وزير العدل "يحذف" المرجعية الإسلامية من المسطرة الجنائية ويثير جدلًا تحت قبّة البرلمان

 وزير العدل "يحذف" المرجعية الإسلامية من المسطرة الجنائية ويثير جدلًا تحت قبّة البرلمان
الصحيفة - خولة اجعيفري
الثلاثاء 11 مارس 2025 - 23:38

شهد البرلمان، اليوم، نقاشًا حادًا عقب قرار حذف الإشارة إلى "تعاليم الدين الإسلامي" من ديباجة مشروع قانون المسطرة الجنائية، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين النواب وانقسمت بشأنها الرؤى بين من اعتبرها مساسًا بهوية التشريع المغربي، وبين من رأى فيها خطوة نحو تعزيز الطابع المدني للقانون.

ولطالما حمل التشريع الجنائي المغربي طابعًا مزدوجًا، يجمع بين المرجعية الإسلامية والانفتاح على القوانين الوضعية، كما تجسد ذلك في النسخة الحالية من المسطرة الجنائية، حيث تنص ديباجتها على أن "التشريع الجنائي المغربي مستمد من مبادئ الشريعة الإسلامية، ومن القوانين الوضعية المعمول بها دوليًا، مع احترام خصوصيات المجتمع المغربي"، وهذه الصيغة كانت تعكس توازنًا حساسًا بين الأصول الدينية والانفتاح على مقتضيات الحداثة القانونية، لكن النسخة الجديدة من المشروع تخلت عن أي إشارة مباشرة إلى المرجعية الإسلامية، مما أطلق العنان لتساؤلات حول دلالات هذا التعديل وأبعاده القانونية والسياسية.

وخلال جلسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء لم تتردد النائبة هند الرطل بناني، عن حزب العدالة والتنمية، في التعبير عن استغرابها قائلة: "لماذا تم حذف هذه العبارة رغم أنها كانت حاضرة في الصيغة السابقة؟"، وهو سؤال لم يكن مجرد استفسار تقني، بل كان بمثابة شرارة أشعلت نقاشًا أعمق حول طبيعة التشريع المغربي، ومدى ارتباطه بالموروث الديني.

في المقابل، بدا وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أكثر حزمًا في دفاعه عن الصياغة الجديدة، مؤكدًا أن المسطرة الجنائية ليست شأنًا دينيًا، بل إطارًا قانونيًا وضعه المجتمع لتنظيم الحقوق والواجبات، وأضاف قائلًا: "الله أوصى باحترام الكرامة البشرية، ونحن نعمل على تحقيق ذلك من خلال قوانيننا، لكن هل يجب أن ترتبط المساطر الجنائية مباشرة بالشريعة؟ التشريع ليس مطلقًا، بل نسبي، ويتكيف مع متطلبات العصر".

وهبي مضى إلى أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أن الأحكام ذات الطابع الشرعي لم تُقص تمامًا من المنظومة القانونية، إذ لا تزال حاضرة في مدونة الأسرة والقانون الجنائي، حيث يتم استلهام النصوص الدينية وتحويلها إلى قوانين وضعية وفق ضوابط محددة.

لكن هذا الطرح لم يكن مقنعًا بالنسبة للمعارضة، حيث عبّر النائب عبد الصمد حيكر عن رفضه التام لحذف الإشارة إلى المرجعية الإسلامية، معتبرًا أن الأمر يتجاوز كونه تعديلًا تقنيًا، ليصل إلى مستوى "التوجه العام الذي يراد فرضه على التشريع المغربي"، مضيفًا: "الإشكال ليس في إدخال عنصر جديد، بل في إزالة إشارة كانت موجودة في النسخة السابقة، فلماذا التخلي عنها؟".

ورأى عدد من النواب الحاضرين في هذا التعديل خطوة تتجاوز الأبعاد القانونية المحضة، لتعكس توجهًا نحو فصل أكبر بين التشريع القانوني والمرجعية الدينية، وهو ما قد يثير تساؤلات أوسع حول مآلات المسار التشريعي في المغرب، ومدى تأثيره على تصورات المغاربة بشأن هوية دولتهم القانونية.

وفي مقابل هذا الجدل المتصاعد، بدا وهبي أكثر براغماتية في تعامله مع المطالب البرلمانية، إذ لم يغلق الباب نهائيًا أمام احتمال إعادة إدراج المرجعية الإسلامية في الديباجة، مشيرًا إلى أن "التصدير القانوني هو أداة يستند إليها القضاة والمحامون عند تفسير النصوص القانونية"، لكنه في الوقت ذاته، لفت الانتباه إلى مسألة أخرى بالغة الأهمية، تتعلق بالتعددية الدينية داخل المغرب، موضحًا أن "الإشارة إلى المرجعية الإسلامية في الديباجة قد تثير إشكالات قانونية مع المغاربة اليهود، الذين يخضعون لنفس القوانين، وقد يعتبرون أنفسهم غير ملزمين بها إذا كانت تستند إلى مرجعية دينية واحدة".

وحذف المرجعية الإسلامية من ديباجة المسطرة الجنائية يعيد فتح النقاش حول طبيعة التحولات التي يشهدها التشريع المغربي، وما إذا كان هذا التعديل يعكس توجهًا أوسع نحو فصل أكبر بين القانون والدين، أم أنه مجرد إجراء معزول لا يعكس رؤية شاملة.

وفي العمق، قد تكون هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع لتحديث المنظومة القانونية بما يتماشى مع المعايير الدولية، خصوصًا في ظل سعي المغرب إلى تعزيز حقوق الإنسان وتطوير قوانينه الجنائية بما ينسجم مع الاتفاقيات الدولية، غير أن هذا المسار لا يخلو من مخاوف، إذ يرى البعض أن حذف المرجعية الإسلامية قد يفتح الباب أمام مطالب أخرى لفصل الدين عن قوانين أخرى، وهو ما قد يؤدي إلى توترات بين التيارات المحافظة والتوجهات التحديثية داخل المجتمع المغربي.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

نعيش أحلك سنوات المغرب سياسيا

يوم الخميس، 13 مارس الجاري، قرر الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوسا، حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 18 ماي المقبل، وذلك بعد حجب الثقة عن رئيس الوزراء اليميني ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...