أَليس في الجزائر رَجُل رَشِيدٌ؟!

 أَليس في الجزائر رَجُل رَشِيدٌ؟!
الصحيفة - افتتاحية
الأحد 5 دجنبر 2021 - 16:00

لم تستطع الجزائر منذ سنة 1963 حينما خاضت حربها ضد المغرب، وخسرتها، أن تتخلص من "نظامها العسكري الشمولي" الذي أسسه محمد إبراهيم بوخروبة المعروف بهواري بومدين، بعد أن انقلب على أحمد بن بلة الذي كان أول رئيس مدني للجزائر المستقلة، ليؤسس نظاما عسكريا قاسيا على شعبه وعلى المنطقة.

منذ ذاك التاريخ، بَقي الجيش الجزائري متحكما في مفاصل الحكم، واختيار الرؤساء، وتدبير السياسة الخارجية للدولة. وكان مستعدا لأي فوضى غير خلاقة من أجل الإبقاء على امتيازاته وسلطته في تدبير البلاد كما فعل سنة 1991 حينما تدخل لإلغاء نتائج الإنتخابات البرلمانية في البلاد بعد أن حققت الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا مُؤكدا على حساب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم.

حينها، يروي ضابط المخابرات الجزائري الأسبق محمد سمراوي في كتابه "الإسلاميون والعسكر، سنوات الدم في الجزائر"، أن مدير المخابرات الجزائرية، إسماعيل العمّاري قال أمام ضباطه إنه "مُستعد لقتل ملايين الجزائريين إذا تطلّب الأمر المحافظة على النظام الذي يُهدده الإسلاميون".

وكذلك كان، فقد قُتل آلاف الجزائريين خلال "العشرية السوداء" بتورط مباشر من الجيش الجزائري، وهو ما رواه بشكل مُفصل الضابط السابق في الجيش الجزائري الحبيب سويدية في كتابه "الحرب القذرة"، الذي أرّخ للعديد من المجازر التي ارتكبها الجيش الجزائري ضد مَدنيين عزل خلال "العشرية السوداء" حيث كان وزير الدفاع، حينها، هو خالد نزار (1990-1993)، الذي فرّ من الجزائر في آخر سنوات حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، بعد أن اتُهِم بـ "الدعوة للانقلاب على قيادة الجيش"، وحكم عليه بعشرين سنة سجنا نافذا سنة 2019.

وكان الجنرال الدموي قد فرّ خارج الجزائر بسبب صراع الأجنحة داخل الجيش والمخابرات، حيث وجّه انتقاداته صوب النظام الحاكم، قبل أن يجد نفسه ملاحقا من طرف القضاء السويسرية في قضايا رفعتها ضده منظمة "ترايال إنترناشيونال" التي تُكافح ضدّ إفلات مرتكبي جرائم الحرب من العقاب، ليبدأ مفاوضاته مع النظام بعد تولي سعيد شنقريحة رئاسة أركان الجيش وعبد المجيد تبون رئاسة الدولة، انتهت بإرسل طائرة تابعة للرئاسة الجزائرية لإعادة الجنرال الدموي المتهم بارتكاب مَجازر "العشرية السوداء"، وأسقطت عليه جميع التهم والأحكام بالسجن النافذ، وعُيّن مستشارا خاصا للجيش من أجل إعادة تشكيل هوية حُكم بَلد "المليون شهيد" خوفا من "ثورة الشارع" التي أسقطت العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

مع كل هذه الحقيقة التاريخية البشعة، مازال الجيش الجزائري لم يُغير من طريقة تدبيره للدولة، وظل عالقا في عقلية محمد إبراهيم بوخروبة المعروف بهواري بومدين، الذي أسس عقيدة نظام الحكم على نظرية تعود للقرن الثامن عشر للسياسي ليوبولد فون بسمارك الذي شغل منصب رئيس وزراء "مملكة بروسيا" بين عامي 1862 و1890 وأشرف على تأسيس "الرايخ الألماني الثاني"، إذ كان يؤمن الرجل بـ"أنّ قوة الدولة من ضعف محيطها"، وهي نفس النظرية التي أسس عليها بومدين هوية النظام الجزائري وسياستة الخارجية، وأوكل للجيش تنفيذ مضامينها بعد هزيمة حرب الرمال لسنة 1963 أمام المغرب.

وهكذا، عمل النظام الجزائري منذ استقلال الدولة عن فرنسا باستفتاء أقره الجنرال شارل ديغول سنة 1962 على قضم جزء مُهم من الصحراء الغربية التونسية، وهدد الرئيس الحبيب بورقيبة بحرب شعواء على تونس إن هو طالب باستعادة هذه الصحراء، حسب ما أكده وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس في تصريحات علنية، هذا في الوقت الذي رفض الحسن الثاني التسليم بالأمر الواقع ومنطق الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو ما جعل النظام الجزائري المدعوم بنظام معمر القذافي يعملون على تأسيس جبهة "البوليساريو" في الصحراء سنة 1973 لتقسيم المملكة المغربية وتحجيم مساحتها الترابية ودورها الإقليمي، وإسقاط النظام الملكي الذي لا يتوافق مع أيديولوجيتهم "الثورية"!

ومنذ ذاك التاريخ، والجيش الجزائري يرسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للدولة، وفق قراء كسولة للتاريخ، ويعيد انتاج "أوهام" قديمة يجددها دون ملل من أجل خلق عدو خارجي يمنحه "الشرعية" للبقاء متحكما في دواليب الدولة الجزائرية، وهو ما جعل المنطقة المغاربية برمتها تعيش "مغامرة" استمرت 58 سنة وضيّعت مصير أجيال ومليارات الدولار وفرص عديدة للتكامل الاقتصادي والتوافق السياسي المشترك.

ومنذ تولي عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر سنة 2019 وهو يُصَرِّف نفس أيديولوجية الجيش وبنفس العقيدة المبنية على المغامرة بالفشل من خلال توجيه كل طاقات وموارد الدولة لجعل المغرب العدو الأبدي للأمّة الجزائري الذي أنكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجودها تاريخيا !

ومع كل التطور في العقل البشري الذي جعل الشعوب تتخلص من العُقدِ التاريخية وتنشىء تكتلات سياسية واقتصادية وتلاقح للثقافات المشتركة لبناء المستقبل، يُصرُّ النظام الجزائري على "قمع الواقع" والاستثمار في الفوضى، وتغذية قنبلة زمنية إسمها "البوليساريو" التي خلقت لتكون أداة لتفكيك المملكة المغربية وخلق مصير عشوائي لأمّة عريقة تمتد لأكثر من 12 قرنا.

ومع كتلة هذه الأوهام الجزائرية القديمة التي تجدد بشكل مستمر، يُصر النظام الجزائري على صناعة مزيد من العداء للمغرب، والإصرار لأخذ مستقبل المنطقة إلى الهلاك، حيث يَفترسُ نظام شنقريحة وعبد المجيد تبون المزيد من مستقبل أجيال المنطقة، بمنطق رخيص وبأوهام يحاول من خلالها صب الجهل في عقول الشعب الجزائري بسلوكيات بالغة القسوة والفظاظ، حتى بات السؤال يُطرح بقوة في الجزائر وفي غيرها: أَليس في النظام الجزائري رَجُل رَشِيدٌ؟!

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...