الدّينُ لله.. لا للحُكومة!

 الدّينُ لله.. لا للحُكومة!
أحمد إفزارن
الأثنين 15 يوليوز 2019 - 10:09

الدّينُ لله وحدَه.. لا شريكَ له..
وقد كان على الحكومة أن تفهمَ هذا..
وأن تَستَوعبَ أنّ الإسلامَ ليس الدّينَ الوحيدَ في المغرب، وبالتالي ليسَ مَقبُولاً أن يُستَغَلّ أيُّ دينٍ من الأديانِ الموجُودةِ في المغرب، لا لأهدافٍ سيّاسيّة، ولا لأيةِ مَصلحةٍ شخصيةٍ أو حِزبيةٍ أو تِجاريّةٍ أو غيرِها…
في المغربِ أديانٌ سَماوية..
وبَلدُنا مُنفَتِحٌ على الجَميع..
والملكُ قد قالَ في كلمتِه أمام بابا الفاتيكان، بالرباط: "أنا أميرُ جميعِ المؤمِنين، على اختلافِ ديّاناتِهم"..
الملكُ يتحدثُ هُنا عن جميعِ المؤمنين..
والإعلامُ يُذكّرُ بقانُون الانتخاباتِ في المغرب..
القانونُ ينُصّ على مَنعِ استِعمالِ المَساجد في أيةِ حملةٍ انتخابِية..
وفي هذا السّياق، اتّخذَ الملكُ قرارًا هو الأولُ من نوعه، يَقضِي بمَنعِ الأَئمّةِ والخُطباءِ وجَميعِ المشتَغِلين في المَهامّ الدّّينية من "مُمارسة أيّ نشاطٍ سياسي"، ومَنعِ "اتّخاذِ أيّ مَوقفٍ سياسِيّ أو نِقابي"..
وهذا يُؤشّرُ لإصلاحاتٍ جِذريّةٍ لحَقلِنا الدّيني..
ويُذكّرُ بقانُونِ الانتخاباتِ الذي يَمنعُ استعمالَ المَساجِدِ في أيّةِ حَملةٍ انتخابية..
وها هي الرّؤيةُ المغربيةُ واضحة، في مَجالِ الاستيعابِ الوطني لكلّ المُعتَقَداتِ داخلَ البلد..
ومعَ ذلك، ما زالت عندنا بُذُورُ التّطرّفِ نشيطةً ببعضِ المُؤسّساتِ التّعليمية، والإدارات، ومُختلفِ الفئاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعية..
وهذا الجِذعُ الديني المُشتَرَك ليسَ بمَنئًى عن خدشِ سُمعةِ هذا، وتكفيرِ ذاك، والاعتداءِ على بعضِ الناس تحت غطاءِ نُصُوصٍ منسُوبةٍ للإسلام..
وفي النّصّ القُرآني، ليسَ الإسلامُ وحدَه دينًا: إنّ الإسلامَ حقّ.. والمَسِيحية حقّ.. واليَهُوديّة حقّ.. وأديانٌ أخرى كثيرة، كُلّها حقّ..
ويُقال إن أديانًا كانت في القديمِ موجُودةً في القارّة الأوربية، ولا يُستبعَدُ أن تكُونَ أديانٌ أخرى موجُودةً في قارّات أخرى..
يقولُ القرآنُ في حقّ أنبياءِ الدّياناتِ السابقة، مُخاطِبًا رسُولَ الله: "مِنهُم مَن قَصَصنَا عليكَ ومِنهُم من لم نَقصُص عليك"..
وهذا يعني أن رسُولَ الله نفسَه لم يكُن على عِلمٍ بدياناتٍ لم يَقصُصها اللهُ عليه..
ولا يُمكنُ تصوّرُ أنّ مِنطقةَ الشرقِ الأوسطِ وحدَها ظهَرت فيها ديانات..
ولا تَصَوُّرُ أن الكونَ لا تَوجَدُ به كائناتٌ أخرى عاقِلة، على غِرارِ الإنسان، وربّما أكثرَ تَطوّرًا من الإنسان الأرضي..
تَعدُّدُ أنواعِ الكائنات، أمرٌ وارِدٌ في كل القارات، وكلِّ فضاءاتِ الكونِ الشّاسعِ الرّحب..
وبالنسبة إلينا نحنُ سُكّانُ كوكبِ الأرض، ما كانَ المُشكِلُ في تَعدُّدِ الأديَان.. المُشكلُ في سُوءِ فَهمِ رسالةِ الأديان.. وهي رسالةٌ في عُمقِها واحد..
كلُّها تدعو للسّلام، والاحترامِ المُتبادَل، والتعاوُن، والتّآزُر، والتّطوّع، والخيرِ المُشتَرَك..
الاختلافاتُ هي الزمانُ والمَكان، وفي العباداتِ والشرائع..
أما المَضمُون فهُو حُسنُ تعامُلِ الإنسان مع الإنسان، ومعَ كائنات، ونباتات، وأشجار، وأحجار، وغازات، وبراكينَ وغيرِها..
ومع ذلك، تُوجدُ مشاكلُ مُرتبِطةٌ بمدَى فهمِ المُتعبّد للدّين..
والمُشكلُ الأكبرُ غالبا ما يكُون ناتِجًا عن التعَصّبِ الجاهِل.. والجَهلِ المُتعَصّب.. وعن انحرافاتِ فُقهاءَ ومُفسّرِين ومُؤَوّلِين..
وقد تَتحوّلُ التّفسيراتُ إلى صِراعات، نتيجةَ تعامُلِ بعضِ المُتعبّدينَ مع الأديان، وكأنّ الأديانَ أحزابٌ انتِهازية..
ومع ذلك يبقَى التّفاعُلُ الدّيني من تنوّعاتِ الحياة، حيث لا أحدَ هو نُسخةٌ طِبقَ الأصلِ من آخر..
نحنُ البشَرُ أصلاً مُتنوّعُون..
والقُرآنُ يقول: "ولو شاءَ ربُّك لجَعلَكُم أُمّةً واحدة"..
ويقولُ بشأنِ حُرّيةِ التّديّن: "لكُم دينُكُم، وليَ دين"..
بيد أن "رِجالَ الدين" ليسوا كلّهُم مُدرِكين أن كل البشرِ إخوَة.. كلُّهُم من مَصدَرٍ واحد..
ومِن جِذرٍ واحد..
وجِذعٍ واحد..
وأنّ تاريخَ الإنسانِ مُوغِلٌ في القِدَم..
ولكنّ فُقهاءَنا أكثرُهم مُتعَصّبون.. لا يَفقَهُون.. ولا يَعقِلُون..
أكثرُهُم أعداءُ للعِلم.. والحِكمة.. والسّلام.. والإنسانية.. وأعداءُ لاحترامِ الاختِلافات.. ورَسائلِ السّماوَات…

  • وأعدَاء حتى لأنفُسِهِم!
    والتّعقِيداتُ قائمةٌ في تفسيراتٍ للنصّ الديني، بطريقةٍ مُخالفةٍ للعقلِ والعِلم.. العِلمُ في اتّجاه، وتأويلاتُهم في اتّجاهٍ مُعاكِس..
    وبهذا يُخالفُون النصَّ القُرآني الذي يقُول: "لا يَعلَمُ تأويلَهُ إلا الله"..
    ومع ذلك، يَقعُون في المحظُور.. القرآنُ يقولُ إن تأويلَه لا يَعلَمُه إلا الله.. وهُم يُغامِرُون بالتأوِيل، فيُسِيئُون التأويل، ويُوقِعُون الناسَ في ما يَضُرّهم..
    وفُقهاءُ عندنا لم يقتَصرُوا على سُوءِ تفسيرِ "كتابِ الله"، بل جعَلُوا أنفُسَهُم أكثرَ إسلامًا من غيرِهم..
    وكان عليهم أن يُدرِكُوا أن الإيمان هو أكثرُ درَجةً من الإسلام.. يقولُ كتابُ الله: "قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" ..
    آيةٌ تُفيدُ أن الإسلامَ قَول، والإيمانَ فِعل..
    والإيمانُ هو الأهمّ.. والأعمَق.. والأعلَى مَرتَبةّ من القَول..
  • ووَصَلَ العبثُ بالدّين إلى مُستوَى ما يُسمّى بالإسلامِ السّياسي، إي توظيفُ الدّين لأهدافٍ سياسية، كما يفعلُ حزبُ "تُجّارِ الدّين" عندَنا..
    وهؤلاء تَلاعَبُوا بالدّين على كل المستويات..
    فأحْيَوا لأتباعِهم خُرافةً قديمة، لاغتيالِ الصّحةِ العُمومية، وتحويلِ فُقراءِ البلد إلى التّداوِي بالشّعوذَة: "الرُّقيَةالشّرعية"!
    و"الرُّقيَةالشّرعية" طريقةٌ احتياليّة، بإخراجٍ جَدِيد، من حُكومةِ "تُجّارِ الدّين"، لتعويضِ العلاجِ الطبّي، بالشّعوذةِ والدّجَل والخُرافَة.. وبِدعوَى "العلاجِ النّبَوي"..
    نَصّابةٌ مُحتَالُون لا يُعالِجُون، بل يَفتَرُون على الفُقَراء.. ويَكذِبُون على النّبيّ.. ويَستَغلّون الفَقرَ والجَهلَ، ويَفتَحُون دَكاكينَ لاستقبالِ نساءٍ غارقاتٍ في الخُرافات، ولا قُدرةَ لهُنّ على أداءِ تَسعِيرةِ الطّبيب..
    حُكومةُ "تُجارِ الدين" تَستَبدِلُ الطبّ بالشعوذَة..
    وتَنشُرُ المزيدَ من الأمرَاض…
  • في مُجتمعٍ بحاجةٍ إلى تَغطيةٍ صحيّة!
    واللّعبةُ مكشُوفة..
    ولم يعُد لتُجّارِ الدّين ما يُخفُون..
    وقد حانَ وقتُ العِلمانيةِ في المغرب..
    هي الحلُّ الجِذرِي لمشاكلِ البَلد..
    والعِلمانيةُ ليست ضدّ الإسلام..
    وليست هي أيَّ دين..
    العِلمانيةُ غيرُ مُتَدَيّنة..
    هي نظامٌ تَدبيري يحمِي كلّ الأديان، لكي تَتعايشَ تحت أضواءِ قانونٍ مَدَنِي مُشترَك..
    وهي فصلٌ للدّين عن شؤونِ الدّنيا..
    وفصلٌ للحُكومةِ ومُؤسّساتِها، ولكلّ السّلطةِ السياسية عن كل ما هو دينيّ..
    وفي ضوءِ العِلمانيّة، لا تأثيرَ للفقيه، أو أيةِ شَخصيةٍ دينيّة، في التدبيرِ والتّسيِير للشأنِ العمومي..
    وهذا هو المفهومُ العلماني: الرّفضُ التامّ لكلّ من يَستغلّون الدينَ لأهدافٍ اقتصاديةٍ وسياسية.. يجب الفصلُ بين الدين والدولة، لقطع الطريق عن لُصُوصِ الدين..
    إنهم باسمِ الدين ينهبُون حقوقَ الناس.. ويتَحكّمون في أرزاق البلاد والعباد.. هي عصاباتٌ في عباءاتِ الدّين..
  • والدينُ برىء!
    برئٌ من تأويلاتٍ خاطئة..
    ومن توجيهٍ عمومي يُنمّ عن سُوءِ استغلالٍ للمُجتمع..
    والعِلمانية تحمي الدينَ من تَفسِيراتٍ غيرِ عِلميّة، وغيرِ دقيقة، لظواهرَ كونيةٍ هي بحاجةٍ إلى مراكزَ للبحث العِلمي، وإلى مُختبَرات، وعُلماء، لا إلى مُشعوِذين..
    والحاجةُ اليوم ماسّة إلى إقرارِ العِلمانية في دواليبِ الدولة، لتكُون فيصَلاً بين الدّينِ والدّيمُقراطية.. فبدُون عِلمانية، تَستحيلُ الحياةُ الدّيمُقراطية..
    ويَستحيلُ أن تكُون عندنا حقُوقُ المرأة، وحقوقُ الطفل، وكلُّ حقوقِ الإنسان المتعارَف عليها دوليّا..
    وقد جرّبنا ديمُقراطيةَ "تُجّارِ الدّين"..
    وحقوقَ الإنسان في عهد "تُجّارِ الدّين"..
    إنهم يُفسِدُون في البلادِ ولا يُصلِحون!
  • العِلمانيةُ ضرورةٌ وطنيةٌ لتَقدُّم البلد..
    هي ليست ضدّ الإسلام.. هي تَضمنُ حقّ التّديّن، وحقّ المُواطِن في مَساجِدَ وأحزابٍ وإداراتٍ وانتخاباتٍ لا يَستَغلّها "تُجّار الدين"، لأهدافٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وانتِهازية.. العِلمانيةُ تَفصلُ بين الشأنِ الدّيني والشأنِ الدُّنيَوي، من أجلِ بلدٍ آمِن، ومُواطنٍ يَحظَى بكلٌ الحقوقِ المَدَنيّة..
    وليس الفردُ عِلمانيّا..
    الدولةُ هي عِلمانية، وفي أحشائِها كلُّ الحكومةِ عِلمانيّة..
    والحُكومةُ العِلمانيّةُ هي الفَيصَلُ المَدَنِي بين الحُقوقِ والواجِبات..
    وبين الدّنيا والآخرة..
    وبين الدين والدّيمُقراطية..
    وبين الدّين والسياسة..
  • الدّينُ لله، والوَطنُ للجميع!

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...