الإسلاميون والعسكر، تحالف ضدّ الديمقراطية

 الإسلاميون والعسكر، تحالف ضدّ الديمقراطية
أحمد عصيد
الأربعاء 10 يوليوز 2019 - 12:28

فكرة التحالف مع الأقوى فكرة انتهازية، ولهذا تنقلب مواقف أصحابها بحسب تغير موازين القوى، كما قد يخسر هؤلاء كل شيء عندما يصبحون ورقة غير مربحة في سوق السياسة.

بالنسبة للتيار الإسلامي فأسهل طريقة للوصول إلى السلطة والتحكم هي التي اتبعها غيرهم من قبل: التحالف مع فصيل من الجيش والاستيلاء على الدولة، لكنها طريقة لم تؤدّ أبدا إلى إرساء حكم ديمقراطي عادل ودائم، بقدر ما أفضت باستمرار إلى تشكيل دكتاتوريات عسكرية بغطاء شيوعي أو اشتراكي أو قومي أو ديني. أما صناديق الاقتراع فهي ليست طريقة مضمونة كليا بالنسبة للإسلاميين، لأنها من جهة مرتبطة بترسانة كاملة من القيم والمبادئ الكونية التي لا تتوافق مع مرجعيتهم، ولأنها من جهة أخرى تضطرهم دائما بسبب محدودية كتلتهم الناخبة إلى التحالف مع غيرهم لتشكيل حكومات هجينة لا يستطيعون فيها بلوغ مآربهم.

خلال انتفاضات سنة 2011، لوحظ بوضوح انحياز "الإخوان المسلمين" إلى السلطة العسكرية طوال ثمانية أيام الأولى من بدء الحراك المصري، حيث لم يلتحقوا بحركة الشارع إلا بعد أن لاحظوا تزايدها الكبير، وبعد أن لم يقتنع العسكريون بقدرة "الإخوان" على تغيير موازين القوى ضد الحراك المحتدم في الساحات والفضاءات العامة.

بعد فوز "الإخوان" في الانتخابات وجودوا أنفسهم في مواجهة مع النظام العسكري داخل دواليب الدولة، حيث اعتقدوا بأن الأصوات التي حصلوا عليها تؤهلهم لإضعاف المؤسسة العسكرية، وقد انتهت المواجهة إلى خسارتهم كل شيء بعد أن انقلب الشارع المصري ضدّهم بدوره، بسبب عنجهيتهم وتسرعهم في الاستيلاء على الدولة. ولأنهم وجدوا أنفسهم بدون حلفاء، فقد سهل التخلص منهم بوضعهم في السجون واضطهادهم.

في تونس أعلن الجيش منذ بداية انتفاضة الشعب التونسي بأنه سيلتزم الحياد في الصراع السياسي، وأن مهمته حماية الدولة والذود عنها ضدّ أي خطر خارجي أو داخلي يستهدف كيانها، وقد أدّى عدم وجود مؤسسة عسكرية طموحة سياسيا إلى تواجد الإسلاميين وجها لوجه مع قوى الشارع لأكثر من مرة، ما أدى إلى إسقاط حكومتهم واضطرارهم إلى الدخول في توافقات مع الأطراف الأخرى، جعلتهم يؤجلون إلى حين مخططهم القاضي بالتحكم لوحدهم في مجريات الأمور.

وفي المغرب أعلن رئيس حزب "العدالة والتنمية" عبد الإله بنكيران باعتباره رئيس الحزب وممثله الرسمي آنذاك، أعلن انضمامه اللامشروط للنظام، ناعتا المتظاهرين في حركة 20 فبراير بـ"الطبالة والغياطة"، وطبعا من باب الاحتياط الانتهازي بعث ببعض أعضاء الحزب ليشاركوا بصفة شخصية في حركة الشارع المغربي تحسبا لكل الاحتمالات. ورغم ذلك لم ينج حزب المصباح من تداعيات الصراع بينه وبين السلطة داخل دواليب الدولة، بسبب اعتقاده بدوره بأن الأصوات التي حصل عليها سنة 2011 تؤهله لإضعاف الملكية والاستفراد بالأمر، مما أدى إلى مزيد من إضعافه في الحكومة رغم تزايد كتلته الناخبة سنة 2016. وقد جنى الحزب الإخواني المغربي نتائج تحالفه مع السلطة ضدّ القوى الديمقراطية خلال فترة الحراك الشعبي، حيث لم يجد له من حليف في محنته بعد أن فقد ثقة مختلف القوى الاجتماعية بسبب سوء تدبيره للملفات المطلبية المعروضة على حكومته.

وخلال الأسابيع الأخيرة التي شهد فيها السودان حراكا لم يعرفه سنة 2011، ظلّ الإسلاميون مختبئين خلف عباءة عمر البشير والعسكر، مديرين ظهرهم لقوى الشارع السوداني، منتظرين أن يسحق الجيش التمرد الشعبي ليحافظوا على امتيازاتهم مع الطغمة العسكرية، ويستمروا في إحكام قبضتهم على المجتمع ورقاب الناس باستعمال الوصاية الدينية.

سقط البشير بعد أن ضحّى به رفاقه في الجيش وقدموه كبش فداء، وظهرت أطنان أمواله وقنينات الخمر المعتق والويسكي التي كان يخفيها في قصره، معلنا "تطبيق الشريعة" على البؤساء، وبدأ العسكر يرضخون لمطالب الشارع السوداني بالتدريج، المطالب الديمقراطية التي لا تساوم ولا تقبل بأقل من دولة مدنية وحكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا، (ومعنى "الدولة المدنية" أنها لا عسكرية ولا دينية)، لتسقط الأقنعة من جديد عن أوجه التيار الإسلامي المتشدّد، الذي ظهر فجأة عندما بدأت ملامح الاتفاق تلوح في الأفق بين قوى الحرية والتغيير والجيش، وهو الاتفاق الذي لا يضمّ اعتماد "الشريعة الإسلامية" كأساس للحكم، ما دام المطلب هو إنهاء الاستبداد والفساد، اللذين حكما البلاد باسم الشريعة لمدّة 30 سنة تحالف فيها الجيش والإسلاميون بعد انقلاب 1989 الذي أسقط حكومة منتخبة ديمقراطيا، ليدخل السودان في فترة استبداد عسكري تيوقراطي منغلق وعنيف عرّض الشعب لاضطهاد كان من أكثر لحظاته فظاعة مجازر "دارفور" التي تم فيها قتل 300.000 مواطن وتهجير مليونين من البشر تحت مباركة الإسلاميين الذين اعتبروهم "كفارا" يحلّ قتلهم وإحراقهم. إضافة إلى انفصال الجنوب المسيحي، الذي أصبح دولة مستقلة بسبب عدم شعور مسيحيي الجنوب بالانتماء لدولة تعتبرهم من "أهل الذمة".

تحرك الإسلاميون في السودان أخيرا مندّدين بـ"تجاهل الشريعة الإسلامية" في مفاوضات المجلس العسكري وقادة الاحتجاج، والحقيقة أنّ هدفهم أن يُعطاهم دور في المرحلة الانتقالية، بعد أن ظهر بالملموس سخط الشعب عليهم بسبب انحيازهم إلى السلطة العسكرية على حساب حركة الشارع.

وفي الجزائر حدث نفس الشيء حيث أعلن حزب "حركة مجتمع السلم" عن قبوله بالحوار مع السلطة، استجابة للدعوة التي وجّهها قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح للطبقة السياسية، من أجل فتح حوار وطني لتجاوز المأزق الذي وقع فيه النظام العسكري. وقد قام الحزب الإسلامي بالاستجابة لنداء الحاكم العسكري ضاربا عرض الحائط بالمطلب الرئيسي للشارع الجزائري وهو ضرورة تواري أوجه النظام السابق التي أساءت إلى البلاد عن الأنظار، بسبب افتقادها للشرعية الضرورية لكي تنال ثقة الشعب الجزائري وتعمل على تحقيق التغيير المنشود، وبناء حوار وطني على أساسا تعاقد جديد يتزعمه من لم يقم باضطهاد الجزائريين وإرهابهم.

في نفس الوقت يعرف الشارع الجزائري خروج بعض فلول الإسلام السياسي السلفي للمطالبة بـ"دولة الخلافة" و"دولة الشريعة" في الجزائر عوض الديمقراطية ودولة القانون، وهو نفس الشعار الذي رفعه أتباع "جبهة الإنقاذ" قبل ثلاثين سنة، وأدى إلى دخول الجزائر في عشرية الدم إثر انقلاب الجيش على المسلسل الديمقراطي.

أمام هذه المناورات يبدو أن مهمة الحراك في البلدين معا السودان والجزائر، هي الصمود والثبات على المبادئ والحذر من التيارات النكوصية وتعبئة الشعب وتوعيته بحتمية الانتقال الحاسم نحو الديمقراطية الحق، التي تعني سمو القانون والعدل والمساواة على أساس المواطنة، وضمان حريات الرأي والتفكير والصحافة والمعتقد والإبداع واحترامها جميعا، وفصل السلطات، وإرساء تعاقد اجتماعي حاسم يحمي كل تلك الحقوق والحريات الأساسية، ويضمن أسس الحكامة والتدبير العقلاني، ويقطع مع مرحلة الاستبداد والفساد ونهب الثروات الوطنية والحجر على العقول والضمائر.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...