اتهام المغرب بالتجسس وخلفية نزع شرعية عمل أجهزته الأمنية

 اتهام المغرب بالتجسس وخلفية نزع شرعية عمل أجهزته الأمنية
صبري الحو*
الجمعة 23 يوليوز 2021 - 11:54

المبدأ والقاعدة في سير الخصومات؛ أن البينة والحجة والاتباث يقع دائما على من ادعى. فاتهام المغرب من أجل بلتجسس من طرف جهات عديدة ومختلفة ؛ لها وزن إعلامي وحقوقي مؤثر دوليا هو أمر في غاية الخطورة، و يطرح أكثر  من سؤال، وأكثر من علامة استفهام. وتجعل التحدي ثقيلا على المغرب، و تفرض عليه المبادرة دفاعا عن شرعية عمل مؤسساته.

أولاً:  الأضرار التي لحقت بالمغرب نتيجة الاتهامات بالتجسس تطال المؤسسات الأمنية كما القضائية؛

لا يكفي مجرد تهديد الحكومة باللجوء الى القضاء الوطني، والقضاء الوطني لبعض الدول الأجنبية، وتقديمها شكايات رسمية بالتشهير ضد الجهات أو الأشخاص الأجنبية صاحبة تلك الاتهامات لمحو أثرها المسيء إلى وجه وصورة المغرب وإلى عمل مؤسساته الأمنية، ويمتد الضرر إلى عمل السلطة القضائية التي تعتمد في جزء كبير في بناء قناعتها وصدور أحكامها على تحقيقات الضابطة القضائية، التي تنتسب للأجهزة الأمنية.

ثانيا: لجوء المغرب إلى القضاء وحده لا يكفي لترميم الصورة، بل يجب ممارسة حق الرد بأدلة تنفي التهمة وتزيل الشبهة؛

إن اختيار المغرب للقضاء من أجل المطالبة بحق، هو حق له لكنه طريق بطيئ، و يستغرق وقتا طويلا في التحقيقات قبل الوصول إلى النتائج والحقيقة في شكل أحكام قضائية، بينما القضية لا تحتمل هذا الانتظار وهذا التأخير.

فالأمر يستدعي تحركا عاجلا يثبت بمقتضاه المغرب عدم وجود علاقة بالتجسس ومع أجهزته بأدلة وحجج دامغة على نفس المنابر والمنصات الاعلامية، في اطار حق الرد الذي تكفله تلك المنابر الاعلامية الدولية لصالح المغرب.

ثالثا: تعدد مصادر الاتهام يعطي قيمة شكلية ويرسخ القناعة  في ذهن المتلقي؟ 

يطرح المغاربة تشكيكا مرتبط بوقت طرح الاتهام لقول بوجود مؤامرة ضد المغرب؛ ولماذا هذا الوقت بالذات؟ وتمتد التساؤلات الملازمة للريبة لتطال تعدد المصادر؟ هل هذا التعدد اعتباطي مفبرك؟ أم مجرد محض صدفة ودسائس مؤامرة؟.

لا أملك جوابا شافيا لهذه الأسئلة، فاختيار الزمن للاتهام يدخل في باب حسابات المدعي لتحقيق غاية وهدف، ولا يساءل عن ذلك، بقدر ما يتم محاسبته على صدق معلوماته التي يجب أن تكون معززة بالأدلة و مقرونا برأي الجهة المتهمة لتحقيق توازن في التحقيق. 

إلا أن عدم الحسم في الجواب على خلفية اختيار الوقت لا يمنع ولا يحول دون استحضار  فرضيات في إطار التحليل. فتعدد المصادر يعطي قيمة شكلية تؤثر على القيمة الموضوعية للخبر. إذ تترسخ في ذهن القارئ والمتلقي نسبة كبيرة من العقيدة والقناعة لترجيح صحة القضية المعروضة، وهو ما وقد يكون لربما هو الهدف في الذ تحكم في نازلة الحال.

فهل اجتمعت الأمة على الضلال؟ إن التعدد في حد ذاته يعني وجود اتفاق وتنسيق سابق بين هذه الجهات من أجل هدف معين وغاية محددة، وهي اتهام المغرب! وهو ما يمنح للمغرب بدوره نقطة المصداقية لتأييد الدفع بالمؤامرة على مستوى الشكل، ويبقى موضوع النفي الموضوعي في اطار تقديمه للحجة بعدم الاقتناء او عدم التشغيل. 

رابعاً: الاتفاق التعددي لاتهام المغرب يؤيد أنه مزعج لجهات على المستوى الدولي، وعليه ترميم الاجماع الوطني:

إن تعدد الجهات التي تتهم المغرب بالتجسس تطرح احتمال شبه أكيد أن المغرب أصبح مزعجا، وقد يكون دخل مرحلة القدرة على المس وتهديد مصالح جهات معينة لها وزن كبير على الساحة الدولية، وان سياسته وخطته الآنية والمستقبلية تتعارض وتتناقض مع مصالح تلك الجهات او تلك القوى؛ وهو ما تؤكده وقائع كثيرة سواء في اطار الأزمة مع المانيا ومع اسبانيا.

وهو ما يجعل هذه الاتهامات مع فرضية صحة المنطلقات شيء طبيعي اذا استحضرنا في هذا الباب قاعدة مسناو. إذ بقدر ما تصعد نحو أعلى الهرم تضيق الحدود الفاصلة ويحتدم الصراع بين الأطراف المتدافعة، فالمغرب بدأ يضايق أكثر من جهة وقوى ويثير حقدها، وطبيعي ان يتعرض لحملات في اطار خبث المنافسة غير المشروعة، دون أن يشفع له هذا  التآمر ضده لاهمال ترتيب البيت الداخلي، وصيانته وترميمه لضمان لحمته واجماعه والتآمه لأنه صمام الأمان ضد كل الأطماع الخارجية. 

خامسا: قانون الصحافة المغربي يمنح للقضاء المغربي الولاية للنظر في الشكايات المغربية رغم  قواعد الاختصاص الجنائية؛

باتت أطراف الدعوى معروفة؛ بين منابر  اعلامية معروفة و بين الدولة المغربية، وقد اعلن المغرب وكشف عن خطته في اللجوء الى القضاء. وهو آلية تضمن له ضرورة ادلاء الأطراف الأخرى لحججها وأدلتها التبوثية تحت طائلة الادانة والتعويض لصالحه في حالة عجزها عن اثبات الخبر او عدم رغبتها في ذلك.

وللاشارة، فإن القضاء المغربي مختص للنظر في هذه القضاء تبعا لقاعدة الاختصاص الذي تمنحه مستجدات النشر الالكتروني الذي يعطي الاختصاص لمكان النشر والتوزيع، بحيث انه يكفي اثبات نشر الخبر والمقال في مكان معين في المغرب ليمنح الولاية للنيابة العامة المختصة ويمنع الصلاحية لقضاة الحكم، وقد يكون هذا هو السر خلف بلاغ رئاسة النيابة العامة، واذا كان القانون المغربي يسمح بالمحاكمة فلماذا التوجه إلى القضاء الوطني لبعض الدول مثل فرنسا لمقاضة فوربين ومنظمة العفو الدولية. 

سادسا: سر وخلفية الاتهام للتشكيك في عمل الأجهزة الأمنية المغربية ونزع طابع الشرعية القانونية لنتائجها.

إن هذه القضية خطيرة، لأنها تمس الأمن في الخصوصية وفي سرية الاتصالات. وان اتهام المغرب بهذا الشكل ليس بالأمر الهين، وليس حدثا عابرا يمكن تجاهله، لأن في طياته ضرب لكل أجهزته الأمنية، وطعن في الشهادة الممنوحة لها على الصعيد الدولي. لأن هذه الادعاءات تشكك في شرعية عملها وفي طريقة اشتغالها الذي يجب أن يكون مطابق للشرعية القانونية.

على سبيل الختم؛ 

إن الخلفية  الأولى والأخيرة  المتحكمة في هذا الاتهام الموجه من منابر اعلامية وحقوقية متعددة متريد القول أن عمل الأجهزة والمؤسسات الأمنية المغربية مشكوك في مطابقتها لقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان، وتخرق الحق  في الخصوصية، أي القول أنها تشتغل خارج القانون.

 *محامي بمكناس. خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...