هل حاولت باريس تفادي "السيناريو الإسباني" في علاقاتها مع المغرب والجزائر، فوقعت في السيناريو الأسوأ؟
ذكرت عدد من التقارير الإعلامية الفرنسية، في الأيام الأخيرة، إن العلاقات التي تربط فرنسا بكل من المغرب والجزائر، تمر بأسوإ فتراتها منذ عقود طويلة، بسبب عدد من الخلافات، وصعوبة تحقيق باريس للتوازن الذي كانت ترغب فيه مع الدولتين المغاربيتين.
وحسب ذات المصادر، فإن محاولات ماكرون لبناء أواصر علاقات جديدة مع الجزائر لم تُكلل بالنجاح بالرغم من الزيارة التي قام بها في الشهور الماضية إلى هذه الدولة، مشيرة إلى أن هذه المحاولات اصطدمت بعودة خلافات جديدة بين البلدين متعلقة بـ"الذاكرة الاستعمارية" لفرنسا في الجزائر، خاصة بعدما أعربت باريس مؤخرا عن عزمها تقليص الامتيازات الممنوحة للمهاجرين الجزائريين داخل ترابها.
وأضافت نفس المصادر، أن محاولات فرنسا لبدء صفحة جديدة مع مستعمرتها السابقة، لم تفشل فقط من هذا الجانب، بل أدت أيضا إلى زيادة "البرود الديبلوماسي" مع المغرب وتعميقه أكثر، نظرا لكون أن الرباط كانت تنظر لمحاولات التقارب الفرنسية مع الجزائر، على أنها محاولات على حساب العلاقات الفرنسية-المغربية.
ونقلت الصحافة الفرنسية استياء العديد من السياسيين الفرنسيين في صف المعارضة، الذين انتقدوا فشل ماكرون في تحقيق أي نتائج إيجابية في محاولاته لبناء علاقات جديدة مع الجزائر، مشيرة إلى أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عوض أن يقوم بالزيارة التي كانت مرتقبة إلى باريس، قام بزيارة موسكو لملاقاة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يُعطي إشارات إلى ميل الجزائر نحو روسيا على حساب الغرب الذي تبقى فرنسا أحد أعمدته القوية.
ويتضح من خلال مساعي ماكرون لوضع "بيضه كله في سلة الجزائر" لم يؤت أي نتائج، وهو ما جعل فرنسا اليوم في أزمة ديبلوماسية مع الجزائر والمغرب معا، بعدما كانت التوقعات الأولية تشير إلى عزم فرنسا استغلال خلافها مع المغرب لتقوية "تحالفها" مع الجزائر.
وأوضح الكاتب المغربي المقيم بفرنسا، الطاهر بن جلون، هذه النقطة بدقة خلال مشاركته في برنامج حواري على قناة "i24news" الإسرائيلية في نسختها الفرنسية في باريس منذ أيام، حيث قال بأن إيمانويل ماكرون ارتكب خطأ استراتيجيا، باعتقاده أنه بالتخلي عن علاقات الصداقة التقليدية مع المملكة المغربية، سيُصلح العلاقات مع الجزائر، قائلا في هذا السياق بأن الجزائريين "لن يتخلو أبدا عن الاستفادة من ريع الذاكرة"، وبالتالي فإن الخاسر في هذه الخطوة هي فرنسا.
ووفق العديد من التقارير، فإن من أبرز أسباب الخلاف بين باريس والرباط، يرجع بالأساس إلى رفض فرنسا الإعلان بشكل رسمي اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء، خاصة بعدما أعلنت الرباط بأنها ستعمد إلى تقييم علاقاتها مع البلدان من منظور موقفها من قضية الصحراء، وسترفض أي مواقف مزدوجة في هذه القضية، وقد أعلنت العديد من الدول اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، ودعمت بلدان أخرى مبادرة الحكم الذاتي المغربية لحل هذا النزاع مثل ألمانيا ودول أخرى.
وبما أن فرنسا كانت دائما ذات علاقات قوية مع المغرب، فإن الأخير يبدو غير متقبلا للموقف الفرنسي المزدوج والغامض، وبالتالي يُطالبها بإعلان موقفها بشكل رسمي لتحديد مستقبل العلاقات بين البلدين، ويبدو أن فرنسا لا ترغب في ذلك حتى لا تقع في السيناريو الإسباني، حيث عمدت الجزائر إلى قطع جميع علاقاتها مع مدريد بعدما أعلنت الأخيرة دعمها لمبادرة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية.
لكن السيناريو الذي تعيشه فرنسا الآن يبدو أسوأ بكثير من "السيناريو الإسباني"، فعلاقاتها مع الجزائر والمغرب في أسوأ مراحلها، ولا توجد هناك أية بوادر على احتمالية تراجع أحد البلدين عن مواقفهما من باريس، مما يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات الفرنسية بالمغرب والجزائر.