يالها من "معركة مصيرية" خاضتها الجزائر!
انتهت، السبت، "أم المعارك" بالنسبة للنظام الجزائري، بفوز سلمي مليكة حدادي بمنصب نائبة رئيس المفوضية الإفريقية، أمام المرشحة المغربية، لطيفة أخرباش، والمصرية حنان مرسي.
نزلت الجزائر بكل ثقلها للفوز بهذا المنصب كأنها تخوض معركة مصيرية حول وجودها، في قمّة إفريقية غاب عنها أغلب رؤساء الدول الإفريقية، وحضرها الرئيس الجزائري مع وزير خارجيته، أحمد عطاف الذي جال 33 دولة إفريقية، خلال الشهرين الماضيين لحشد الدعم، وكذا، ممثل الجزائر في الأمم المتحدة عمار بن جامع الذي جاء من نيويورك ليخوض معركة "كسر العظام " مع المغرب من أجل منصب نائب رئيس المفوضية الإفريقية. فيالها من معركة!
بعد إعلان فوز المرشحة الجزائرية، عمّ الفرح الوفد الجزائري الذي تشكل من كل أجهزة الدولة بعد أن حلّ بإثيوبيا لـ"هزم المغرب"، وهي الفكرة أو الرغبة أو الأمنية التي لا تموت عند النظام الجزائري والذي يعيش من أجلها ولها وإن صرف آخر فلس من خزينة الدولة لتحقيق ذلك.
تعانق الوفد الجزائري فيما بينه بفرح طفولي فائض، وعمّت الزغاريد والأفراح التي لم يشهدها حتى الوفد الجيبوتي الذي فاز وزير شؤون خارجيته، محمود علي يوسف، بمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي. والأفارقة يدركون أن الصراع الذي خاضه النظام الجزائري للظفر بالمنصب، هو بمثابة معركة صغيرة بضجيج كبير وغبار أكبر ملأ أروقة مقر الإتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا.
ويكفي العودة لأهمية هذا المنصب وفق الديباجة التي ينشرها الاتحاد الإفريقي نفسه لصلاحيات نائب رئيس المفوضية، لنعرف أن صاحبه يقع تحت سلطة الرئيس، حيث يكون نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي مسؤولاً عن الإدارة ومالية الاتحاد، وهو دور "ديناميكي وتحويلي مع المسؤولية عن ضمان الأداء الإداري الفعّال والكفء والإدارة المالية داخل إطار قوي من الأداء والمساءلة". كما "ينوب نائب الرئيس عن الرئيس عند الحاجة ويعمل كرئيس في غيابه. ويجب أن يكون نائب الرئيس ملتزماً بقيم الوحدة الأفريقية والمبادئ التوجيهية للاتحاد الأفريقي".
وبالعودة إلى اتخاذ القرارات في الاتحاد الإفريقي، سنجد وفق المادة 7 من القانون التأسيسي، أنه يتعين على ثلثي أعضاء الاتحاد الأفريقي أن يشكلوا النصاب القانوني في أي اجتماع للجمعية العمومية. وتتخذ الجمعية العمومية قراراتها بالإجماع أو، في حالة عدم إمكانية الإجماع، بأغلبية ثلثي أصوات الدول الأعضاء. أما المسائل الإجرائية، فتتخذ بأغلبية بسيطة. وعليه، فمنصب نائبة الرئيس، لم يعط للجزائر أي أفضلية داخل المجلس، كما لا يعطيها للرئيس نفسه فيما يخص القرارات المصيرية للاتحاد الإفريقي، وهو منصب يمنح للدولة مساحة من النفوذ داخل الاتحاد دون أن يكون لهذا النفوذ سلطة حسم القرارات التي تتخذها الدول من خلال التصويت عليها أو رفضها.
ومع ذلك، خاضت الجزائر هذه "المعركة" لمواجهة المغرب، ولتأمين "عمر افتراضي" أطول لجبهة "البوليساريو" الانفصالية التي لا تعترف بها إلا 15 دولة من أصل 53 دولة إفريقية داخل الاتحاد الإفريقي، وطردها من المنظمة الإفريقية مسألة وقت ليس أكثر، وهو الهاجس الذي يعيش على وقعه النظام الجزائري الذي يبني كل سياسته ووجوده على دعم الجبهة الانفصالية التي يعتبرها النظام العسكري الحاكم في الجزائر مسألة أمن قومي، لها كل الأولوية.
وهو نفس النظام الذي يدرك أو ربما لا يدرك، أن الواقع الجيوسياسي العالمي قد تغير وبسرعة لم تمكنه - في الغالب - من استيعاب الواقع الذي تدار به مصالح الدول، لهذا، مازال النظام الجزائري غارقا في سردية "تقرير المصير" وفي ريع الأيديولوجيات التي يغذيها بملايير الدولارات من عائدات النفط والغاز التي تدخل لخزينة البلاد وتصرف في التسليح، بمبرر وجود "أعداء افتراضيين" للبقاء في السلطة، في ظل واقع اجتماعي منهك للجزائريين، حيث صعوبة الحصول على قنينة حليب، وكيس بطاطس، فيما العدس أصبح قضية أمن دولة يتحدث عنها الرئيس في خطاباته!
المعارك المصيرية التي كان من المفترض أن يخوضها النظام الجزائري، هي معركة التنمية، والتطور، والديمقراطية، وصرف أموال الجزائريين فيما ينفع مستقبل شباب مازال يرمي بنفسه في المتوسط للبحث عن ملاذ آمن في دول الجوار التي لا تملك لا غاز ولا نفط ولا موارد طبيعية كما تملكها الجزائري التي صرفت خلال 25 سنة الماضية 800 مليار دولار ذهب جزء كبير منها رشاوى للدول الإفريقية للقبول بجبهة انفصالية بينهم، والجزء الآخر التهمته الشركات الروسية التي باعت ما تيسر لها من أسلحة في صفقات غامضة للجيش الجزائري الذي ينتظر منذ سنة 1963 أن يدخل في حرب تقرير المصير مع المغرب.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :