الجزائر تخفض عجزها التجاري.. والثمن: غضبٌ أوروبي وأسواقٌ خالية من البطاطس والسيارات ومواد البناء

 الجزائر تخفض عجزها التجاري.. والثمن: غضبٌ أوروبي وأسواقٌ خالية من البطاطس والسيارات ومواد البناء
الصحيفة – حمزة المتيوي
الخميس 23 دجنبر 2021 - 22:37

أعلنت الجزائر هذا الأسبوع، عن تسجيل تراجع كبير في عجزها التجاري، لينتقل من 10,5 مليارات دولار في نهاية شتنبر من سنة 2020 إلى 1,57 مليار دولار فقط خلال الفترة نفسها من العام الجاري، وهو الأمر الذي روجت له الحكومة على أنه "إنجاز اقتصادي"، ساعد على الوصول له الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز هذه السنة مقارنة بالعام الماضي المتسم بانتشار جائحة كورونا.

ووفق ما أكده محافظ البنك المركزي الجزائري، رستم فضلي، لوكالة الأنباء الرسمية، فإن متوسط سعر النفط ارتفع بنسبة 66,6 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2021، ليصل إلى 68,91 دولارا للبرميل مقابل 41,36 دولارا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، مبرزا أن القيمة الإجمالية لصادرات المحروقات الجزائرية ارتفعت بـ57,3 في المائة لتصل إلى 23,38 مليار دولار هذا العام عوض 14,86 مليار دولار العام الماضي.

ووفق المسؤول نفسه، فإن صادرات السلع انتقل إجمالا من 16,24 مليار دولار قبل عام إلى 26,4 مليار دولار هذه السنة، بزيادة بلغت 62,3 في المائة، علما أن الجزائر تعتمد في 90 في المائة من عائداتها الخارجية على إيرادات المحروقات، غير أن محافظ البنك المركزي لم يتطرق إلى أمور أخرى أدت إلى خفض العجز التجاري بسرعة، والتي كان لها تأثير ملحوظ على المواطن الجزائري من جهة وعلى الاستثمارات الأجنبية من جهة أخرى.

رسوم عالية وأسواق فارغة

ففي نهاية العام الماضي قررت الجزائر توسيع لائحة المواد التي يُمنع استيرادها من 998 إلى 2600، وذلك عن طريق إخضاعها للتعريفة الجمركية المعروفة بـ"الرسم الإضافي الوقائي" والتي تبلغ نسبتها 100 و150 و200 في المائة من قيمة السلعة حسب نوعها، والتي يمكن أن تنزل إلى ما بين 30 و50 في المائة فقط إن رأت الحكومة وجود "نقص من الإنتاج الوطني" منها، الأمر الذي أتى في فترة كان فيها العجز التجاري قد وصل إلى 7,6 مليارات دولار بسبب تراجع عالمي في أسعار المحروقات.

وأدى القرار الجزائري الذي صادق عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى إفراغ الأسواق الجزائرية من العديد من السلع، حيث شمل المنتجات الغذائية التحويلية والسيارات والهواتف المحمولة والأجهزة المنزلية والمعدات الطبية والعديد من أنواع الملابس والأجهزة المُركبة ونصف المُركبة وحتى مواد البناء التي أبدى تبون "فخره" بمنعها لكون بلاده أصبحت قادرة على "إنشاء سكن جزائري 100 في المائة"، غير أن ذلك أدى في المقابل إلى اختفاء العديد من المواد من السوق، علما أن الجزائر كانت قد حاصرت صادرات الإسمنت والسيراميك وحديد البناء منذ 2016.

لا بطاطس ولا سيارات

وتخوض الجزائر حربا مع الاستيراد منذ 2015 في سبيل خفض عجز الميزان التجاري، وذلك رغم أن البلاد عاجزة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج العديد من البضائع، فعلى سبيل المثال قررت الحكومة في 2016 منع استيراد العديد من المواد الغذائية الفلاحية، على غرار الموز والبطاطس، كما قلصت من استيراد الحليب والعدس، وهي المواد التي عجز الإنتاج المحلي على تغطيتها لتختفي من الأسواق، ما أدى إلى ظهور "أزمة البطاطا" هذه السنة.

ولم يتوقف الأمر عند المنتجات الغذائية، فالجزائر عانت طيلة أكثر من 5 سنوات من أزمة في أسواق السيارات نتيجة قرار منع استيراد الجديدة والمستعملة منها عن طريق وكالات القطاع الخاص، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بشكل جنوني بسبب ارتفاع العرض مقابل شح الطلب، ما دفع وزارة الصناعة مؤخرا إلى اقتراح تعديلات على دفتر تحملات الاستيراد وافق عليها الوزير الأول ووزير المالية، والتي تشمل إلغاء "كوطا" الاستيراد ووقف احتكار المؤسسات الوطنية للعملية.

خرق للشراكة مع الأوروبيين

وتشهد العلاقات التجارية الدولية للجزائر الكثير من التعقيدات، فرغم كونها البلد الوحيد من خارج منظمة التجارة العالمية التي تربطها بالاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة اقتصادية، إلا أن هذا الأمر أدى إلى دخول التبادل التجاري بين البلدين إلى دائرة "العشوائية"، إذ إن الاتفاقية تنص على الإعفاء التدريجي من التعريفات الجمركية بين الجزائر وبروكسيل على البضائع المصنعة والمنتجات الغذائية والمواد الفلاحية الأوروبية، على أن تستفيد السلع الجزائرية ذاتها بالإضافة إلى منتجات الصيد البحري من معاملة مماثلة.

لكن القرارات الجزائرية أدت إلى خرق هذا الاتفاق، الأمر الذي أضر بالطرف الأوروبي الذي وجد نفسه أمام إشكالية قانونية في حال ما أراد اللجوء إلى التحكيم الدولي، في ظل وجود الجزائر خارج منظمة التجارة العالمية ووجود عوائق تحول دون انضمامها رغم رغبتها الصريحة في ذلك، وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى اللجوء لأساليب أخرى أبرزها التلويح بخفض صادراته من النفط والغاز الجزائريين، الأمر الذي من شأنه أن يعيد صراع الجزائر مع تضخم عجز الميزان التجاري إلى نقطة الصفر.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...