أريد كفنا واسعا لأحلامي

 أريد كفنا واسعا لأحلامي
عبد الكريم ساورة
الخميس 18 ماي 2023 - 14:49

وليكن، لابد لي أن اعترف أن كل شيء تغير ببلادي، ليس إلى الأسوء كما يحاول أن يقدمه العديد من الظرفاء ولكن إلى شكل أو نمط آخر في الحياة، وهذا أمر طبيعي جدا أن تتغير طقوس الناس، معاملاتهم، سلوكهم الإجتماعي، آمانيهم وأحلامهم  وذلك نتيجة التحولات والقيم في العالم أجمع.

فالعالم يتحول كل عشر سنوات، تموت سلوكات ونماذج، وتظهر أنماط  ونماذج أخرى، وفي لحظة يشعر الإنسان أنه فقد شيئا عزيزا عليه، إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يظل متشبتا بذكرياته وبأحلامه المثيرة، وبواسطتهما يتميز عن الحيوان ومعهما يشعر أنه لازال على فيد الحياة.

من منا لم يحلم بأشياء كبيرة في حياته، لقد عاش كل واحد منا طفولته بشكل مختلف عن الآخر ومع مرور الأيام يبدأ يبني شخصيته بناء على تجربة أو لنقل تجارب فيها الحلو والمر، الخصام والمنافسة، الحب والكراهية، وبعد أعوام قليلة يدخل ميدان الصراع من أجل إثبات الذات، وهو يلاطم الأمواج يمينا ويسارا يريد تحقيق المعجزات، فيكتشف بعد مدة قصيرة أنه كان قصير الرؤية وأن الحياة مجرد تسلية لاتختلف كثيرا عن باقي التسليات.

وأنا، وأنا الذي كنت سريع الخطى، أرفض الاستكانة والكسل، أحث على المقاومة، مقاومة الجهل والجاهلين، كم كنت أصافح الكتاب قبل نومي مكان الكتاب المقدس، كم كنت أطالب بإسقاط الأصنام من الأسماء المستعارة الذين يحكموننا بالوراثة لأن فرنسا أوصت لهم بالسبق في الأرض والقرار والغنيمة ، أه كم رفضت من شكل ونظام وأسلوب في التدبير، في التسيير، في طريقة الحكم التقليدية ، في الإنصاف والعدالة اللذان ظلا مجرد شعارات لأعوام طويلة، هل تغير أي شيء ، ربما .. هذا إحساس العاجز أو إحساس الحالم لكن الحقيقة المرة : لم يتغير أي شيء.

ياله من إحساس أن تنتظر أعواما طويلة وأنت تعتقد أن البلاد ستحسم نهائيا في إعدام الفساد والرشوة والمحسبوبية وفي لحظة تكتشف أن كل هذه الأمراض انتشرت وزاد انتشارها والخطير أن الجميع يشترك في هذا الفساد، والأخطر أن الجميع يشتكي منه، إنها معادلة رياضة يصعب تصنيفها قبل البحث عن حلها، إننا نتقدم في كل شيء يجعلنا جد متفوقين في تكريس الفساد والإفساد .

لازلت أذكر عندما التحقت بكلية الحقوق، وكانت أحلامي تتسع للعالم، وكم كنت مسرورا عندما اخترت العلوم السياسية من أجل دراسة الحقل السياسي بالمغرب، وفهم السلوك السياسي للنخبة السياسية بالمغرب، لقد قرأت الكثير من الكتب لفهم هذا السلوك، بما فيهم الكتاب الذي أثار الكثير من الجدل " صديقنا الملك " قرأته أكثر من خمس مرات والغريب في الأمر أنه كلما قرأت أكثر فهمت أكثر لكن كانت أحلامي تتقلص أكثر فأكثر، ومع مرور السنوات تعذر علي الفهم ، وتلاشت أحلامي رغم أنها أضحت أصغر وأصغر، ولم أعد أستوضح جيدا في هذه البلاد العجيبة بين الحق والمنكر.

تراجع كل شيء، المحبة بين الإخوة، والإنصاف بين الرفاق، الصديق أضحى مجرد ذكرى من الذكريات البائدة، العائلة تجري من  أجل التفوق على العائلة، لم نعد نسمع عن علاقة حب بين رجل وامرأة، بل بين رجل ورجل في تشجيع صارخ للمثلية، أصبح العشق سخرية، والمعرفة سخرية، والرجولة سخرية ، والنضال من أجل الكرامة سخرية، لقد نجحوا في تدجيننا، في قتل الذوق الرفيع في أعيننا، لقد هدموا كل جرأة فينا، لقد نجحوا في هدم الإنسان الجميل فينا.

لا أخفيكم القول، كم أتمنى كفنا واسعا لأحلامي بعد كل هذه السنوات من الإصرار، ربما أصلُ هذا التراجع يعود إلى التقدم في السن، أو الإحساس بالملل، وقد يكون كان أصابني الإنهاك من الانتظار في تحقيق التغيير الذي راودنا جميعا في مرحلة ما من العمر، وقد تحول من حلم كبير إلى مجرد حكاية تروى في المناسبات وأعياد الميلاد و في أوقات المحن ، يبدو أننا جميعا في هذه البلاد التي نحبها بقوة قد فقدنا الأمل نعم فقدنا الأمل ..

كاتب مغربي

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...