الشرقاوي: المغرب يُغطي 80٪ لِبيت مال "القدس" ويُكرّس حضوره الممتد لـ800 سنة

 الشرقاوي: المغرب يُغطي 80٪ لِبيت مال "القدس" ويُكرّس حضوره الممتد لـ800 سنة
حوار - هشام الطرشي
السبت 19 أكتوبر 2019 - 12:00

تحرص وكالة بيت مال القدس، الذراع الميدانية للجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس، إلى الحفاظ على هوية مدينة القدس وطابعها الديني والثقافي والحضاري وحماية الحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدسة، وتعزيز صمود أهلها وذلك من خلال دعم وتمويل برامج ومشاريع في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والحفاظ على التراث الديني والحضاري.

ومنذ تأسيسها سنة 1998 كمؤسسة غير ربحية، أنجزت الوكالة مئات المشاريع بتكلفة إجمالية قاربت الـ600 مليون درهم، وزعت بين مجالات الإسكان والترميم وشراء العقارات، والتعليم والصحة والثقافة والشباب والرياضة والطفولة، وبرامج المساعدة الاجتماعية.

وللتقرب أكثر من عمل الوكالة، نستضيف في هذا الحوار الخاص مع "الصحيفة" الدكتور محمد سالم الشرقاوي المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف منذ شهر يونيو 2014، ليحدثنا عن طبيعة المشاريع التي تشتغل عليها الوكالة وأثرها على الحياة اليومية للمقدسيين، وصيغ التنسيق الإداري والمؤسساتي مع الشركاء الفلسطينيين ميدانيا، كما سيحدثنا عن آليات تمويل الوكالة والمركز الثقافي المغربي الذي سيفتتح أبوابه قريبا في قلب مدينة القدس.

- بداية، هل لك أن تقربنا، بالأرقام والمجالات، من العمل الميداني الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس؟

أشكركم على السؤال.. ومن خلالكم تعرب وكالة بيت مال القدس الشريف عن الامتنان والتقدير للملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، الذي يتتبع أعمالها ويُقدم لها، كل الدعم والمساندة.

وإذ تبقى مكارم الملك محمد السادس، مبعث فخر للوكالة، فإنها ستبقى كذلك مصدر تقدير من أهل القدس لمظاهر التضامن المبدئي والثابت الذي يحفظه المغاربة لأشقائهم الفلسطينيين. وفي هذا الباب يذكر إخواننا في القدس بكل خير الاستقبال الأخير الذي خصه لأبنائهم ولي العهد الأمير الحسن، يوم 26 غشت 2019، بأمر من الملك، تتويجا لفعاليات الدورة الثانية عشرة للمخيم الصيفي لفائدة أطفال القدس.

وجوابا عن سؤالكم، فإن الوكالة قدمت حصيلة عملها في وثيقة خاصة، ضمن تقرير مُهم عن عشرين عاما من رئاسة الملك محمد السادس، للجنة القدس. ذكرنا في هذه الوثيقة أن حصيلة منجزات الوكالة ما بين سنتي 2016 و2018، وهي الفترة التي تفصل بين دورتي القمة الإسلامية، قد بلغت استثمار ما يزيد عن 600 مليون درهم، موزعة ما بين برامج المساعدة الاجتماعية بما يقارب 45 مليون دهم، والبرامج المخصصة للطفولة والشباب بـحوالي 2,8 مليون درهم.

أما البرامج ذات العلاقة بمجال التعليم فقد رصدت لها الوكالة ما قدره 3,8 مليون درهم، بينما مجال حماية التراث الثقافي والعمراني، فقد خصصت له الوكالة خلال ذات الفترة أزيد من 7 ملايين درهم، فيما تم رصد ما مجموعه 600 ألف درهم للميدان الثقافي والمحافظة على الأرشيف الوطني الفلسطيني.

لتكون بذلك وكالة بيت مال القدس الشريف المؤسسة العربية والإسلامية الأكثر حضورا على المستوى الميداني، وذلك بفضل اعتماد نموذج في الحكامة مبني على الأهداف والنتائج، أضفى طابعا من الجدية والالتزام على عملها، وكرس الثقة في برامجها لدى الشركاء في القدس ولدى المؤسسات المانحة والممولة.

- من المشاريع التي تشرف عليها الوكالة في القدس وتهم المغاربة هو المركز الثقافي المغربي في قلب القدس. على ماذا يُراهن المغرب من خلال الاستثمار في المجال الثقافي؟

هذا عقار تاريخي مهم، يتربع في قلب البلدة القديمة للقدس في تقاطع شارع الآلام وطريق باب الغوانمة، على مساحة تزيد عن 1200 متر مربع، اقتنته الوكالة، بتمويل كامل من المملكة المغربية بقيمة 50 مليون درهم، ويجري الانتهاء من ترميمه بعد إضفاء الطابع المغربي عليه، ليصبح مركزا ثقافيا مغربيا، يعمل على إشعاع الثقافة المغربية، مُتعددة الروافد، ويفتح أبوابه للفعاليات العربية المقدسية لممارسة أنشطة الفكر والإبداع بكل أريحية.

وبهذا الاستثمار المهم، يكرس المغرب حضوره في القدس الذي يمتد لأكثر من 800 عاما، ويعزز صلاته بالمدينة وبأهلها المرابطين، من خلال الأنشطة والفعاليات التي سيحتضنها المركز، ضمن برمجة سنوية، تزاوج بين الترويج للثقافة المغربية الأصيلة، وترسيخ عناصر الهُوية العربية والإسلامية للقدس وحمايتها من خلال الاشتغال على الثقافة والتراث الفلسطيني المتعدد.

كما أن المملكة المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، ما لبثت تُعطي المثال على ما يجب أن يكون عليه التضامن الحقيقي مع الأشقاء في القدس، وفق الفلسفة الملكية التي تقوم على مزاوجة مسارات العمل على الواجهة السياسية والقانونية، وعلى الواجهة الميدانية بما يتطلبه ذلك من حكمة وتدبر وواقعية في التعاطي مع الإشكاليات المحيطة بالقضية الفلسطينية عموما، وبقضية القدس على وجه التحديد.

- ما هي المعايير التي ينبغي توفرها في الفئات المستفيدة الخدمات التي تقدمها الوكالة للمقدسيين، في ظل ما تعرفه البنية المجتمعية في القدس من تنوع في الانتماء لفصائل فلسطينية مختلفة، إضافة إلى وجود يهود مقيمين بنفس المجال الجغرافي الذي تتدخل فيه الوكالة؟

أولا الوكالة لا تنشغل بالأمور السياسية، فذاك مجال تضطلع به مؤسسات أخرى باقتدار. همُّنا الأساسي هو تنفيذ التعليمات الملكية بالاهتمام بواقع المدينة المقدسة وبالمعيش اليومي لسكانها وتأمين الدعم لمستحقيه منهم من خلال المشاريع التي تنجزها الوكالة في الحدود الجغرافية والإدارية للقدس، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المقدسية المُعترف بها، والتي تدلي لنا بالتراخيص التي تسمح لها بالعمل.

وقد وضعت الوكالة الآليات المسطرية والإدارية التي تنظم علاقتها بشركائها، من مرحلة تلقي طلبات تمويل المشاريع، إلى مرحلة اعتماد هذه الطلبات وبرمجة تمويلها بعد إنجاز الدراسات وطرح الصفقات واختيار أفضل العروض، وفق دفاتر التحملات التي تضعها الوكالة لكل مشروع على حدة، بعد توقيع العقود مع الجهات المستفيدة ومع الجهات المنفذة على حد سواء.

وتوافق لجنة مركزية على هذه المشاريع. وتضع الجدولة الزمنية للتمويل والانجاز في تطابق تام مع القوانين واللوائح المعمول بها. وما يميز عمل الوكالة عن غيرها هي أنها تعمل على صرف الأموال لمستحقيها مباشرة من دون وساطات، وهي بذلك تؤمن قدرا من الرقابة القبلية والبعدية على الانجاز.

كما تقوم بالفصل بين أموال التبرعات التي توجه كاملة للمشاريع من دون أن تُقتطع منها أية نسبة لأي غرض، وأموال تسيير شؤون الوكالة، التي تؤمنها المنحة السنوية التي تخصصها المملكة المغربية للمؤسسة بقيمة 10 ملايين درهم.

- في هذا السياق، كيف تنظمون العلاقة مع شركائكم المؤسساتيين، أو بتعبير أدق، ما هي حدود علاقاتكم على مستوى التنسيق الإداري والدبلوماسي مع السلطة الفلسطينية ومع غيرها؟

صادقت الأجهزة التقريرية للوكالة وهي لجنة الوصاية والمجلس الإداري المنعقدة على هامش أشغال الدورة العشرين للجنة القدس في شهر يناير 2014، على تقرير المدير العام الذي تضمن تعديلات على النظام الأساسي للوكالة همت على الخصوص توطين مقر اشتغال المدير العام المساعد للوكالة في مكتب التمثيل في رام الله.

وهو بذلك يمنح قيمة مؤسسية لدور مكتب التمثيل في رام الله لتدبير العلاقة والتنسيق عن قرب مع المؤسسات الشرعية الفلسطينية، مع سهولة التعامل اليومي ومتابعة تنفيذ المشاريع في القدس.

عدا ذلك لا يوجد للوكالة أي تعامل مع الجهات الأخرى التي تكون تلمح إليها في سؤالك. ولم يسبق لها أبدا أن تعاملت مع مؤسسات خارج نطاق قوانينها واهتماماتها التي تتوقف عند المساهمة في حماية المدينة المقدسة والحفاظ على موروثها الديني والحضاري، وعلى توازنها الديمغرافي، وتقديم العون لأهلها المرابطين، حسب ما يتوفر لديها من إمكانيات.

- على ذكر الإمكانيات المالية، من أين تُموِّل الوكالة كل برامجها ومشاريعها؟

تنص المادة (16) من الباب الثالث من النظام الأساسي للوكالة على أن موارد الوكالة تتحدد في المساهمات الطوعية للدول الأعضاء، والهبات والتبرعات المقدمة من الهيئات العامة والخاصة، ومن الجمعيات الخيرية والجماعات والجاليات العربية والإسلامية والصديقة، وكذلك من الشركات والأفراد والإيرادات والعوائد الناتجة عن أصول الوكالة وممتلكاتها ومشاريعها ومساهماتها ومنتجاتها.

ولما كانت صيغة المساهمات "الطوعية" لا تفي بالغرض الذي يمكن من تطوير موارد الوكالة، قد طلبت في اجتماعات مراكش في 2014 على نقل هذه الصيغة إلى صيغة أخرى أقرب إلى "الإلزامية"، فوافقت الدول الأعضاء على ذلك، إلا أن تفعيل هذا القرار يتطلب إجراءات ومتابعة. كما أن النظام الأساسي للوكالة يمنح لنا إمكانية تنظيم حملات لجمع التبرعات في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

اليوم، ومع مرور الوقت، يبقى حجم المساهمات دون الانتظارات ويحد من طموح الوكالة في الاستجابة للحاجيات المتزايدة لأهلنا في القدس. ولولا مُساهمة المملكة المغربية، التي تغطي قُرابة 80 في المائة من كلفة المشاريع لما تمكنت الوكالة من الاستمرار في النهوض بواجبها في دعم القدس والمقدسين.

ومع ذلك فإننا لا نقطع الأمل في إخواننا، الذين يبذلون جهودا مُقدرة، كل حسب أولوياته واختياراته، في مساعدة المقدسيين على تحمل آثار الاحتلال وإكراهاته. مع قناعتنا الثابتة بأن الوكالة تبقى الأداة المثلى التي يتعين توظيفها لتنسيق الدعم العربي والإسلامي الموجه للقدس. كيف لا وقد توافقت إرادة الأمة الإسلامية من خلال قياداتها على إنشاء هذه المؤسسة لتضطلع بدورها في حماية المدينة والحفاظ عليها؟

- بكل موضوعية، هل تلمسون أثرا لكل البرامج والمشاريع التي تنجزونها في القدس على حياة سكانها، خصوصا وأنكم تدبرونها بإشراف ملكي مباشر؟

بكل تأكيد، فإشراف الملك على عمل الوكالة يمنحها شخصية معنوية كبيرة، ويعزز ثقة الشركاء فيها، وباتت في السنوات الأخيرة تتبوأ مكانة الصدارة في القدس، كمؤسسة حاضرة وذات مصداقية، وذلك بحسب شهادات أهل القدس ومؤسساتهم.

ويكفي أن أسوق لكم بعض الأمثلة التي تجسد هذه المكانة، من بينها البعثة السنوية لـ 50 طفلا وطفلة من القدس التي تستفيد من دورات المخيم الصيفي، فهذا البرنامج الذي يرعاه الملك محمد السادس له أثر لو تعلمون عظيم !، نضيف إليه تكفل الوكالة بعدد من الطلاب المقدسيين لمتابعة دراستهم العليا في المغرب في تخصصات مختلفة منها الهندسة والطب والقانون.

فضلا عن برامج المساعدة الاجتماعية كرعاية الأيتام والمسنين ومشروع "العيش الكريم"، الذي توزع بمقتضاه الوكالة 20 ألف رغيف خبز يوميا في القدس، ويخلق لوحده دورة اقتصادية في القدس لا تقل عن مليون درهم شهريا، عدا البرامج والمشاريع الأخرى في قطاعات الصحة والتعليم والثقافة والشباب والرياضة وبرامج دعم ومواكبة الطفولة وتمكين المرأة المقدسية من تطوير مهاراتها من خلال دعم عمل الجمعيات النسائية في القدس وتمكينها من منح سنوية تساعدها على القيام بعملها في أحسن الظروف.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...