الثقافةُ النّزيهة: مَتبُوعةٌ لا تَابِعة!

 الثقافةُ النّزيهة: مَتبُوعةٌ لا تَابِعة!
أحمد إفزارن
الثلاثاء 13 غشت 2019 - 12:31
  • الثقافةُ ليست وظيفة..
    فرقٌ بين المُثقّفِ والموظّف..
    الموظّفُ تابِع.. والمُثقّفُ مَتبُوع..
  • وإن كان في بعضِ الموظّفين مُثقّفُون مُتميّزون..
    يُدرِكُون أنّ الثقافةَ ليسَت شَحنًا بالمَعلُومات..
    والمعلوماتُ رغمَ تراكُماتِها ليسَت في حدّ ذاتِها ثقافة..
    المعلوماتُ ليست ثقافة..
    هي تراكُمٌ لمعلُومات.. أكثرُها يزُولُ مع الأيام.. وأقلُّها يبقَى.. وما يبقَى هو غَرسٌ للثّقافة..
    والثّقافةُ نِتاجُ تَفاعُلٍ ومَخاضٍ داخِلي للإنسان..
    هي نقدٌ بنّاءٌ يُمارسُه المُثقّف، وبشجاعة..
    وهو يَعِي أنّ الثقافةَ بلا نَقد، كالصحافة عندما تتَخلّى عن مسؤوليتِها الرئيسية، وهي نقدُ المَسارِ السياسِي والاقتصادِي والاجتِماعِي للبَلد..
    عندَها لا تقُومُ بواجِبِ تقويمِ ما يَستَوجبُ التّقوِيم..
    ورسالتُها تَقتَضي أن تكُون مع الحقيقة، أينما كانت، فتقُومَ بدورِ المُعارَضة إذا تطلبَ الموقفُ أن تُعارِض..
    والنقدُ البنّاء ضرورةٌ لكلّ من يَحملُ مِشعلَ الثّقافة..
    الثقافةُ تنوير.. وتوعية..
    وتنبِيهٌ للحُكومةِ والمُجتَمعِ حتى لا تنحَرفَ السياسةُ العامة..
  • وهذا دورُ المثقّف..
    هو أن يَتخلّصَ من التّبعيّةِ لأيةِ جهة..
    وأن يُحافظَ على استقلاليةِ المُعالجة..
    وأن يُبقِيَ قَدمَيْه واقفتَيْن على الأرض، ثابِتَتيْن، بلا انحيازٍ لأيّ كان..
    وهذه الثقافة تَشمَلُ كلَّ المجالات، وتَعنِي كلّ الكفاءاتِ الواعيةِ في البلد: المُهندِس، والطبيب، والمحامي، والأستاذ، والصحافي…
    وهؤلاء وغيرُهم يَستطيعُون أن يشتغلُوا في مِهَنِهم دون إغفالِ واجبِ المُشاركةِ في نقاشاتٍ وطنيّةٍ تستَوجبُ حضُورَ المُثقّف..
    وإذا غابَ المُثقّفُ عن هؤلاءِ وغيرِهم، تَحوّلوا إلى موظّفينَ بلا استقلاليّة للقرار..
    الثقافةُ لا تقفُ إلا على الحُرية، والاستقلالية..
    والمثقّفُ مَهمُومٌ بقضايا الإنسان في البلد، وخارجَ البلد، ومُنشَغِلٌ بحقوق الإنسان، على كوكبِ الإنسان..
    فتَجِدُه دائمَ التّفكير والبحثِ عن حلولٍ للمشاكلِ المطروحة، إنسانيٍّا وأخلاقيّا وعَلاقاتيّا، وبيئيّا، ومَعيشيّا..
    تهُمّه قضايا السّلمِ والسّلام، والأمنِ والأمان، والعدالةِ الاجتماعية، لا لنفسِه فقط، بل للجميع، كلّ الناس، كلّ البَشَر..
    هو مَسكونٌ بخدمةِ الإنسانية..
    وهذا المثقفُ يَربطُ بمهنتِهِ ما يَشغلُ بالَ الجميع..
    ويُقدّم أفكارا هي اقتراحاتُ حلول، أو بدائلُ حلول لمشاكلَ مطروحةٍ مثلَ الزّراعة والفِلاحة والسّقيِ والماءِ الشّروب والصحةِ والشغلِ والمَدرسةِ وغيرِها.
    إنه يَنقلُ الثقاّفةَ من الخيالِ إلى الواقع..
    وبتعبيرٍ آخر: من الفِكرِ إلى الواقع، لتقديمِ حُلولٍ مَيدانية..
    والثقافةُ عندهُ استخدامٌ للمَعلومات من أجل التّوصّل إلى إلى استِنتَاجات..
    هو يُعيدُ الثقافةَ إلى جُذورِها الأرضية، المُناخية، الهَوائية، فيربطُ الثقافةَ بحرثِ الأرض، وبالتُّربة، والفنّ، والقانون، والعادات، وآدابِ السلوك، والمُعتقَدات، والتّراث، والعيشِ المشترَك..
    ومن أبرزِ همُومِ المثقّف: التعليم..
    وهو يُفرّقُ بين المُتعَلّمِ والمُثقّف..
    ويُريدُ تعليمَنا في مُستوَى طمُوحاتِنا، وهو أن تُعلّمَ المدرسةُ أبناءَنا كيفَ يُفكّرون..
    وهذا مَربطُ الفَرَس..
    فإذا تعلّمَ أبناؤنا كيف يُفكّرون، عندها يَتخلّصُون من التّبَعيّة، ويكونُون مُستقِلّين في مُعالجةِ قضايا الوطنِ والمُواطن، ويتَقدّمُون بباقاتِ حلولٍ مُتنوّعة، من أجل شاطئ الأمان، وَواحةِ الاستقرارِ والتنمية..
    وستكونُ هذه هي الثقافةُ الخلاّقةُ البنّاءة..
    • وهذا مُثقّفُ تابعٌ لا مَتبُوع!
      والمعلوماتُ التي تلَقّاها من عمَلِه، أو خِبرتِه الميدانية، ينطلقُ منها للبحثِ في ما بَعدَها..
      ويَتفاعَلُ مع البحثِ الذاتي، ومع نقاشاتِ الآخر، لشقّ الطريق إلى تصوّراتٍ خاصةٍ به..
      وهذه هي الثقافة..
      الثقافةُ تبدأ بعدَ التّعلّم..
      وبعدَ المَعلُومات..
      ومِن تَراكُمٍ مَعرِفي، يَبنِي شَخصِيتَه على أساسِ استقلاليةِ الرأيِ وحُرٍيةِ القرار..
      المُثقّفُ لا أهَمّ في حياتهِ من الحُرّية..
      حُرّية التّفكير.. والتّأمّل..
      حُرّية الاستِنتَاج..
      حُرّية اختيارِ الطريق..
      المُثقّفُ مَتبُوع.. وهكذا من المفروضِ أن يكون..
      يَقُودُ غيرَه.. ولا ينقادُ لغيرِه، إلا إذا اقتَنع..
      وهذا المُثقّفُ لا تقُودُه المَصلحة.. تَقُودهُ حصيلةُ التّفكيرِ والتأمّل..
      ولا يَتبَعُ غيرَه..
      هو يَتبَعُ عقلَه..
      عقلُه يَقُودُه..
      وبَونٌ شاسعٌ بين العقلِ والمَصلَحة..
      بين تابعٍ ومَتبُوع..
      ومن هذا الصّنفِ ذي الرأيِ المُستَقِلّ، تتَكوّنُ النّخَبُ السياسيةُ والاقتصاديةُ والاجتماعيةُ والثقافيةُ والنّقابيةُ وغيرُها..
      إذا كانت النّخبُ مُستقلةَ التّفكيرِ والقرار، ونزيهةً في خدمةِ الوطنِ والمواطن، قد تكُونُ في مُستوَى المسؤوليةِ المطلوبة..
      وإذا كانت تابِعةً مِثلَ بقيةِ التّوابِع، فهي تُنفّذُ إملاءاتِ غيرِها، وبالتالي هي مُوظّفةٌ لدى الغير، ولا رأيَ لها، ولا قرار، إلا ما يأتِي من غيرِها..
      وإذا سُمِع منها رأيٌ، فهي ليست مالكةً لهذا الرأي..
      صاحبُ الرأي هو الغَير..
      وهذا الغيرُ هي عندهُ مُوظّفة، منه تتلقّى الأوامِر، وهي تُنفّذُها مُقابلَ مَصلَحة..
      وهكذا يُمكنُ أن تتَحوّلَ نُخَبٌ إلى توابِع، في خدمةِ غيرِها..
      وعندنا نقاباتٌ هي في خدمةِ الباترُونا، بَدلَ خدمةِ اليدِ العاملة.. والأُجَراء..
      وهذه عُقدَةٌ أخرى..
      "العُقدةُ" تَكمُنُ في استقلاليةِ القرار..
      والاستقلاليةُ تعني أن الفردَ واقفٌ على قدميْه، وأنه يستطيعُ أن يَقبَلَ أو يَرفُض، أو يَقولَ "نَعَم"، أو "لا"، وهو مرفوعُ الرأس..
      وأنهُ مؤهّلٌ لأن يُواصلُ طريقَ البناء والتنميةِ والتّطوّر، بعقلية المُثقّفِ الباحثِ المُستقِلّ، لا بعقليةِ تابعٍ نَمّامٍ خَنُوع..
  • ما أحوجَنا للمُثقّف المُستقِلّ، ذي المبادراتِ المسؤولةِ البنّاءة!
    [email protected]

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...