الساسي: نظام المغرب"أبَوي" يَسمح بتأسيس الأحزاب دون أن تكون لها الاستقلالية

 الساسي: نظام المغرب"أبَوي" يَسمح بتأسيس الأحزاب دون أن تكون لها الاستقلالية
الصحيفة - هشام الطرشي
الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 - 9:00

حرص محمد السياسي على الإجابة عن سؤال السياسة بالمغرب من خلال تفكيك طبيعة العلاقة بين النظام السياسي المغربي وبنية الأحزاب السياسية المرتبطة به إما تبعية أو معارضة على مستوى النسق السياسي العام، مستحضرا في ذلك مجموعة من القواعد، يقول إن الملك محمد السادس قد ورثها عن والده الراحل الحسن الثاني.

الأستاذ الجامعي وخلال مداخلة له بالرباط أثناء ندوة نظمها "مركز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية حول الديمقراطية والتنمية المندمجة"، اعتبر أن الأزمة السياسية التي يعيشها المغرب ليست وليدة اليوم، وإنما هي نتاج تراكم لسلسة أزمات عاشها أو أفرزها النظام السياسي المغربي، وأخرى خلقتها البنية الحزبية على امتداد سنوات من الفعل والممارسة.

واصفا النظام السياسي في المغرب بـ"الأبوي" الذي يسمح بتأسيس الأحزاب وتنوعها لكن دون أن تكون لها الاستقلالية التامة للقيام بأدوارها المتعارف عليها دوليا، وأنه -نظام سياسي- يجمع بين السلطة والثروة، مستدِلا بحرص الحسن الثاني زمن حكمه، بحسب وصف الساسي، بأن يكون الأغنى في المغرب.

وفي هذا السياق، ذكَّر ذات المتحدث بمفهوم "الحكومة الدِّيوانِية" وهي تعبير لعبد الله إبراهيم، في إحالة إلى قبول النظام السياسي بوجود عدد من المؤسسات والهيئات من حكومة وبرلمان وأحزاب ومجالس استشارية، وعملية انتخابية، وإدارة ترابية، ومنظومة قوانين، دون أن يقبل بأن يمس أي من هذه المكونات بالسيادة الملكية، لتصبح الحكومة، بحسب الساسي، مجرد آلة لبلورة القرارات ومنفذة لها.

القيادي في حزب الاشتراكي الموحد وهو يتطرق في مداخلته لما أسماه بالضبط المؤسساتي للحقلين الحزبي والانتخابي، تحدث عن الوضع الخاص الذي كان للبادية، مشيرا إلى أنه "كلما كانت مساحة الحقوق والحريات كبيرة في المدن إلا وتحرص الدولة في مقابل ذلك على تغييب ذاك الامتداد في البادية، في محاولة منها الحد من ذلك المد الذي تصفه القوى المحافظة في الدولة بالسيبة السياسية".

وعلى مستوى العلاقات الخارجية، قال الساسي إنها عادة ما تتسم بالبراغماتية، "خصوصا وأن النظام السياسي كثيرا ما اعتمد على ثنائية الصراع على المستوى الخارجي لتبرير ضبط المشهد الداخلي، مثل انتقال الدولة الرسمية من مواجهة الشيوعية إلى محاربة الإرهاب"، منتقدا طريقة تدبير الدولة لملف مغربية الصحراء "بسبب اعتمادها على الوطنية المخزنية التقليدية"، التي يرى ذات المتحدث أنها "تعني بالدرجة الأولى الولاء للنظام السياسي وليس للوطن".

أما على المستوى التشريعي، فيرى الساسي أن مجال الحقوق والحريات في المغرب محدود ومراقب، وأنه "عادة ما تأتي دورات التشدد التشريعي والرقابي لتلتهم كل ما راكمته دورات الانفتاح من مكتسبات". وهو تقلب في المواقف يرجعه الساسي إلى ما أسماه بـ"ديمقراطية الرفوف"، حيث "تلجأ الدولة إلى مجموعة من القوانين والتشريعات لتبرير أو منع ظواهر حقوقية معينة، فالدولة إذا أرادت التطبيع مع سلوك معين تُخرِج له قانونا يُشرعِنه، والعكس صحيح"، مؤكدا بالقول إنه "لا يمكن وصف أية ترسانة قانونية، لبلد يقول إنه يستمد جزءا معتبرا من تشريعاته من القانون الوضعي، بالمتكاملة فيما بينها، إلا إذا أنتجت ما يسمى بالنظام العام".

كما اعتبر الساسي أن الحقل الديني وبالرغم من وجود إمارة المؤمنين التي تُفوِّض للملك مجموعة من الأدوار المهمة والاستراتيجية، فإن صراعا حول مناطق النفوذ والسلطة فيه لا يكاد يفتر، تارة يكون مُعلناً وتارات أخرى يكون خفيا، بين النظام السياسي ومكونات الإسلام السياسي التي ترى دائما بأن الدين الإسلامي مستهدف وعلى الجميع التعبئة للدفاع عنه.

وحين تطرقه لأزمة الأحزاب السياسية المغربية، أكّد الساسي أن المشكلة الأولى التي يعاني منها الحقل السياسي عموما هي "السلطوية"، إذ يرى أن النظام السياسي يمارسها على الأحزاب والهيئات التي تدور في فلكه، كما تمارسها "زعامات وقيادات" هذه الأحزاب والهيئات نفسها تجاه قواعدها.

مُقسِّما الأحزاب السياسية إلى نوعين، أولى تتصف بالمبادئ ولها وجماهيرية المناضلين، وتتسم باستقلاليتها عن "المخزن" وتطمح إلى إحقاق الديمقراطية، فيما الثانية تتصف، بحسب ذات المتحدث، بالمنفعة ويصف مناضليها بـ"الزبناء"، وتعتمد على الأعيان في علاقتها التبعية بالنظام السياسي، مُتوقِّفا عند نوع ثالث من الأحزاب التي يرى الساسي أنها مجرد غلاف حزبي لأذرع السلطوية مهمتها هي "تسفيه الحياة الحزبية".

محمد الساسي وهو يخلص في مداخلته إلى وجود أحزاب قوية تنظيميا بلا مشروع سياسي، في مقابل أحزاب حقيقية لها مشروع سياسي لكن تفتقر إلى الأداة التنظيمية لتنزيله، دعا الليبراليين والإسلاميين واليساريين، إلى بناء أحزاب جديدة وقوية يكون المشترك بينها الحد الأدنى من الديمقراطية كما هو متعارف عليها كونيا، وذلك على أمل الاسهام، كل من موقعه ووفق مرجعتيه، في إعادة بناء المشهد السياسي وفق قواعد متجددة تساير العصر وتنتصر للديمقراطية والعدالة والاجتماعية والحقوق والحريات.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...