السعيد بوتفليقة.. «شَبح» حكم الجزائر يواجه الإعدام لـ«تآمره» على الدولة

 السعيد بوتفليقة.. «شَبح» حكم الجزائر يواجه الإعدام لـ«تآمره» على الدولة
بورتريه - محمد صالح من الجزائر
الأربعاء 8 ماي 2019 - 1:26

قبل الانتخابات الرئاسية 2014 في الجزائر، كان السعيد بوتفليقة مجرد صورة تظهر نادرا في المناسبات الخاصة، وبما أنه شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم الجزائر لـ20 سنة و 4 عهدات متتالية، فكل شيء كان يوحي أن السعيد مجرد شقيق الرئيس، ومستشاره الخاص فقط، ولكن انتشار الصحافة الإلكترونية وتعدد المصادر والمعلومات، رفع ستار الغموض على نشاط وتأثير السعيد، وأصبح الرجل الشبح حديث الخاص والعام في الوسط الإعلامي والشعبي في الجزائر.

من هو السعيد بوتفليقة ؟

ولد السعيد في الأول من يناير 1957، في وجدة بالمملكة المغربية، وهو أصغر أشقائه. توفي أبوه و عمره سنة، فربته أمه برعاية أخيه عبد العزيز.

تفوق السعيد في دراسته بالجزائر، وحصل على شهادة مهندس دولة من جامعة باب الزوار في العاصمة، قبل أن يشد الرحال إلى باريس ليكمل دراسته سنة 1983، حيث نال شهادة الدكتوراه في جامعة "بيير وماري كوري"، قبل أن يَعود بعد 4 سنوات إلى بلاد "المليون شهيد" ليشتغل استاذا في الجامعة.

حتى 1999، كان السعيد مجرد أستاذ جامعي محاضر في جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيات، تخصص في الذكاء الاصطناعي، وكان ضمن الناشطين في الحزب الشيوعي الجزائر.

1999 أول حملة انتخابية لـ عبد العزيز، والسعيد يدخل قصر الرئاسة !

بعد استقالة الرئيس السابق اليامين زروال، نظمت انتخابات دستورية في الجزائر، وفاز عبد العزيز بوتفليقة بكرسي الرئاسة عن حزب السلطة الحاكمة "جبة التحرير الوطني"، وكان أولى قرارات عبد العزيز الحاق شقيقه الأصغر السعيد بمنصب مستشاره الأول.

ومنذ 1999 لم يغادر السعيد منصبه حتى انسحاب شقيقه من سباق العهدة الخامسة !

في انتخابات 2004، كان السعيد هو مدير الحملة الخاص بشقيقه الأكبر، وعاد أيضا في 2009 وكان رئيس الحملة الانتخابية، في ذلك الوقت قام عبد العزيز بتعديل الدستور والظفر بالعهدة الثالثة، بعد تمرير القرار على البرلمان، وبسطت عائلة بوتفليقة سيطرتها على السلطة إلى أجل غير محدود.

خرجات نادرة ومرض عبد العزيز فتح له الباب على مصراعيه

في 2013 تعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى مرض خطير سببه جلطة دماغية، جعله مقعدا على كرسي مِتحرك، وبعد أشهر كانت الانتخابات الرئاسية على الأبواب تحضيرا لعهدة جديدة رابعة، قبل تلك الفترة، كان ظهور السعيد نادرا، وضمن المناسبات الخاصة، مثل استقبال بعض الشخصيات، ولكنه لم يدلي يوما بأي تصريح رسمي لوسائل الإعلام طيلة تواجده في السلطة، وفي ذلك الوقت بدأت تتضح الأمور بعض الشيء، وأطلقت عليه الصحف لقب "الرجل الشبح" أو "عين السلطان"، في إشارة منهم أنه رجل الخفاء ومسير النظام "البوتفليقي" في ظل مرض شقيقه الأكبر.

بداية التسريبات والمعلومات.. السعيد يتحكم في كل شيء

ظفر عبد العزيز بوتفليقة بالعهدة الرئاسية الرابعة، وفي ذلك الوقت وصف المعارضين أن الفوز كان للسعيد بشكل كبير، لأنه صاحب القرار والعلاقا والصفقات وكل شيء.

ووصفت الإعلامية الجزائرية الشهيرة "خديجة بن قنة"، ظهور السعيد بشكل مكثف بعد 2014 كـ"تحضير لمرحلة ما بعد أخيه، والسيطرة على السلطة بشكل كامل بالتعاون مع فرنسا"، في تغريدة نشرتها عبر حسابها الرسمي في "تويتر".

التسريبات تواصلت من طرف المعارضين لبوتفليقة وسياسته، وانتشرت الأخبار والاشاعات والمعلومات في آن واحد، كاشفة عن صفقات خيالية وامتيازات غير عادية تحت أيدي السعيد ومجموعته، والتي أنتجت رجال أعمال من العدم برؤوس أموال ضخمة، على غرار علي حداد، وطحكوت والإخوة كونيناف وعديد الأسماء التي تداولها التسريبات لفترة طويلة.

مع مرور السنوات، تأكد أن السعيد هو الرئيس والنظام والسلطة معا، وهذا ما أكده بعض الإعلاميين الناشطين عبر مواقع التواصل خارج الجزائر، على غرار محمد العربي زيتوت المتواجد في بريطانيا، والمدون أمير بوخرص الناشط من ألمانيا، والعائد إلى أرض الجزائر، غاني مهدي، الإعلامي والأستاذ السابق في جامعة سويسرا، من خلال برنامجه الشهير والساخر "واش قالوا في الجرنان".

السعيد الرئيس الفعلي يفقد السيطرة على المعارضين 

السعيد بوتفليقة الذي لم يدلي يوما بأي تصريح رسمي لوسائل الإعلام طيلة 20 سنة، كثُر الحديث عن أنه تورطه في فضائح واختلاسات وأموال، بالرغم من أن كل هذه التسريبات الإعلامية كانت مجرد توقعات ومعلومات من معارضين وأشخاص يملكون مصادر مخفية.

وبحلول 2018 كان المجتمع الجزائري الشعبي والإعلامي يعرف جيدا أن السعيد هو كل شيء في السلطة الجزائرية، ولن تكون هناك أي فرصة للمساس به إلا في الانتخابات الرئاسية 2019.

وبعد ترشحه شقيقه عبد العزيز للعهدة الخامسة، كانت فرص السعيد في الاستمرار على رأس السلطة مهددة، وتأكد ذلك مع خروج الشعب الجزائري في مظاهرات مليونية في 22 فبراير 2019، تحت شعار "لا للعهدة الخامسة".

الصحفي المعارض عدنان ملاح، الذي ينتمي إلى مجمع الشروق، كسر كل الطابوهات، وأصبح ينشر معلومات خطيرة واتهامات قوية نحو السعيد ومجموعته، ثم ظهر على السطح الإعلامي علاقة السعيد برئيس المخابرات السابق توفيق مدين، وفي كل مرة كان الصحفي ملاح ينشر تصريحات جريئة استمدها من مصادره الخاصة، ووصل به الأمر لتهديد السلطة من خلال حديثه سابقا :"إذا مس مكروه عائلتي أو تعرض أي شخص لي بالإساءة، سأورط الجميع وأفضحهم جميعا، السعيد هو رأس الفساد والمسؤول عن جميع الأشياء السلبية التي وقعت فيها الجزائر خلال آخر 10 سنوات".

ومع استمرار الضغوطات المحلية والدولية، وغياب عبد العزيز عن الظهور نهائيا واستقبال الرؤساء والديبلوماسيين، أصبحت قضية حكم السعيد دولية وعالمية وليست في الشأن المحلي الجزائري فقط، خاصة عندما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالا جريئا، أكدت فيه أن وفد أمريكي كان يريد اللقاء بالرئيس عبد عزيز ولكن في كل مرة يتم تأجيل ذلك، حتى ساورهم الشك حول إذا ما كان هناك انقلاب سري عليه في قصر الرئاسة بقيادة شقيقه الأصغر السعيد.

المؤسسة العسكرية تتحرك والسعيد يسقط في الفخ 

لم تتمكن أي مؤسسة إعلامية جزائرية من ظهور بشكل جريء والكشف عن خبايا السعيد، والذي بقي علامة استفهام لـ42 مليون جزائري، مع انتشار اشاعات ومعلومات غير مؤكدة حول ثروات السعيد وجماعته، اضافة إلى تسليط الضوء على ثغرات مالية فلكية بالملايير من الدولارات، كل هذا لم ينشر بوثيقة رسمية أو دليل قاطع إلى يومنا هذا.

ومع حلول 05 ماي 2019، وبعد سلسلة من الاعتقالات في حق رجال أعمال وشخصيات سياسية بارزة، أتى الدور أخيرا على السعيد بوتفليقة، والذي تم اقتياده إلى المحكمة العسكرية، والتهمة الرئيسية التي تم الكشف عنها من داخل أروقة المؤسسة العسكرية، هو تآمر السعيد بوتفليقة اضافة إلى رئيس المخابرات السابق توفيق مدين، وأيضا اللواء السابق بشير طرطاق على اجهاض الحراك الشعبي الذي انطلق يوم 22 فيفري، ومحاولة قيادته إلى الفوضى ودفعه إلى مآلات دامية.

بعد الوصول إلى هذه النقطة، ستكون انطلاقة جديدة للكشف عن ملفات من العيار الثقيل تورط فيها السعيد وجماعته، والتي أقل ما يشاع عنها أنها قضايا ثقيلة جدا قد تؤدي بالرجل "الشبح" الذي حكم الجزائر من وراء ستار إلى حد الحكم عليه بالمؤبد أو الإعدام حسب المسنوب إليه.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...