بدر اعليلوش
الثلاثاء 4 نونبر 2025 - 14:06

الطفل غير المسؤول جنائيًا بين الفراغ التشريعي والمؤسساتي.. قراءة قانونية في واقعة طنجة

أعادت حادثة مدينة طنجة، التي اهتزّ لها الرأي العام الوطني إثر وفاة رضيعة داخل حضانة على يد طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، إلى الواجهة إشكالية قانونية وإنسانية دقيقة تتعلق بوضعية الطفل غير المميز الذي يرتكب أفعالًا تمسّ السلامة الجسدية أو تؤدي إلى الوفاة.

فوفقًا للفصل 138 من القانون الجنائي المغربي، يُعتبر الطفل الذي لم يبلغ اثنتي عشرة سنة غير مسؤول جنائيًا، ولا يمكن متابعته أو مؤاخذته قضائيًا.

ورغم أن هذا المقتضى يكرّس مبدأ حماية الطفولة، واتساقا للتشريع الوطني مع اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة، إلا أنه في المقابل يُفرز فراغًا تشريعيًا ومؤسساتيًا حين تكون الأفعال المرتكبة ذات خطورة بالغة، كما في الحالة المذكورة.

وتبرز هنا إشكالية جوهرية: كيف يمكن التوفيق بين المصلحة الفضلى للطفل التي تحظر معاقبته، وبين حماية النظام العام وحقوق الضحايا حين يتسبب طفل غير مميز في فعل جسيم؟

أولا: الفراغ التشريعي – حدود مبدأ انعدام المسؤولية الجنائية

يُحدد التشريع المغربي سنّ المسؤولية الجنائية في اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة، حيث يعتبر الطفل دون هذا السن عديم التمييز، ولا يُسأل جنائيًا عن الأفعال التي يرتكبها.

غير أن هذا المقتضى، وإن كان يهدف إلى حماية الطفولة المبكرة، لا يوازيه نظام قانوني بديل لمعالجة الحالات التي تنطوي على خطورة إجرامية واضحة.

ففي الممارسة، يكتفى غالبًا بتسليم الطفل إلى ولي أمره، دون إخضاعه لأي مسار تأهيلي أو تقييم نفسي أو تربوي، مما يجعل التدخل القضائي شبه منعدم في مرحلة حساسة تتطلب مقاربة علاجية ووقائية.

إن غياب تدابير وقائية أو تربوية إلزامية بالنسبة للأطفال دون 12 سنة يفرغ مبدأ حماية الطفولة من محتواه العملي، ويخلق تباينًا واضحًا بين القاعدة القانونية والواقع الاجتماعي.

وفي مقابل ذلك، تعتمد بعض التشريعات المقارنة (كالتشريع الفرنسي أو الكندي) نظامًا خاصًا يسمح لقاضي الأحداث بفرض تدابير مراقبة أو علاج أو إدماج داخل مؤسسات متخصصة، دون المساس بالطابع غير العقابي للتدخل.

أما في المغرب، فإن غياب هذا الإطار يجعل قاضي الأحداث مقيدًا بحدود النص، غير قادر على اتخاذ أي إجراء فعال سوى التنبيه أو التسليم للأولياء.

ثانيا : الفراغ المؤسساتي – غياب بنية استقبال وتأهيل مخصصة للأطفال دون سن المسؤولية

يُعدّ الفراغ المؤسساتي أحد أبرز مظاهر الاختلال في المنظومة الوطنية لحماية الطفولة، خاصة حين يتعلق الأمر بالأطفال الذين لم يبلغوا الثانية عشرة من العمر، والذين يُعتبرون، بمقتضى الفصل 138 من القانون الجنائي، غير مسؤولين جنائيًا. فبينما يكرّس هذا المقتضى مبدأ الحماية القانونية للطفل غير المميز، يظل غياب مؤسسات استقبال ومواكبة متخصصة لهذه الفئة عائقًا حقيقيًا أمام أي معالجة تربوية أو نفسية فعّالة.

وتتجسد الإشكالية في عدم وجود مراكز وطنية مخصصة لإيواء وتأهيل الأطفال غير المسؤولين جنائيًا. فمراكز حماية الطفولة، التابعة لوزارة الشباب، تُعنى فقط بالأحداث الجانحين الخاضعين لتدابير قضائية، أي من بلغت أعمارهم بين 12 و18 سنة، طبقًا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية.

وبالتالي، يبقى الأطفال دون الثانية عشرة خارج أي مسار مؤسساتي للتأهيل أو الحماية، حتى في الحالات التي يُثبت فيها الخبراء أو النيابة العامة وجود خطورة سلوكية أو اجتماعية.

وقد نبّه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تقاريره الدورية وخاصة تقريره السنوي حول حالة حقوق الإنسان بالمغرب، إلى محدودية العرض المؤسساتي الخاص بالأطفال دون سن المسؤولية الجنائية، مبرزًا أن أغلب مؤسسات حماية الطفولة، التابعة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، تستقبل أساسًا القاصرين الذين صدرت في حقهم تدابير قضائية بعد ثبوت ارتكابهم لأفعال جرمية. وهو ما يجعل هذه المراكز غير مهيأة قانونًا ولا عمليًا لاستقبال الأطفال الذين يُرتكب من طرفهم فعل خطير دون أن يكونوا مسؤولين جنائيًا عنه.

إن هذا الفراغ المؤسساتي لا يهدد فقط الأمن الاجتماعي، بل يحرم الطفل نفسه من حقه في المواكبة النفسية والتربوية، ويترك الأسرة دون دعم أو توجيه مؤطر قانونيًا.

وقد حذّر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في وقت سابق من أن استمرار هذا الوضع يُضعف الثقة في العدالة الخاصة بالأحداث، ويمسّ بواجب الدولة في ضمان المصلحة الفضلى للطفل وفق ما تنص عليه اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، التي صادق عليها المغرب، والتي تُلزم الدول الأطراف بإحداث آليات لحماية الأطفال من الانحراف وإعادة إدماجهم داخل المجتمع. ومن ثَمّ، فإن إرساء مراكز استقبال ومواكبة متخصصة لهذه الفئة، يخضع إشرافها لتنسيق مؤسساتي بين القضاء والسلطات الاجتماعية، بات ضرورة تشريعية وعملية مُلحّة لتصحيح هذا القصور البنيوي في المنظومة الوطنية لحماية الطفولة.

هذا، وتكشف واقعة طنجة عن قصور ملموس في المنظومة القانونية والمؤسساتية المغربية في التعاطي مع الأطفال دون سن المسؤولية الجنائية. فغياب أي تدخل مؤسساتي منظم لا ينبغي أن يُفسّر على أنه حماية كاملة، بل يستدعي إرساء نظام خاص للتدابير الوقائية والتربوية، يشمل إشراف قاضي الأحداث وتنسيقًا بين القطاعات المعنية (العدل، الصحة، الشباب، التضامن)، ترسيخا للعدالة التربوية الوقائية، التي تتعامل مع الطفل الجانح كحالة تحتاج إلى تأهيل ومواكبة، لا كفاعل جريمة يُعاقب، بما يعزز حماية المجتمع والطفولة في الوقت ذاته.

الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...