البوليساريو غاضبة من مدريد.. هل يموت الطرح الانفصالي "رسميا" في إسبانيا؟

 البوليساريو غاضبة من مدريد.. هل يموت الطرح الانفصالي "رسميا" في إسبانيا؟
الصحيفة – حمزة المتيوي
الخميس 4 يونيو 2020 - 20:41

لم يعد التوتر القائم بين جبهة البوليساريو الانفصالية والحكومة الحالية أمرا خافيا كما كان عليه الشأن في محطات سابقة، حيث اختارت الجبهة مهاجمة مدريد مباشرة بعد سلسلة من الخطوات التي اعتبرت أنها تشكل انحيازا للطرح المغربي، ليس فقط عبر وزيرة الخارجية الإسبانية الحالية، أرانتشا غونزاليس لايا، ولكن أيضا عبر سلفها جوسيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي المكلف بالشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.

وبعد سلسلة من التصريحات والقرارات التي مثلت ضربة سياسية غير معهودة للبوليساريو من طرف دولة يجد الطرح الانفصالي صداه لدى العديد من منظماتها المدنية والسياسية، والتي كان أبرزها قرار وزارة الخارجية حذف علم الجبهة من خارطة الصحراء المغربية خلال التهنئة الرسمية بمناسبة "يوم إفريقيا"، أعلنت قيادة الجبهة بشكل صريح غضبها مما يجري مستنجدة بـ"المسؤولية التاريخية" للإسبان في هذه المنطقة، كآخر ورقت ضغط تلعبها لتقليل خسائرها السياسية.

نكس العلم

ومنذ 24 ماي الماضي، أصبحت وزيرة الخارجية الإسبانية "خصما" للجبهة بعدما قررت لأول مرة حذف علمها من خارطة قارة إفريقيا، الشيء الذي كان يعني ضمنيا عدم اعتراف مدريد بوجود دولة مستقلة على أراضي الأقاليم الصحراوية، لكن كان للأمر دلالات أبعد من ذلك نظرا لتزامنه مع يوم إفريقيا المتزامن مع ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، والتي تقول الجبهة إن ما تسميها "الجمهورية الصحراوية" إحدى أعضائها المؤسسين.

ووسط حديث عن نجاح الديبلوماسية المغربية في كسب هذه المعركة لصالحها، أعلنت الجزائر ضمنيا غضبها مما جرى من خلال وزير الخارجية صبري بوقدوم، الذي تحدث في رسالة بمناسبة "يوم إفريقيا" عن وجود "مناورات ومماطلات" في وجه الجهود الأممية، وعدم تحقق "ديناميكية في قضية الصحراء"، قبل أن يحيل على "مسؤولية إسبانيا" من خلال القول بأن الأمر يتعلق بـ"قضية الاستعمار الوحيدة التي بقيت عالقة في إفريقيا".

ويبدو أن ما أقدمت عليه غونزاليس لايا شكل صدمة غير متوقع داخل إسبانيا أيضا، وخاصة لدى الأوساط السياسية المعادية للمغرب والمساندة للطرح الانفصالي، وهو ما عبر عنه البرلماني الإسباني عن جزر الكناري "بيدرو كويبيدو" الذي وجه سؤالا كتابيا للوزيرة الإسبانية حول حذف علم البوليساريو من خارطة إفريقيا، داعيا إلى كشف الأسباب الكامنة وراء هذا "الخطأ" على حد وصفه.

صدمات أوروبية

لكن الضربات التي تتلقاها البوليساريو من الإسبان لا تأتي من حكومة مدريد فقط، ولكن أيضا من الاتحاد الأوروبي، وتحديدا من سلفها جوسيب بوريل الذي كانت تصفه بعض وسائل الإعلام بأنه صديق للمغرب من خلال أدواره المرتبطة بدعم الرباط في قضايا الهجرة وإصراره على أن تشمل الاتفاقيات الاقتصادية الإسبانية والأوروبية الأقاليم الجنوبية للمملكة، لذلك لم تكن الجزائر مرتاحة لوصوله إلى منصب الممثل السامي للاتحاد الأوروبي المكلف بالشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.

وتحولت مخاوف البوليساريو من الرجل إلى حقيقة بعدما لمست منه تعاملا "براغماتيا" مع قضية الصحراء لا يعترف بأي سيادة لها على هذه الأقاليم، مقابل اعتراف ضمني بسيادة المغرب عليها، مثلما كان عليه الأمر أواخر ماي الماضي، حين وجه له نائب أوروبي إسباني من إقليم الباسك سؤالا حول استعمال الطائرات بدون طيار "الدرونز" في الصحراء، ليجيب المسؤول الأوروبي بأنه لا يوجد ما يمنع الاتحاد الأوروبي من تصدير هذه التكنولوجيا العسكرية إلى المغرب، مذكرا بأن هذه العملية تتم بشكل قانوني.

وبسبب توالي مثل هذه التصريحات التي تعترف ضمنيا بسيادة المغرب على الصحراء، خرج إبراهيم غالي، الأمين العام للجبهة الانفصالية ببيان يُذَكِّر إسبانيا بما وصفه "مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه تصفية الاستعمار"، منتقدا ما وصفه "التناقض الصارخ في مسعى أطراف أوروبية، وخاصة فرنسا وإسبانيا، لتمرير اتفاقيات مع المغرب تشمل الصحراء، في انتهاك للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات محكمة العدل الأوروبية"، على حد تعبيره.

ضربات من القضاء

لكن "البوليساريو" ستتلقى بعد ذلك بأيام صفعة إسبانية جديدة، مُعتركها هذه المرة ساحة القضاء، وذلك بعد إصدار المحكمة العليا الإسبانية، وهي أعلى هيأة قضائية في البلاد، حكما بمنع استعمال أعلام البوليساريو داخل وخارج المنشآت العمومية، وهو تفصيل ضمن حكم قضائي يهم منع استخدام الأعلام غير الرسمية داخل الأماكن العامة.

ويعني هذا الحكم أن جميع الهيآت السياسية الرسمية في إسبانيا ستكون مجبرة على عدم رفع أو وضع علم البوليساريو سواء بشكل دائم أو مؤقت حتى عندما يتعلق الأمر بلقاء مع ممثلي الجبهة، على اعتبار أن هذا العلم لا يحظى بالاعتراف الرسمي من لدن الحكومة الإسبانية، الشيء الذي يضفي الشرعية القانونية على الخطوة التي أقدمت عليها وزير الخارجية الإسبانية قبل ذلك بأيام.

ويمكن أن يضاف هذا الحكم إلى حكم آخر أصدرته المحكمة ذاتها بتاريخ 29 ماي 2020، يقضي برفض طلب سيدة مزدادة سنة 1971 بالصحراء الحصولَ على الجنسية الإسبانية باعتبارها مستعمَرة سابقة لإسبانيا، حيث أقر الحكم بأن الصحراء ليست أراض إسبانية، ما يعني ضمنيا عدم وجود مسؤولية تاريخية أو سياسية تربطها بهذه الرقعة الجغرافية، عكس ما يدعو إليه قادة البوليساريو.

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...