكروية الإفريقية، لكن العديد من خصوم الرجل ومن حلفائه على حد سواء، يرون أن نفوذه بات يتجاوز الجنوب إفريقي، باتريس موتسيبي، رئيس "الكاف" نفسه.

الناظر إلى الموقع الذي وصل إليه لقجع الآن، بعد 8 سنوات فقط من دخوله إلى دواليب الهيئة القارية، التي كانت أبوابها موصدة أو تكاد آمام المملكة لسنوات طويلة، يرى في ذلك "نجاحا" للمغرب في الدفاع عن مصالحه، التي تتجاوز "الكاف" إلى "الفيفا" وإلى ما هو أبعد من ذلك أيضا، لكن ما لا يجب تجاهله كذلك هو أن الأمر نتاجُ معركة دبلوماسية رياضية طويلة، اكتشفت الرباط أنها إن لم تخضها بالكفاءة والحزم اللازمين، فإنها ستخسر الكثير.

وقبل أن يصل إلى موقع نائب رئيس "الكاف"، كان على لقجع أن يخوض معركة أخرى داخل دواليب الكونفدرالية، وذلك خلال جمعيتها العمومية التي احتضنتها العاصمة المصرية القاهرة، بتاريخ 12 مارس 2025، حيث كان مُطالبا بتفادي أي مُفاجأة من موتسيبي الراغب في البقاء رئيسا لولاية جديدة مهما كلفهُ الأمر، وفي الوقت نفسه مجابهة "التحالف" الذي كانت تحاول الجزائر بناءه في سبيل العودة إلى عضوية المكتب التنفيذي، مُغازلةً أساسا نجم الكرة الكاميرونية صامويل إيتو.

كان من الواضح أن الأمر يتعلق بمعركة سياسية أكثر منها رياضية، لدرجة الحديث في بعض الإعلام التونسية عن أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون طلب من نظيره التونسي قيس سْعَيّد، دفع مرشح بلاد حسين جنيح، الذي أُعلن ترشُّح رسميا في نونبر 2024، إلى الانسحاب لصالح رئيس الاتحادية الجزائرية وليد صادي، وهو الأمر الذي تسبب في فقدان تونس لعضوية المكتب التفيذي لـ"الكاف" التي لم تَتَخَلَّ عنها منذ 1988.

لكن النتائج التي حققها المغرب، لم تكن مفاجِئة للجزائر فقط، بل حتى لموتسيبي نفسه، الذي تربطه، ظاهريا على الأقل، علاقة قوية برئيس الـFRMF، حين حل في الرتبة الأولى في انتخابات عضوية مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، بـ 49 صوتا من أصل 52، متفوقا بـ14 صوتا على حليفه المصري هاني أبو ريدة الذي حل ثانيا وحصل على الصفة ذاتها، رفقة بريلا هيما حميدو من النيجر، وأحمد ولد يحيى من موريتانيا، وسليمان وابيري من جيبوتي.

هذا المسار كشف كيف أن المغرب يشق طريقه داخل "الكاف" اعتمادا على علاقاته الدبلوماسية، وهو أمرٌ كان واضحا بالنسبة لمرشحي النيجر وجيبوتي، لكن المثير للانتباه هو أن التحالف مع لقجع أوصل أيضا رئيس الاتحاد الموريتاني لكرة القدم، أحمد ولد يحيى، لأول مرة، إلى عضوية المكتب التنفيذي لـ"الفيفا"، وهو الذي شرع منذ سنوات في ربط آفاق الكرة في بلاده بالمغرب، لدرجة أنه تعاقد مع شركة مغربية لتزويد المنتخبات والحكام في موريتانيا بالبدلات الرياضية الرسمية.

ما حققه لقجع من نتائج في مارس الماضي، جعلت من أمر وصوله إلى منصب النائب الأول لرئيس "الكاف" أمرا منطقيا، بعدما بات يتوفر على "شرعية الأصوات"، لدرجة أن موتسيبي نفسه لم يستطع إخفاء دهشته حين خاطب المسؤول المغربي في القاهرة بحُضور رئيس "الفيفا" جياني إنفنتينو، وأمام عدسات الكاميرات قائلا: "أنت محظوظ يا فوزي، لديك شعبية كبيرة".

الوصول إلى هذه النقطة، كان بالنسبة للمغرب ضرورة لا اختيارا، فلقجع، الذي وجد أمامه فوضى عارمة حين وصل إلى منصب رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سنة 2014، خلفاً لعلي الفاسي الفهري، كان مطالبا بقيادة مشروع مُتشعِّب يجمع بين تجويد التكوين والارتقاء بالبطولة المحلية وإعادة تأهيل الملاعب وبناء المنتخبات الوطنية.. لكن أيضا البحث عن موقع المغرب الضائع داخل "الكاف"، تحسبا لمعركة قادمة تمس الوحدة الترابية للمملكة.

فوصول لقجع إلى منصب النائب الثاني لرئيس "الكاف"، أحمد أحمد، لأول مرة سنة 2017، سبقته إرهاصات سعي الجزائر وجنوب إفريقيا لضم ما يسمى "الاتحاد الصحراوي" إلى المؤسسة، على اعتبار أنه يمثل "الجمهورية الصحراوية" العضو في منظمة الاتحاد الإفريقي، كان ذلك بمثابة رد فعل على عودة المغرب إلى المنظمة القارية سنة 2016 وتخليه عن سياسة المقعد الفارغ.

لذلك لم يكن مُستغربا أن المواجهة الأولى للقجع داخل "الكاف" كانت ضد الرئيس القوي للاتحادية الجزائرية لكرة القدم حينها، محمد روراوة، للحصول على مقعد شمال إفريقيا داخل المكتب التنفيذي، خلال أشغال الجمعية العمومية التي احتضنتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مارس 2017، وحسمها مرشح المغرب بشكل ساحق بـ41 صوتا مقابل 7، بعد تحالف مع الملغاشي أحمد أحمد، مكَّنَ هذا الأخير من الإطاحة بالكاميروني عيسى حياتو، رئيس "الكاف" لـ29 عاما.

في 2021 ستظهر ملامح المعركة السياسية حول الصحراء بشكل أوضح، حين سيبرز اسم باتريس موتسيبي، رئيس نادي ماميلودي صن داونز، ضمن 5 مرشحين لتعويض أحمد أحمد على رأس "الكاف"، وكان يُنظر إليه حينها على أنه "الحليف الطبيعي" للجزائر ولمسعاها من أجل ضم "البوليساريو" إلى الهيئة الكروية القارية، لذلك كان على الرباط أن تُوظف أسلحتها الدبلوماسية خارجيا، وكان على لقجع أن يبني تحالفات تبدو للوهلة الأولى "غير منطقية" داخليا، لإفشال هذا المخطط.

كان واضحا أن الأمر يتعلق بمعركة كسرِ عظام، تطلبت دخول "الفيفا" على الخط، وهو ما يُفسر حضور رئيسها إنفانتينو إلى المغرب في فبراير من العام نفسه، ولقاءه بوزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، حتى قبل اجتماعه بلقجع، قبل أن يعود إلى الرباط في مارس من العام نفسه للمشاركة في الجمعية العمومية لـ"الكاف"، حاملا معه صيغةً أرضت موتسيبي ولقجع معا، ومنحت المملكة انتصارا دبلوماسيا جديدا في قضية الصحراء.

وقبل انتخاب موتسيبي على رأس الهيئة دون منافسة، صادقت الجمعية العمومية على تعديلات قانونية تمنع انضمام أي عضو إلى الكونفدرالية ما لم يكن يتمتع بصفة دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وليس في أي منظمة أخرى بما في ذلك الاتحاد الإفريقي، وتلا ذلك حصول لقجع، لأول مرة، على عضوية مجلس "الفيفا"، مع احتفاظه بعضوية اللجنة التنفيذية لـ"الكاف" ورئاسة لجنة المالية، وتمرير مقعد النائب الأول لمرشح السنغال أوغوستين سانغور، والنائب الثاني لمرشح موريتانيا أحمد ولد يحيى.

المؤكد أن وقعَ ذلك كان قاسيًا على الجزائر، بعدما فشلت للمرة الثانية على التوالي في الحصول على مقعد في اللجنة التنفيذية لـ"الكاف"، لكن الصادم أكثر كان هو امتناع رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، خير الدين زطشي، عن التصويت ضد التعديل الخاص بمنع الكيانات غير المتمتعة بعضوية الأمم المتحدة من الانضمام إلى الهيئة، حيث منح صوته لصالح التعديل، وهو ما جعله يُواجه هجوما حادا عبر وسائل الإعلام الجزائرية بلغ حد اتهامه بـ"الخيانة"، وأفضى به إلى التخلي قسرا على منصبه.

ولأن قضية الصحراء قضيةٌ "وجودية" بالنسبة للجزائر بحكم الأمر الواقع، على الرغم من إصرار سلطاتها على أنها "ليست طرفا فيها"، فإن مجرد الابعاد لم يكن كافية بالنسبة لزطشي، الذي تناسى الجميع أن تتويج المنتخب الجزائر بكأس أمم إفريقيا 2019 كان في عهده، لتتم إحالته إلى سجن "القليعة" في نونبر 2024، بعدما وَجهت له المحكمة تُهما ثقيلة تتعلق بـ "إبرام عقود مخالفة للإجراء الداخلي لإبرام الصفقات، بغرض منح امتيازات غير مبررة للغير أسفرت عن تبديد المال العام".

المملكة إلى العالمية

وفي الوقت الذي اختارت فيه الجزائر لعب ورقة جديدة اسمها "وليد صادي"، المقرب من الرئيس تبون، والذي سيُصبح رئيسا للاتحادية سنة 2023، ثم سيُمنح أيضا حقيبة وزير الرياضة في 2024، كانت الرباط قد فتحت جبهات أخرى ذات أبعادٍ أكثر أهمية تتجاوز حدود القارة السمراء، اتضحت ملامحها في مارس 2023 عندما كشفت الرسالة الملكية التي تلاها وزير التربية الوطنية والشباب والرياضة، حينها، شكيب بن موسى، من كيغالي عاصمة رواندا، بمناسبة تتويج الملك محمد السادس بجائزة "الكاف" لـ"التميز الرياضي"، عن ترشح المغرب رفقة إسبانيا والبرتغال لاحتضان كأس العالم 2030.

في أبريل من العام نفسه، أعلن موتسيبي أن "ترشُّح المغرب لاحتضان مونديال 2030 هو ترشيح لإفريقيا"، وذلك استنادا إلى قرارٍ اتخذته اللجنة التنفيذية لـ"الكاف" بالإجماع، الأمر الذي كان يعني، أن أصوات القارة كلها يجب أن تذهب للملف الثلاثي، في مواجهة ملف أمريكا الجنوبية الرباعي، المكون من الأرجنتين والأوروغواي والباراغواي والتشيلي، وكان ذلك موقفا مهما لحسم الأمور عمليًا، وإعلان الديوان الملكي المغربي، قبل "الفيفا"، في أكتوبر 2030، اعتماد ملف المغرب وإسبانيا والبرتغال ملفا وحيدا مُرشحا لاحتضان التظاهرة الرياضية الأكبر عالميا.

وإن كانت تلك هي النتيجة الأهم التي حققها المغرب، فإن ذلك لم يأتِ من فراغ، فالرباط انتهجت سياسية "دبلوماسية كروية"، طويلة الأمد، بدأت بفتح ملاعبها مجانا لفائدة المنتخبات التي لا تتوفر على ملاعب تحترم معايير "الكاف"، من أجل احتضان مبارياتها الرسمية، بل والمساهمة في تأهيل ملاعب لفائدة بلدان أخرى، على غرار ما جرى الإعلان عنه مؤخرا مع ليبيريا، بالإضافة إلى احتضان العديد من التظاهرات القارية بكفاءة، مثل كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين سنة 2018، وللاعبين الأولمبيين سنة 2023 وكأس أمم إفريقيا للفتيان تحت 17 سنة في 2025، ونهائي دوري أبطال إفريقيا في 2021 و2022، ونهائي كأس الكونفدرالية في 2020، وكأس إفريقيا للسيدات سنوات 2022 و2025 و2026، وكأس أمم إفريقيا للفوتسال رجال في 2020 و2024 وسيدات في 2025، وحفل "الكاف" 2023 بمراكش و2024 بالرباط.

هذا "الإنزال" الإفريقي بالمغرب بدأ يبرز، عبر الإعلام الجزائري تحديدا، وكأنه "حظوة" من "الكاف" للمملكة، مع تجاهلِ أن هذه الأخيرة أصبحت "المُنقذ" للكونفدرالية الإفريقية من حرج إلغاء بُطولات وتظاهرات وتأجيل أخرى، أو حرمان منتخباتٍ من المشاركة في تصفيات كأس إفريقيا وكأس العالم، وهي "دبلوماسية" كان من الطبيعي أن تحصد الرباط نتائجها من خلال "الإجماع القبلي" على منحها حق استضافة كأس أمم إفريقيا 2025 في مواجهة ملف الجزائر، بل وأيضا دعمها، في السر والعلن، في قضايا أخرى أكثر أهمية وفي مقدمتها قضية الصحراء.

إلا أن الثابت أيضا، هو أن المغرب، يُصر، دون مواربة، على الحصول على مساحته ضمن المنظومة الكروية القارية والدولية التي أفرغها لسنوات، والتحول إلى الواجهة الأهم لإفريقيا أمام العالم، ليس فقط من خلال احتضان كأس العالم 2030 كثاني بلد في القارة بعد جنوب إفريقيا في 2010، ولكن أيضا من خلال أحداث أخرى تعزز "قوته الناعمة"، مثل احتضان المقر الإقليمي الدائم لـ"الفيفا" الذي وقع فوزي لقجع ورئيس الحكومة عزيز أخنوش البروتوكول الخاص به مع جياني إنفانتينو في دجنبر 2024، والترشح المنتظر لاحتضان كأس العالم للأندية 2029.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

النظام الجزائري.. أسير الشيخوخة وإرث الماضي وأحقاده

حين بث التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهد استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لنظيره الرواندي بول كغامي، يوم 3 يونيو 2025، كان في حقيقة الأمر، ودون أن يدري، يضع الرَّجُلين في ...