وقفُ لإطلاق النار واستعدادٌ للقاء بالرباط.. المغرب يقترب من وساطة تاريخية تنهي الصراع الليبي
دخل ملف الصراع الليبي منعرجا حاسما اليوم الجمعة جعله يبدو أقرب إلى الحل أكثر من أي وقت مضى، وذلك بعد إعلان حكومة الوفاق الوطني الليبي المنبثقة عن اتفاق الصخيرات والتي تحظى باعتراف الأمم المتحدة، وقف إطلاق النار وكافة العمليات القتالية، الأمر الذي تجاوب معه بشكل إجابي عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق المتحالف مع اللواء المتقاعد خليفة، ما يشي بأن العديد من الأمور تغيرت منذ زيارة هذا الأخير إلى المغرب مؤخرا.
ويأتي هذا الإعلان بعد يومين من الكشف عن استعداد خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة المنبثق بدوره عن الاتفاق السياسي الموقع بالمغرب، للقاء بصالح في الرباط، بعدما كان الاثنان قد التقيا بشكل منفرد بناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أواخر شهر يوليوز الماضي، في خطوة حركت المياه الراكدة وأكدت أن صفحة حفتر قد تُطوى قريبا.
نجاح للرهان المغربي؟
وفي الوقت الذي لم يصدر فيه بشكل رسمي أي موقف من طرف حفتر حول المبادرة المعلن عنها اليوم من طرف فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، عجل عقيلة صالح بإصدار بيان يدعو فيه جميع الأطراف إلى وقف الأعمال القتالية، وهو الخطاب الموجه مباشرة لقوات حليفهِ المدعوم من الإمارات العربية المتحدة ومصر، وهي خطوة أخرى على طريق استبدال حفتر برئيس برلمان الشرق الليبي كمخاطب رئيس وطرف تفاوضي.
وكان صالح قد برز بقوة عقب الهزائم المتتالية لقوات حفتر في الغرب الليبي من طرف القوات التابعة لحكومة الوفاق والمساندة من طرف الجيش التركي، ورغم استماتة مصر والإمارات في الدفع باللواء المتقاعد من خلال جعله طرفا في "إعلان القاهرة" إلا أن دولا أخرى أضحت لا تتواصل إلا مع رئيس برلمان طبرق، ومن بينها المغرب التي استدعاه برلمانها واستقبله وزير خارجيتها في إطار مساعي الرباط لتقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة.
ويبدو أن خيار المغرب، المنطلق، وفق التأكيدات المتكررة لحكومته، من اتفاق الصخيرات مع الانفتاح على المبادرات الأخرى غير المتعارضة معه، أضحى الخيار العملي أمام المحور الداعم لقوات الشرق أيضا، إذ مباشرة اليوم عقب إعلان السراج وقف إطلاق النار ودعم صالح للخطوة، سارع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الترحيب بالخطوة باعتبارها صادرة عن مؤسستي "المجلس الرئاسي ومجلس النواب" باعتبارها "خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية".
الرباط.. محط ثقة ليبية
ومثلما كان المغرب فضاء للوصول إلى الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات الذي يحظى بمباركة الأمم المتحدة في 2015، يمكن أن تكون الرباط فضاء لاتفاق تاريخي جديد ينهي الانقسام الحاصر في هذا البلد المنتمي للاتحاد المغاربي، وهو ما كانت مقدمته الاستعداد المعلن عنه من طرف المشري لقاء صالح، وفق ما جاء في تقرير بثته قناة "ميدي 1 تيفي".
وأوضح المشري أنه عندما زار الرباط الشهر الماضي تزامنا مع زيارة أخرى قام بها صالح للعاصمة المغربية، أعلن استعداده للقاء به شرط أن يكون ذلك بشكل علني وبحضور مغربي ووفق ضمانات دولية، مؤكدا وجود "جهود مغربية تحت رعاية الملك محمد السادس من أجل الدفع بالجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الليبية".
وتبدو مسألة "الثقة" هي العامل الأساس في اختيار المغرب وسيطا بين طرفي النزاع، فرئيس المجلس الأعلى للدولة أورد أنه "يثق في القيادة المغربية التي تريد الوصل إلى حل وليس تحقيق مصالح طرف على حساب الطرف الآخر"، مذكرا باحتضان الصخيرات الاتفاق السياسي المعترف به دوليا، وهي الثقة الموجودة لدى صالح أيضا، الذي عبر مبدئيا عن قبوله بفكرة اللقاء في المغرب وإن ربط الأمر باعتراف المشري المسبق بـ"مبادرة القاهرة" حسب ما أعلنته شبكة "روسيا اليوم"، فيما يشبه محاولة لحفظ ماء وجه مصر والإمارات.
الحل عوض التأزيم
وبالرجوع إلى الخطوات التي قامت بها الدبلوماسية المغربية في هذا الملف، يتضح أنها كانت تقوم على عدة مبادئ، بعضها معلن اتضح بجلاء من خلال ما صرح به بوريطة عقب لقائه بالمشري وصالح بالرباط، وبعضها ضمني مثل عدم الاعتراف بخليفة حفتر أو التعامل معه باعتباره لا يحمل أي صفة رسمية تمنحه الشرعية، عكس رئيس مجلس النواب بالشرق الليبي.
وفضل المغرب عدم تقديم أي مبادرة لليبيين كونه يعتبر تزايد المبادرات بخصوص الأزمة الليبية "جزءا من المشكل وليست جزءا من الحل، لأن ليبيا ليست أصلا تجاريا"، كما جاء على لسان وزير الخارجية، الذي أورد في لقائه بصالح أن "المبادرة الأساسية لحل الأزمة الليبية هي المبادرة التي يتفق عليها الليبيون، والنابعة من الليبيين أنفسهم"، وتابع "المملكة وإن لم تكن لها مبادرة، فلها دائما باب مفتوح لليبيين، من أجل الحوار وتقريب وجهات النظر بدون أي أجندة أو مصلحة".
واقتناع الرباط بأن الحل لا يمكن أن يكون مصدره من خارج ليبيا، بدا جليا أيضا في لقاء بوريطة بالمشري، حين قال إن الليبيين "لو تُركوا وشأنهم بدون تدخلات، فهم قادرون على صياغة الحلول المناسبة على الأقل للأزمة المؤسساتية والتي ولدت أزمات أخرى"، بل مضى إلى وضع اتفاق الصخيرات أيضا على الطاولة باعتباره "منتوجا ليبيًا، وبإمكان الليبيين اليوم أن يُعَدلوا وأن يجودوا هذا المنتوج ليتلاءم مع المرحلة الانتقالية للوصول بليبيا إلى بر الأمان"، هي قناعة افتقدتها العديد من الدول التي لجأت إلى التدخل المباشر أو غير المباشر في ليبيا الأمر الذي ساهم في تعقيد الأزمة.