هزائم السلفية
صار من القواعد الثابتة التي أكدتها الأحداث المتعاقبة أن كل ما يهاجمه دعاة التطرف السلفي يصبح أكثر شيوعا وتتوفر له كل حظوظ النجاح والتوفيق، وانطلاقا من هذه القناعة نبشر “الشيخات” وكل الفنانات المغربيات بمزيد من النجاح مستقبلا، وإليكم الأدلة:
ـ انطلقوا في برنامج عملهم الدعوي بمهاجمة بيع الخمور والتحريض على الحانات فتزايدت أعدادُها، حتى صارت مداخيل الدولة من ضرائبها رقما كبيرا تُعول عليه كل الحكومات بما فيها الحكومة التي ترأسها الحزب الإخواني، الذي ربح منها أكثر من الحكومات السابقة لأنه زاد في أسعارها بنسبة 30 في المائة دون أن ينقص الاستهلاك.
ـ حرضوا على الشواطئ والسباحة ولباس البحر وطالبوا بمنعها فاكتظت الشواطئ بالمواطنين وتزايد الإقبال عليها. وحتى عندما اقتحموا الشواطئ من أجل الصلاة فيها باءت محاولاتهم بالفشل فظلت الشواطئ على حالها في كل التراب الوطني.
ـ هاجموا البنوك واعتبروا فوائدها “ربا”، لكن المغاربة فتحوا أرصدتهم البنكية وقضوا أغراضهم المختلفة بالسلفات والقروض، أما “البنوك الإسلامية” فسرعان ما تبين أنها تحايل على المواطنين المؤمنين الذين تضرّروا من غلائها المبالغ فيه مقارنة بما تقدمه البنوك العادية من خدمات، مما أدى إلى تراجعها وفشلها.
ـ هاجموا الأدب والفلسفة فظهر جيل كامل من الأدباء والفنانين الحداثيين بمختلف اللغات المتداولة بالمغرب، وأحدثوا ثورة في الإبداع الأدبي بكل أجناسه، أما الفلسفة فسرعان ما خرجت من سنوات الرصاص لتصبح المنقذ من التطرف بالنسبة للدولة نفسها، التي سارعت بفتح شعبها في مختلف الكليات التي كانت ممنوعة فيها عندما شعُرت بخطر التطرف الذي أشعلت فتيله بنفسها.
ـ شنّ السلفيون هجمات متتالية على المرأة العصرية وعلى لباسها وعملها ونادوا بـ”الحجاب” و”النقاب” و”البرقع”، وندّدوا بمطالب النساء في تعديل مدونة الأسرة، لكن ما حدث هو أن “الحجاب” و”النقاب” بعد فترة من الانتشار صارا مجرد مظهر خارجي يخفي كل أنواع الرذائل، كما صار من وسائل الإرهاب ولم يحقق الفضيلة ولا أوصل أصحابه إلى الأخلاق العالية، ليبدأ العدّ العكسي لتراجعه في السنوات الأخيرة في اتجاه أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه. أما بالنسبة لمدونة الأسرة فرغم مسيرة الإسلاميين الضخمة بالدار البيضاء ضدّ حقوق النساء فقد تم تعديلها في مراجعة شاملة أدمجت الكثير من المطالب النسائية سنة 2004. وهي اليوم بعد 16 سنة مطروحة للنقاش مجدّدا من أجل مراجعة وتعديلات جديدة لتدارك ثغراتها ونقائصها.
ـ ندّد السلفيون بالإلحاد والكفر وبتهديدات “التبشير” المسيحي فتزايدت نسبة الإلحاد في صفوف الشباب كما ازداد الإقبال على الديانات الأخرى وخاصة المسيحية التي صار أتباعها من المغاربة يعلنون عن أنفسهم وعن اختياراتهم العقدية في فيديوهات مباشرة.
ـ استعملوا القضية الفلسطينية للتحريض على اليهود المغاربة وتعمدوا الخلط بين الصهيونية واليهودية ورفعوا شعار “خيبر خيبر يا يهود” في الشارع العام، لكن ما حدث هو أن اليهود المغاربة المتواجدين بمختلف بلدان العالم ازدادوا تمسكا بالعودة إلى بلدهم سواء عبر السياحة أو الاستثمار، بل إن الدولة المغربية قامت بالتطبيع رسميا مع دولة إسرائيل باتفاقيات رسمية علنية.
ـ ويعتبر الفن أكبر المستهدفين من طرف غلاة السلفية بسبب استقطابه لجمهور واسع، لكن جميع الأفلام السينمائية أو الأغاني التي حرضوا ضدّها صارت مطلوبة من طرف الجمهور ومبحوثا عنها بإلحاح، لدرجة أن أحد الأفلام التي منعها وزير اتصال سابق عرف إقبالا كبيرا سواء داخل المغرب أو خارجه. وحقق أرباحا ومداخيل هامة في باريس وحدها حيث شاهده 500000 من الجمهور بفضل الدعاية الإسلاموية.
ـ عارضوا مأسسة الأمازيغية واعتبروها “لهجات سوقية” وحروفها “وثنية” وقالوا سنة 1995 “إن الدعوة إلى تدريس الأمازيغية مؤامرة استعمارية” بل اعتبرها أحد المشايخ سنة 1996 “ضرة” للعربية وجاسوسة للأجانب كما سماها استخفافا “أهازيج سهلية جبلية”، وصرّح رئيس حزب “الإخوان” بالمغرب متحدثا عن الحروف الأمازيغية: “غادي نزوّلوا هاديك الشينوية”، لكن الأمازيغية دخلت إلى التعليم سنة 2003 وبحرفها الأصلي “تيفيناغ”، ثم إلى القنوات التلفزية سنة 2006، ثم صارت لغة رسمية سنة 2011، وصار لها قانون تنظيمي سنة 2019، واليوم لها ميزانية من مائة مليار سنتيم وتنتظر تفعيل طابعها الرسمي.
ـ هاجموا كرة القدم واعتبروها تشبها بالكفار وإلهاء للمسلمين عن ذكر الله، فاكتظت الملاعب بالجماهير وظلت الكرة الرياضة الأكثر شعبية.
ـ هاجموا حرية المعتقد وهدّدوا بالنزول إلى الشارع في حالة دسترتها سنة 2011، لكن الدولة المغربية سرعان ما وقعت على قرار أممي حول حرية المعتقد وبدون أي تحفظ في مارس 2014، وستصبح دستورية بلا جدال في الإصلاح الدستوري المقبل.
ـ ومؤخرا فقط هاجموا مسلسلا تلفزيونيا فتزايد جمهوره من المشاهدين وبلغ الملايين.
نكتة واقعية:
حدثني مثقف مصري التقيته بمدينة طنجة قائلا: “اليوم صار بعض الكتاب في مصر عندما يُصدرون كتابا يقومون هم أنفسهم بكتابة مقالات بأسماء مستعارة تقول عن الكتاب بأنه يُهدّد الإسلام و”ثوابت الأمة”، لكي يلفت انتباه السلفيين والمشايخ وترتفع مبيعاته بشكل مباشر بمجرد دخول هؤلاء الأغبياء على الخط