هل أصبحت الجزائر وكيل إيران في المنطقة؟ واشنطن تدعوها إلى "تعديل سلوكها".. والجيش الإسباني يبدي تخوفه من تقوية مليشيات مسلحة بشمال إفريقيا مدعومة من طهران

 هل أصبحت الجزائر وكيل إيران في المنطقة؟ واشنطن تدعوها إلى "تعديل سلوكها".. والجيش الإسباني يبدي تخوفه من تقوية مليشيات مسلحة بشمال إفريقيا مدعومة من طهران
الصحيفة من الرباط
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:00

مع تطور الأحداث في الشرق الأوسط نحو المزيد من الصعيد، وتحول التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة مباشرة، أصبح لدى الإدارة الأمريكية والقوى الغربية، مزيد من الدوافع للعمل على تفادي أي سيناريو مماثل في منطقة شمال إفريقيا، الأمر الذي تأكد في مناسبتين خلال 24 ساعة، على لسان مسؤولين رفيعين الأول أمريكي والثاني إسباني.

ولم يكن لقاء وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف، ونائب كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية جون باس، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك في دورتها التاسعة والسبعين، لقاءً عاديا، إذ طالب فيه المسؤول الأمريكي الجزائرَ بـ"تعديل سلوكِها"، وبعدها بساعات أعلن أدميرال البحرية الإسبانية، خوان رودريغيز غارات، عن مخاوف بلاده من حضور إيراني في جوارها القريب.

الأمر إذا لا يتعلق بتوقعات مفرطة في السوداوية، ففي خضم الحرب الدائرة شرقا، التي انطلقت من مستوطنات غلاف غزة لتشمل القطاع الفلسطيني ثم اليمن ولبنان، قبل أن تتسع دائرتها إلى مواجهة مُباشرة بين إيران وإسرائيل، جعلت تحوُّلَ كُرةِ النار غربا أمرا مطروحا، في ظل وجود بلد تربطه علاقات قوية بإيران، هو الجزائر، وجماعة مسلحة مقربة من "حزب الله"، هي جبهة "البوليساريو" الانفصالية.

ووفق معطيات حصلت عليها "الصحيفة" من مصادر دبلوماسية، فإن نائب كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية تحدث بـ"عبارات صريحة" مع وزير الخارجية الجزائري حول ضرورة "تعديل سلوك بلاده" في المنطقة، وذلك في لقاء حضره أيضا نائب مساعد وزير نائب الأمريكي لشؤون شمال إفريقيا جوشوا هاريس، الذي سبق أن أخبر الجزائر و"البوليساريو" بضرورة التحلي بالواقعية في ملف الصحراء، مستحضرا مقترح الحكم الذاتي المغربي.

هذا اللقاء جرى قبل ساعات من لقاء وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصري بوريطة، مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي تحدث في مؤتمر صحافي مشترك بنيويورك عن "التشاور حول مجموعة متنوعة من القضايا التي نعمل عليها معًا، خاصة الاستقرار في كل من الشرق الأوسط وأفريقيا وشمال إفريقيا"، مضيفا "المغرب شريك أساسي للولايات المتحدة".

هذان الاجتماعان المنفصلان، يمكن بسهولة أن نستنتج أن ما يجري في منطقة الشرق الأوسط كان حاضرا على طاولتيهما، وإذا ما استحضرنا أنه بالتزامن مع ذلك أعلنت السفارة الأمريكية بالرباط إجراء مناورات عسكرية بحرية مشتركة بين الجيشين المغربي والأمريكي في سواحل "القصر الصغير" قرب طنجة، كان من بين أهدافها "التأهب العملياتي للقوات الشريكة"، نستطيع أن نفهم مغزى الخطاب الموجه إلى عطاف.

والظاهر أن الإدارة الأمريكية أصبح يتملكها قلق متزايد من امتدادات الصراع في الشرق الأوسط نحو شمال إفريقيا، المنطقة التي يكاد يكون المغرب، بموقعه الاستراتيجي، مركز الثقل الرئيسي فيه لحالة الاستقرار على الضفة الجنوبية من مضيق جبل طارق غير بعيد عن قاعدة "روتا" العسكرية الأمريكية بسواحل قادس، وفي شرق المحيط الأطلسي الامتداد الطبيعي لواشنطن باتجاه إفريقيا، وذلك بعد مسلسل طويل من الاحتجاجات والنزاعات المسلحة شملت ليبيا وتونس والجزائر ودول منطق الساحل.

التخوف الأمريكي من امتدادات حالة "اللا استقرار" إلى شمال إفريقيا، يظهر بوضوح أكبر لدى حليفته في "الناتو" إسبانيا، ففي خرجة إعلامية عبر إذاعة "كادينا كوبي"، أوضح أدميرال القوات البحرية الإسبانية، خوان رودريغيز غارات أن ما يثير مخاوف بلاده ليس هو إقدام المغرب، منذ سنوات، على عمليات إعادة تسليح واسعة لقواته المسلحة، وإنما هو تسلل إيران إلى المنطقة.

وأورد القائد العسكري الإسباني "دور المغرب يُناقش كثيرا في الصحافة الإسبانية، إنه ينفق الكثير من الأموال على التسلح"، لكنه اعتبر أن الهدف من هذه الخطوة دبلوماسي أكثر منه عسكري، وموجه أساسا إلى الجزائر التي يتنازع معها حول ملف الصحراء، موردا "المغرب يجدد تسلُّحه أساسا لمواجهة الجزائر، والجانب العسكري هو مجرد جزء من العملية الدبلوماسية".

ووفق الأدميرال غارات، فإنه في المجال العسكري لا يمكن استبعاد أي احتمالية، بما في ذلك المواجهة العسكرية بين إسبانيا والمغرب، إلا أن "مهاجمة سبتة ومليلية ليست من أهداف الرباط"، وفق قراءته، أما ما يثير قلق مدريد فهو تكرار سيناريو ما حدث في مجموعة من دول الشرق الأوسط، وخصوصا تمكن طهران من إيجاد موطئ قدم في شمال إفريقيا.

ويقول المسؤول العسكري الإسباني إنه "من الممكن مع مرور الوقت، إذا تدهورت الأوضاع في المغرب، كما حدث في اليمن، أن يسقط في أيدي حلفاء غير مرغوب فيهم، مثلما هو الحال مع إيران، وقد يسبب لنا مشاكل تتجاوز ذلك"، ويضيف "نحن نتحدث عن شيء غير مرجح للغاية، ولا ينبغي إثارة ذعر المواطنين، ولكن قد يحدث أن ينشأ تنظيم جهادي مقره في المغرب بدعم من إيران أو أي جهة أخرى في ذلك الوقت، ويحدث على الأقل ما يقع في البحر الأحمر بالقرب من مضيق جبل طارق".

بشكل موضوعي، وإذا ما عُدنا إلى خارطة التحالفات في المنطقة، سنجد أن الجزائر هي البلد الذي يحتفظ بالعلاقات الأقوى مع الإيرانيين، ففي مارس من العام الجاري، زار الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، هذا البلد المغربي والتقى بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون، وكان ملف الصحراء حاضرا على طاولة النقاش بينهما وفق ما أكدته رئاسة الجمهورية الجزائرية بشكل رسمي، لدرجة الحديث عن "تطابق وجهات النظر" بينهما.

هذه الزيارة التي كانت الأولى لرئيس إيراني إلى الجزائر منذ 14 عاما، وسبقها أيضا، في يناير من العام الجاري، اجتماع بين وزير خارجية طهران الراحل حسين أمير عبد اللهيان، ونظيره الجزائري أحمد عطاف في مقر الأمم المتحدة في نيويورك على هامش اجتماع لمجلس الأمن، وتجدد التواصل بين هذا الأخير وبين خارجية إيران، عبر الوزير الحالي، علي باقر كني، إثر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية.

هذه العلاقة لها وجه آخر غير دبلوماسي، فمنذ 2018 قطعت الرباط رسميا علاقاتها بطهران، بعدما اتهمت إيران و"حزب الله" الموالي لها بتدريب وتسليح "البوليساريو" داخل مخيمات تندوف بالتراب الجزائري، وكشفت أن من كان يلعب دور الوسيط في هذه العملية هو الملحق الثقافي حينها في سفارة إيران بالجزائر، أمير موسوي، الذي ظهر بعد ذلك في لقاء تلفزيوني على قناة "الميادين" ولوح بتحرك "فعلي" لإيران وحزب الله مع الجيش الجزائري وميليشيات "البوليساريو" قصد "إنهاء" قضية الصحراء.

والظاهر أن تحذيرات الرباط من الحضور الإيراني في المنطقة، التي بلغت درجة عرضِ السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في أكتوبر من سنة 2022، صورا لطائرات مسيرة إيرانية الصنع توصلت بها جبهة "البوليساريو"، تلقى صدا فعليا لدى الأمريكيين، الذين أصبحوا يرون في عدم حل قضية الصحراء، بابا مُشرعا في وجه طهران "وحزب الله" للحصول على موطئ قدم في منطقة لا زالت عصية عليهما.

و"تحذيرات" واشنطن لوزير الخارجية الأمريكي في نيويورك، ومعها المخاوف العلنية للجيش الإسباني، تُثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها غير مستعدين للمغامرة بظهور أذرع للمحور الإيراني في شمال إفريقيا، وأن الأمر حتى لو كان عبارة عن أوراق ضغط أو "مزايدات كلامية" تحترفها الدبلوماسية الجزائرية، فإن ذلك قد يتحول إلى حقيقة، خصوصا في ظل الشحن العاطفي لما بعد السابع من أكتوبر من سنة 2023، التي أفضت تطوراتها ومشاهدها الدموية إلى استعادة "القبول" الشعبي لإيران و"حزب الله"، المفقود بشكل كبير إثر تدخلهما المسلح في سوريا لدعم نظام بشار الأسد. 

النظام الجزائري.. أسير الشيخوخة وإرث الماضي وأحقاده

حين بث التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهد استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لنظيره الرواندي بول كغامي، يوم 3 يونيو 2025، كان في حقيقة الأمر، ودون أن يدري، يضع الرَّجُلين في ...