وُصف بـ"المخزي".. مَوقف المغرب من "صفقة القرن" يغضب حقوقيين وسياسيين
كان موقف وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بخصوص خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن"، مفاجئا للعديد من الفعاليات الحقوقية والسياسية المغربية، خاصة منها التي ارتبطت تاريخيا بالدفاع عن القضية الفلسطينية، بعدما اعتبرت أن الموقف الرسمي الصادر عن وزارة ناصر بوريطة يمثل "رِدة" عن مواقف أكثر صرامة سبق أن عبرت عنها المملكة بخصوص هذه الخطة.
وكان حديث بلاغ وزارة الخارجية عن "تقدير المملكة لجهود السلام البناءة التي تقوم بها الإدارة الأمريكية الحالية بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومنصف لهذا الصراع"، والإشارة إلى وجود "تقارب مع المبادئ والخيارات التي دافع عنها المغرب دائما بخصوص هذا الملف"، أشد ما أغضب الفعاليات الحقوقية والسياسية المشار لها تجاه الموقف الرسمي المغربي، ولم يشفع لبوريطة حديثه عن كون المغرب لا زال "سيدرس الخطة بعناية".
موقف رسمي "ضعيف"
واعتبر العديد من الحقوقيين والفاعلين في مجال الدفاع عن القضية الفلسطينية أن المغرب سجل "أضعف" موقف في تاريخه من حيث الدفاع عن حقوق الفلسطينيين الذين لم يكونوا طرفا في النقاش حول هذه الخطة، وهو الأمر الذي يشير له أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع الذي قال إن موقف الخارجية المغربية "يمثل انزلاقا حتى عن الحد الأدنى الذي سبق أن تم التعبير عنه من طرف الرباط في ورشة البحرين، رغم أن الموقف آنذاك كان بدوره ذا سقف منخفض".
وتابع ويحمان في حديثه لـ"الصحيفة" أن "المغرب الرسمي انحرف عن مواقفه السابقة من القضية الفلسطينية، وسيصطدم بالموقف الشعبي الذي يعتبر"صفقة القرن" خيانة وطعنا في نضالات الشعب الفلسطيني"، مضيفا "نحن عبرنا عن امتعاضنا من هذا الموقف الذي يشكل بداية للانبطاح المدان المشابه لما عبرت عنه مجموعة من دول الخليج، ونحث الحكومة على التراجع عن هذا الموقف".
وحول حديث بلاغ الخارجية عن دراسة الخطة الأمريكية، أورد المتحدث ذاته أن هذا الأمر "قد يكون دليلا على الارتباك في التعبير عن الموقف الرسمي للمغرب، فعندما نعود إلى رئيس الحكومة مثلا لا نجد مثل هذا الانبطاح المنزاح تماما عن الموقف الشعبي وتعبيرات قواه الحية"، مضيفا أن "موقف بوريطة غير مشرف ومرفوض من طرف الشعب المغربي".
ومن ناحية أخرى يرى ويحمان أن على المغرب أن يعي أن هذه الخطة، التي هي في الأصل "دراسة للجنرال الصهيوني المتقاعد إيغور آيلند لفائدة مركز بيغين السادات للسلام، ليست سوى صفقة ترامب ونتانياهو، واللذان يقفان على مرمى حجر من مزبلة التاريخ باعتبار ما يواجهانه في بلديهما، فالأول محاصر من طرف مجلس الشيوخ الأمريكي والثاني ينتظره السجن إذا ما فشل للمرة الثالثة في تشكيل الحكومة".
وخلص ويحمان إلى أنه "حتى على المستوى البراغماتي والموضوعي تبقى المراهنةُ على هذين الشخصين مراهنةً على حصانين خاسرين لا محالة، وعلى الحكومة المغربية أن تنتبه مثلا إلى حديث المرشح الأمريكي للانتخابات الرئاسية المقبلة بيرني ساندرز، الذي قال إن الصفقة غير واقعية ولا مستقبلة لها، وأيضا لكلام المحللين الصهاينة الذين يرون أن مصير الصفقة هو الفشل لتغييبها الطرف الفلسطيني".
ضياع للحقوق الفلسطينية
ويرى فاعلون آخرون أن المغرب بموقف وزارة خارجيته يساهم في "ضياع الحقوق الفلسطينية" بما فيها المنصوص عليها في المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي ينبه له مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي الذي اعتبر أن "مضامين هذه المبادرة تكرس الوضع القائم للاحتلال ولا تعطي أي أفق لأي حل لدولة فلسطينية عاصمتها القدس".
ووصف الفاعل السياسي اليساري بلاغ الخارجية بـ"الموقف المخزي من القضية الفلسطينية، الذي لم يسبق للمغرب الرسمي أن اتخذ مثله"، معبرا عن إدانته لـ"تثمين وزير الخارجية مبادرات الولايات المتحدة الأمريكية من أجل السلام في المنطقة، بما يعنيه ذلك من دعم لصفقة القرن والتي هي في الأصل صفقة العار".
واعتبر البراهمة أن "الواجب على كل الحكومات في العالم العربي كان هو التنديد بهذه الصفقة ودعم الموقف الفلسطيني الرافض لها، باعتبارها مشروعا صهيونيا تسوق له الولايات المتحدة الأمريكية"، مذكرا الحكومة المغربية بأن "هذه الصفقة مرفوضة شعبيا ومن المفروض أن ترفض رسميا أيضا".
وأضاف المتحدث ذاته أن "حزب النهج الديموقراطي يدين هذه المبادرة النابعة من الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، ويدي أيضا موقف الأنظمة الرجعية العربية المتواطئة فيها، كما يدين الموقف الرسمي المغربي ويعتبر أنه يطعن القضية الفلسطينية في ظهرها"، أما عن حديث الخارجية عن "دراسة الخطة" فاعتبر البراهمة أنه ليس سوى "محاولة للتخفيف من الوقف المعبر عنه في الأصل، والمتمثل في مباركة الخطة الأمريكية، المدفوعة من طرف الصهاينة".
أحزاب "ضد" الخارجية
وكانت مجموعة من الأحزاب المغربية الممثلة في البرلمان قد أعربت بدورها عن رفضها لـ"صفقة القرن" وعارضت ضمنيا الموقف الرسمي المعبر عنه من طرف وزارة الخارجية بما فيها حزب العدالة والتنية الذي يقود الحكومة، الذي قال على لسان سليمان العمراني، نائب الأمين العام، إنه "يؤكد استعداده للانخراط وإسناد كل المبادرات التي يتعين أن يقوم بها الشعب المغربي بكل قواه الحية للدلالة مرة أخرى على أن المغاربة كلهم مجمعون على نصرة القضية، وأن سيقدمون لها كما تعودوا دائما كل الدعم خصوصا في هذا المسار الدقيق".
أما حزب الاستقلال فعبر بلاغ للجنته التنفيذية عن "الرفض المطلق لـ"صفقة القرن" المكرسة لواقع جديد على الأرض يضفي الشرعية على سياسة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، والرفض القاطع لمحاولة فرض الأمر الواقع وإقامة "دولة فلسطينية" عبارة عن أرخبيل مفككة ومنزوعة السيادة"، مضيفا أن "العرض الاقتصادي الذي تضمنته الصفقة مهما كان مغريا لا يمكن أن يكون بديلا عن الحل السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، قبل أن يؤكد على "الحق في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمستدامة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف على حدود 1967".
من جهته، كان حزب التقدم والاشتراكية قد عبر عن "رفضه القاطع واستنكاره الشديد للمضامين والتوجهات الواردة في ثالصفقة المشؤومة"، والتي تشكل تعبيرا عن الانحياز الفاضح لكيان الاحتلال الصهيوني، وتجسيدا للرؤية الاستعلائية التي تحملها الإمبريالية والصهيونية عن السلام، في تجاوزٍ صارخ ومُهين لمبادئ ومقتضيات القانون الدولي، ونزوعٍ استقوائي لفرض الأمر الواقع غير العادل"، على حد وصف بيان لمكتب السياسي.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :