الإعدامُ في المغرب!

 الإعدامُ في المغرب!
أحمد إفزارن
الأربعاء 16 شتنبر 2020 - 18:21

وصَلت "نِقاشاتُ الإعدام" في الشارعِ المغربي لمَرحلةٍ "شديدةِ الحرارة"، بسببِ ما وقعَ في طنجة: هذا معَ هؤلاء… ذاك ضِدّ أولئك… والكُلّ يَصرُخ…
و"عاصمةُ البُوغاز" لم تنسَ طِفلَها "عَدنَان"..
لقد تَعرّضَ للاختِطافِ والتّعنيفِ والاغتِصابِ والاغتِيال والدّفْنِ قُربَ مَنزلِ أُسرتِه..
وما زالَت "جريمةُ طنجة" مِحورَ حَديثِ الخاصّ والعامّ، في أوساطِ ملايِينِ المَغاربة، بالدّاخلِ والخارج..
الناسُ قد طالبُوا في مُظاهراتِ الشارعِ العُمومي، بإصدارِ حُكمٍ قضائِيّ بالإعدامِ في حقّ الجانِي..
والناسُ تَستَعِيدُ ما وقَع، وتقُومُ الجهاتُ القَضائية بتجهيزِ الملفّ، وتحديدِ المَسؤولياتِ المنُوطةِ بها، لكي تقُومَ بالواجِب..
والكُلّ يُطالِبُ بأن تأخُذَ العَدالةُ مَجرَاها الطبِيعي..
وبعد مُرورِ كلّ هذا الوقت، بدأ النّقاشُ العُمُومي يَأخُذُ تَوَجُّهاتٍ منها ما هو رأيٌ ورَأيٌ مُختلِف: "نَعَم للإعدام"، "لا للإعدام"..

  • "نعَم" في مُواجهَة "لا"!
    وهذا لم يَمنَع شَخصَنَةَ الخِلافات..
    وتَساؤلاتٌ تَجنَح إلى مزيدٍ من إعمالِ القانون.. تَبحثُ عن الحقيقة.. ولا شيءَ سوى الحقيقة.. فماذا وقَع؟ وهل الغَضَبُ الشّعبي مِقياسٌ لحُكمٍ متوقّع؟ أم المِقياسُ القانوني هو وحدَه المَلجأ..
  • وهو حُكمُ القَضاء، لا الشارع..
    وهل الشّارعُ هو القاضِي؟ هل للشّارعِ نفسُ معلُوماتِ وتَحليلاتِ العدالة؟
    طبعًا، غيرُ مَسمُوحٍ بالوقوعِ في "أخطاءِ القَضاء"..وما هو مُتاح حتى الآن، وحَسبَ البَحثِ الذي أجرَتهُ الشّرطةُ القضائية: المُشتبَهُ فيه قد اعترَفَ بالمنسُوبِ إليه..
    اعتَرفَ بكلّ ما وقَع، حسبَ الأنباءِ المُتداولَة..
    ومع ذلك، تبقَى الحقيقةُ بحاجةٍ إلى مزيدٍ من التّعمّقِ والتّدقِيق، لفائدةِ سيرِ العدالة..
    إنّ المَطلوبَ هو أن تكُونَ العدالةُ كامِلةً غيرَ منقُوصة..
    وكلُّ التّعابِيرِ المُتداوَلةِ في شوارعِ الغضب، من قبيلِ "الوَحشِ الآدَمي" وتعابيرَ أخرى، هذه لا تُشكّلُ في حدّ ذاتِها إثباتَات..
    وحتى اعترافاتُ الجاني قد لا تكونُ كافيّة..
    ربّما تَعقُبُها أسئلةٌ بَحثيّةٌ تحقيقيّةٌ أمام أنظارِ المَحكمَة..
  • لا بُدّ من إثباتاتٍ غيرِ مَشكُوكٍ فيها!
    وفي هيأةِ الدفاع، مَن سَوفَ يُطالِبُون بتَحليلٍ نفسِي وعقلِي وعَصَبي للمُشتبَهِ فيه.. إنه لحدّ الآن، أمام أنظارِ القانون، مُجرّدَ مُشتَبَهٍ فيه.. ثم تأتي "النيابةُ العامة" لكي توجّه إليه "الاتّهام"..
    وعندها يقفُ المتّهَمُ في قفصِ الاتّهام..
    هل المُشتَبَهُ فيه - الجانِي - كان في حالةٍ طبيعية؟ أم في نفسيّةٍ مُختَلّة؟
    وهذه وحدَها قد لا تَسمحُ بإنزال أقسَى عقوبة..
    فأمامَ القضاء، لا اعتِبارَ إلاّ للوقائع، بكلّ ما يُرافقُها من دلائل.. وإلى الإثباتات، ماذا عن الحالةِ النّفسية والعَقليّة والعصبيّة للجانِي؟
    أساسيّاتٌ سوف تُثارُ أثناءَ المُرافَعات، نظرًا لخُطورة الجناية..
  • إنّ القضاءَ ليس أنفِعالاً، ولا عَواطِف، ولا اندِفاعات.. وليس ردَّ فِعل، ولا انتِقامًا.. إنه السّنَدُ القانُوني.. القضاءُ يَتثَبّتُ من المَعلوماتِ المُدلَى بها، ومن كل الوقائع، وإلى جانبِ الإثباتات - التي لا شك فيها - تُضاف تحليلاتُ الحالةِ النفسية.. لا بُد من تحليلٍ نفسي للمُشتبهِ فيه، وهو لحدّ الآن "مُشتبَهٌ فيه" وليسَ مُدانًا.. الإدانةُ هي الحُكم، وهو من مَسؤولياتِ القضاء..
    مسؤوليةٌ جسيمةٌ في مُعالجةٍ ملفّ خطِير، يُقابلُه حُكمُ الإعدام.. إن الأمر يتعلقُ بحياةِ إنسان..
    كما لا يجوزُ الصمتُ على مَساسٍ بكرامةِ الأطفال..
    وعلى اغتصابِ الطفولة.. وطبعًا، على اغتيالِ الطفولة..
  • وبهذا الخصوص، يجبُ إعادةُ النظر في قوانينِ الاغتِصاب، ببلدِنا، لكي تتَماشَى مع القوانينِ المَعمُولِ بها عالميّا، لأنّ الأساس هو: حقوقُ الإنسان.. حقوقُ الطفل..
  • ويعُودُ النقاشُ العُمُومي إلى الواجِهة.. ومعهُ يعُودُ مَطلَبُ "الائتلافِ المَغربِي من أجلِ إلغاءِ عقوبةِ الإعدام":

المُعارِضون

  • هؤلاء يرَون أنّ الإعدامَ بلا جدوَى: لا يُشكّلُ حلاّ حاسِما لإنهاءِ الجَرائم..
    وهذه نُقطةٌ أولَى.. والنّقطةُ الأخرى هي: الإعدامُ يُلغِي حقّ التّمسُّكِ بالحياة..
    وفي هذا السياق، تأكّد أن إعداماتٍ نُفّذت في أرجاءِ العالم، ولأسبابٍ لا تخلُو من ضُعفِ تأويلِ شهادة، أو بَحث، أو كذِب شهُود، أو غَيرِها ممّا أسقَطَ القضاءَ في خَطأ..
    وانتَهت القضيةُ بتَنفيذِ الإعدَام:
  • حالاتُ إعدامٍ كانت أداةً سياسيّة، استَخدَمَتها دولٌ قمعيّةٌ للتّخلّص من مُعارضِيها..
  • وحُكوماتٌ تَعتَبرُ مُعارضِيها خَوَنة..
  • و"مُنظمةُ العفو الدولية" تعتَبرُ عقوبةَ الإعدام انتهاكاً لحقوقِ الإنسان، وخاصةً منها: الحقّ في الحياة، والحقُّ في عدَم التعرّض للتّعذِيب، أو المُعاملةِ القاسيّة، أو اللاّإنسانية، أو المُهِينَة.. وهذه حقوقٌ يَكفُلُها "الإعلانُ العالمي لحُقوق الإنسان" (1948م).

القانون

إلى الآن، ما زال في القانونِ المغربي نصٌّ خاصٌّ بالإعدام..
وما زال في السّجونِ المغربيةِ سُجناءُ محكُومٌ عليهم بعقوبةِ الإعلام، منهم 3 مُتّهمِين بالإرهاب..
وما زالتِ الجهاتُ المُختصّةُ تَغضّ الطرفَ عن ضرورةِ سَنّ "قانونٍ خاصّ بالاعتِداءاتِ الجنسية" ضدّ الأطفالِ والقاصِرين..

  • وبهذا الخصوص، يجبُ إعادةُ النظر في فصلٍ يَسمحُ للمُغتصِبِ بالتّملّص من المُلاحَقة القَضائية، واللّجوءِ إلى الزّواجِ بضحيّتِهِ القاصِر..
  • حُكومةُ تُجارِ الدّين أغرَقت تِرسانتَنا القانَونية بفُصُولٍ مُضِرّة بحُقوقِ الطفولة.. وكلّ المّواطنين..
  • برلمانُنا الحالي ليس صالحًا للتّشريع.. برلمانيون يرفعُون أصابعَهم لا لمُساندةِ الحقيقة، بل لمُساندةِ المُقرّبِين..
  • ضرورةُ إصلاحِ العدالة، بإعادةِ النّظر في قوانينَ تَجاوَزَها الوقت..
  • ضرورةُ مُراقبةِ أبوابِ المَحاكمَ التي يَتَمركزُ بها سَماسِرة..
  • تقييمُ الأحكام يَستَندُ إلى القانون، لا إلى العَواطف، والعلاقات..
    وهذه من تبِعاتِ ما يَنتُج عن جِنايات، ويضعُ مسؤوليةً خاصةً على الجهازِ القضائي..
    وغيرُ مسموحٍ بأيِّ خطأ قضائي..

لا تراجُع!

غيرُ مقبُولٍ أن يكُونَ الإعدامُ سبّاقًا للعدالة.. عندها لن يتَسنّى أيُّ تدارُك للملفّ، إذا ما وقعَ فيه خطأ..
الخطأُ لا يُتدارَكُ في حالة تنفيذِ الإعدام.. سيكونُ الحُكمُ قد صَدَرَ بعدَ فواتِ الأوان..
وهذا ما يجعلُ الفصلَ في الملفّات يأخذ الكفايةَ من الوقت، وخاصةً في الملفاتِ الجنائية..
المسألةُ مَسألةُ التأكّدِ من كلّ المَعلوماتِ المُدرَجةِ أمام العدالة..
هل هي معلوماتٌ مؤكدة؟ ثابِتة؟ مضبُوطة؟ غيرُ مُتناقِضة؟ وأنها مُنتظِمةٌ في الزّمان والمكان؟

  • والآن، ومِلفُّ الطفلِ في رعايةِ العَدالة، أليسَ علينا بوقفةٍ للتّأمّل؟
    الشارعُ قد سبَقَ العدالة.. أصدرَ حُكمَه قبلَ المحكمة..
    وهذا لا ينفِي احتِمالَ أنْ تَكتشفَ العدالةُ لاحِقًا، أن في الملفّ ما يَستوجبُ المُراجعة..
    هذا مُجرّدُ احتِمال..
    فماذا نحنُ فاعلُون إذا اكتَشفَ القضاءُ خطئًا في المِسطرَة، أو تناقُضًا في المَعلُومات؟ أو مَعلوماتٍ جديدة؟
    وماذا نحنُ فاعلُون إذا كان الإعِدامُ قد سَبقَ التّثبُّت؟
    هل نَستِطيعُ العودةَ بالملفّ إلى ما قبلَ تنفيذِ الإعدام؟هذه قضيةٌ لا تَفصِلُ فيها الاّ المَحكمَة!
  • وفي الختام:

كلّ الأفكارِ قابلةٌ للنّقاش، إلاّ ما ليس فكرًا..
إنّ الإعدامَ يَخلُقُ الإرهاب، ولا يُنهِي الإرهاب، خاصّةً عندما يُعدَمُ شخصٌ يَتبيّنُ بعد إعدامِه أنهُ برئ.. ليسَ هو المطلوبُ للعدالة.. ما العمل؟
بعدَ حُكمِ الإعدامِ يَستَحِيلُ التّراجُعُ عن خَطأ في القضيّة.. سيكونُ قد فاتَ الأوان.. بينما الحُكمُ بالسّجن، هذا قابلٌ للتراجُعِ والتّصحِيح والتّدارُك..
ولا أحسنَ من الحوارِ الهادئ حول قضية شائكة..
مع قَبُولِ اختلافِ الرأي.. والحقّ في الاختِلاف..

  • هذا يُفيدُ عدالةَ البَلد.. ويُصحّحُ الأخطاء..
    قبلَ فَواتِ الأوان!

[email protected]

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...