هل خرق المغرب "اتفاقية فيينا" للعلاقات الديبلوماسية بعد نزع ملكية مقرات تابعة للسفارة الجزائرية في الرباط لتوسيع وزارة خارجيته؟
أثار قرار إدراج ثلاث مباني تابعة للسفارة الجزائرية بالرباط، ضمن قائمة العقارات التي ستُنتزع ملكيتها لتوسيع وزارة الخارجية الذي وقّعته الحكومة المغربية قبيل تعميمه في الجريدة الرسمية، حنق الجزائر التي احتجت ببلاغ شديد اللهجة عمّا وصفتها بـ "المرحلة التصعيدية الجديدة والسلوكيات الاستفزازية"، مهدّدة بأنها سترد بكل الوسائل التي تراها مناسبة بما فيها الطرق القانونية المتاحة لاسيما في إطار الأمم المتحدة، وهو ما استغربه مراقبون ومصادر مسؤولة في حديثها لـ "الصحيفة"، أكدوا أن المملكة وباعتبارها دولة مؤسسات لم تخرق في أي وقت مضى القوانين الجاري بها العمل فوق تُرابها أو الاتفاقيات الدولية التي وقّعتها في هذا الإطار.
وأوضحت المصادر الرسمية التي فضّلت عدم الكشف عن هويّتها، بأن الحكومة المغربية صادقت على مشروع قرار صادر عن وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، يتعلق بنزع ملكية 3 عقارات محسوبة على السفارة الجزائرية، في إطار المنفعة العامة التي تقتضي بتوسعة مباني إدارية لفائدة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج الكائنة بجماعة الرباط، وعمّمته في العدد 5811 من نشرة الجريدة الرسمية الخاصة بالإعلانات القانونية والقضائية والإدارية، الصادرة بتاريخ 13 مارس 2024، قبل أن تُفاجأ ببيان الخارجية الجزائرية.
وعزت المصادر الرسمية استغرابها من احتجاج الجزائر ببيان تهديدي شديد اللهجة، لكون هذه الأخيرة قايضت أساسا هذه العقارات التي لم تكن سوى هدية منحها المغرب للجزائر منذ ثمانينيات القرن الماضي كعربون محبة عقب عودة العلاقات الدبلوماسية، (قايضتها)منذ الفترة ما بين 2007 و2008، بأرض أخرى تبلغ أكثر من 5000 متر مربع على مستوى طريق زعير وبالضبط في شارع محمد السادس، الذي انتقلت إليه مجموعة من البعثات الدبلوماسية للدول الكبرى بما فيها المملكة العربية السعودية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
والأرض التي شيُّدت عليها السفارة الجزائرية وانتقلت إليها البعثة الديبلوماسية للبلد قبل قطع العلاقات، "كانت هي الأخرى هدية أخرى من الملك محمد السادس الذي خصّ الجزائر بها تعبيرا على رغبته في بناء صرح جديد من العلاقات الثنائية في عهده، وذلك في إطار نهج اليد الممدودة الذي لطالما دعا إليه الجالس على العرش" وفق مصادر "الصحيفة" التي أشارت إلى أن الجزائر من جانبها، وعلى الرغم من إخلائها للفيلا التي كانت تحتضن السفارة والعقارات المجاورة وانتقالها إلى السفارة الجديدة، "أبت تسليم المقر القديم لسفارتها للدولة المغربية على الرغم من مطالبتها بذلك طيلة الـ 16 سنة الماضية، مفضّلة التماطل والتسويف والتعنّت، فيما المكان اللصيق بوزارة الخارجية المغربية بقي مهجورا ولا توجد به أي معالم عن سفارة بما فيه العلم الجزائري، وهو ما دفع المغرب إلى اتخاذ هذه الخطوة".
ورفضت المصادر ذاتها، مصطلح "الاستفزاز" الذي استعملته الجزائر في بيانها متهمة به المغرب، مشدّدة على أن القرار "لا علاقة له بقرار قطع العلاقات الأحادي الجانب الذي اتخذته الجزائر أو تطاولها المستمر على المغرب وسيادته وتهجماتها المتكررة، لسببين أولهما أن العقيدة الدبلوماسية للمغرب أسست على احترام سيادة البلدان وبعثاتها الدبلوماسية، في إطار الاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية فيينا التي لم يخرقها المغرب أبدا، والسبب الثاني، هو أن المصلحة العامة اقتضت توسيع مصالح الوزارة، والقرار شمل عقارات أخرى تعود لمواطنين مغاربة أساسا، مع العلم أن البلدان اتفقا مسبقا على مقايضة هذه العقارات بالسفارة الجزائرية الجديدة وهذا موثق من خلال العديد من المراسلات والاجتماعات التي عقدت مع البعثة قبل قرار قطر العلاقات.. ويعني هذا كله أن المملكة اتبعت القوانين الجاري بها العمل فوق أراضيها..".
وتصريحات المصدر المسؤول، التي تبرّئ المغرب من أي خرق لقانون نزع الملكية الجاري به العمل في المملكة والاتفاقيات الدولية الموقعة، قاد "الصحيفة" إلى العودة لتفاصيل اتفاقيات فيينا لعام 1961 التي تضبط جميع المسارات البروتوكولية المرتبطة بهذا المجال، إذ تنص المادة 21 منها على أنه "على الدولة المعتمد لديها -وفي حدود ما تسمح به تشريعاتها- أن تيسر للدولة المعتمدة أن تحوز في أراضيها المباني اللازمة لبعثتها أو أن تسهل لها العثور على مبانٍ بطريقة أخرى، كما يجب عليها إذا ما استدعى الأمر مساعدة البعثات للحصول على مساكن ملائمة لأعضائها"، وهو تماما ما تحقق بالنسبة للمغرب والجزائر عقب انتقال هذه الأخيرة إلى مكان أرحب مجانا.
أما المادة 22 من الاتفاقية الدولية المذكورة، فتقول: "تتمتع مباني البعثة بالحرمة، وليس لممثلي الحكومة المعتمدين لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة، وعلى الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحط من كرامتها، كما يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء أو كافة وسائل النقل عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي"، وبوجود اتفاق المقايضة المسبق بين البلدين، ففي هذه الحالة لا يكون المغرب قد خرق القوانين الدولية المؤطرة، سيما وأن البعثة الدبلوماسية الجزائرية انتقلت إلى مقرّها الجديد في شارع محمد السادس بطريق زعير، وظلّت هذه العقارات "مهجورة" في غياب أي مؤشر يدل على أنها كانت في يوم ما سفارة.
وتعليقا على ما سبق، يرى الخبير في العلاقات الدولية والمتخصص في الشؤون الأفريقية أحمد نور الدين، أن بيان الخارجية الجزائرية لا يخرج عن سياق "التضليل الإعلامي والبروباغاندا التي باتت ممارسة معهودة في السياسة الخارجية للجزائر"، معتبرا أن قول الجزائر وجود مُصادرة للعقار يدخل في سلة هذا التضليل، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بمصادرة، بل بمسطرة قانونية وفق التشريعات المعمول بها في البلد صاحب الأرض، وهي على أية حال إجراءات معترف بها في جميع أنحاء العالم، وترتبط بمسطرة استرجاع الملكية كما أنها لا تتناقض مع معاهدات واتفاقيات فيينا لحماية المقرات الديبلوماسية بما فيها السفارات والقنصليات.
وشدّد الخبير في الشؤون الإفريقية، على أن اتفاقية فيينا لا تلغي القوانين الوطنية، بل يتم تطبيقها في إطار القوانين الجاري بها العمل في كل بلد باعتبارها معاهدة "لا تتناقض ما سبق ولا يمكن تطبيقها خارج نصوص القوانين الوطنية، ونزع الملكية هي مسطرة قانونية جاري بها العمل في كل أنحاء العالم، ومعروف أن لديها مساطر وضوابط قانونية خاصة".
وبخصوص التهديد والوعيد الذي حمله بيان الخارجية الجزائرية، قال أحمد نور الدين "إن الجزائر ليست في حاجة إلى حجة من أجل الاعتداء على المغرب وممتلكاته ومواطنيه، والجزائر هي آخر دولة في العالم يمكنها التحدث عن احترام القوانين والاتفاقيات الدولية، لأنها خرقت سابقا الاتفاقية الدولية لحماية المهاجرين في 1975، من خلال طرد حوالي 45 ألف عائلة مغربية من أراضيها، أي حوالي 400 ألف نسمة بدون أي ذنب أو جريمة فقط لأنهم مغاربة ومن أجل معاكسة المغرب عقب المسيرة الخضراء التي استرجع فيها أراضيه".
والطرد الذي نهجه بومدين ضد المغاربة، صوحب أيضا بمصادرة جميع ممتلكاتهم سواء كانت بيوت عقارات ومتاجر كما تم طردهم من وظائفهم ومصادرة الممتلكات المنقولة مثل ذهب النساء والحلي وحتى الحسابات البنكية، وهو ما يعني حسب الخبير في العلاقات الدولية جريمة مكتملة الأركان لم تقم بها سوى النازية في القرن العشرين.
وعدّد المتحدث، في تصريحه لـ "الصحيفة"، الاتفاقيات التي خرقتها الجزائر وقتها موردا: " قصدر المرادية آخر من يحق له التحدث عن احترام الاتفاقيات الدولية لأنه عند طرد هؤلاء المغاربة انتهكت جميع المعاهدات التي تربط البلدين، بما فيها اتفاقية 1963 بعد حرب الرمال التي تعطي الحق للمغاربة والجزائريين بالتملك والاستقرار وممارسة الأعمال في البلدين، وانتهكت أيضا اتفاقية 1967 التي تسمى باتفاقية الاستيطان بين المغرب والجزائر التي تكرس هذه الحقوق للمغاربة المقيمين في أراضيها أو في المناطق الحدودية بما فيها متابعة أشغالهم، ثم انتهكت اتفاقية 1972 في إفران التي تكرس حقوق التملك في البلدين وهذه كلها اتفاقيات ثنائية مشتركة فقط، وعلى الصعيد الدولي انتهكت الاتفاقية الدولية التي تكرس حقوق العمال الأجانب في بلد معين، واتفاقية حماية الأجانب فوق أراضيها، والاتفاقيات المؤطرة للملكية الخاصة والحقوق العينية للأفراد في بلد أجنبي، ثم الاتفاقيات الأخرى الحقوقية".
وهذا يعني، حسب الخبير في العلاقات الدولية، أن الجزائر انتهكت ما لا يقل عن 10 أو 20 اتفاقية دولية وثنائية مع المغرب في عملية طرد المغاربة بطريقة وحشية وإلى اليوم يزال ضحايا تلك الخروقات من المغاربة يطالبون باسترجاع ممتلكاتهم "لهذا هي آخر دولة تتحدث عن القانون والاتفاقيات الدولية وآخر من يتحدث عن الأسلوب الحضاري الذي اتهمت المغرب بأنه لا يتماشى معه في بيانها الأخير، فهي ما قامت به عمل وحشي ويندرج في إطار عمليات الجريمة ضد الانسانية"، يقول المتحدث مسترسلا: "الجزائر دائما تبحث عن مسمار جحا، لتعليق أخطاء سياستها الخارجية وهذه ليست المرة الأولى، والعدوان الجزائري ضد المغرب يتكرر منذ أكثر من 50 سنة، وقضية التهجير ليست سوى نقطة في بحر التجاوزات الجزائرية ضد المغرب".
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :