العثماني.. نفـسيٌّ في جُبَّة سياسي، هجر العيادة بحثا عن كرسي "الرِّئاسـة"

 العثماني.. نفـسيٌّ في جُبَّة سياسي، هجر العيادة بحثا عن كرسي "الرِّئاسـة"
الصحيفة - هشام الطرشي
الثلاثاء 8 أكتوبر 2019 - 12:00

إذا كان الصمت من مميزات شخصية الدكتور النفسي سعد الدين العثماني، واكتفاؤه خلال كل عملية تواصلية بما تجود به فضفضة محاوريه سواء في عيادته الخاصة أو في تدبير الحكومة، فقد اقترنت صورة العثمان رجل السياسة في مخيال غالبية المغاربة، بمختلف طبقاتهم الفكرية والاجتماعية، بذلك الطبيب النفسي قليل الكلام حد الندرة الذي رمت به الأقدار في ساحة السياسة، وهو ما ألحق به في أوقات عديدة سخرية فئات واسعة من المواطنين وخصوصا رواد مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في تفاعلهم مع طبيعة ومضمون ما يصرح به في لقاءات حزبية وتصريحات إعلامية أو ما ينشره على حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وهو الانطباع الذي لم يخفه حتى حلفاء العثماني في الحكومة التي يرأسها، ذلك أن زعماء الأغلبية التي يقودها العثماني، كثيرا ما تذمروا واشتكوا من قلة تواصل رئيسهم في الحكومة وشح المعلومات التي يقدمها لهم كلما تطلب الأمر جرعة تواصلية زائدة.

وما بين سعد الدين النفسي والعثماني السياسي، قصة واحد من أبناء سوس العالمة، ساقته الأقدار للاستقرار بالعاصمة الإدارية للمملكة مهنيا وسياسيا وأسريا أيضا. كما أنه رجل عُرِف بين مقربيه بالعلم اطلاعا وبحثا وتدوينا، كما عُرف بين إخوانه بالضبط التنظيمي والبعد التنظيري منذ انخراطه في الشبيبة السلامية وإلى غاية جلوسه على كرسي الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.

النشأة والمسار..

بجهة سوس وبالضبط بمدينة انزگان ولد سعد الدين العثماني ذات يناير من سنة 1956، وسط أسرة عرف عنها اهتمامها بالعلم والمعرفة.

أنهى العثماني دراستة في التعليم الأولي والثانوي بمدينة انزكان حيث حصل على البكالوريا علوم تجريبية سنة 1976، لينتقل إلى كلية الشريعة الإسلامية بآيت ملول التي قطف منها الاجازة في الشريعة الإسلامية سنة 1983، ثم كلية الطب والصيدلة بمدينة الدار البيضاء التي منحته سنة 1986 الدكتوراه في الطب العام، وبالموازاة مع ذلك كان يتابع دراسته بدار الحديث الحسنية التي حصل منها على شهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله سنة 1987.

ليلتحق بعد ذلك بالمركز الجامعي للطب النفسي بالدار البيضاء، الذي حصل منه على دبلوم التخصص النفسي عام 1994، ومنه إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث كان على موعد سنة 1999 مع دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية.

صـمـت طيلة المسـار السيـاسي

يعتبر سعد الدين العثماني أحد "إخوان" بنكيران الذين هجروا الشبيبة الإسلامية، التي كان يقودها عبد الكريم مطيع في اتجاه حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي كان يقوده طبيب الراحل الحسن الثاني الدكتور عبد الكريم الخطيب، وهو الانتقال الذي حرص العثماني وإخوانه على تأمينه من خلال تأسيس حركة "التوحيد والإصلاح" أواسط سبعينيات القرن الماضي.

ولأنه بشخصية هادئة ميّالة لقلّـة الكلام طيلة الوقت ما لم يجد بدا من التعبير عن فكرة أو التصريح بموقف بما قل ودل من عبارات وجمل، ونظرا للغياب التام لأية انفعالات في حديثه مع مخاطبيه، وجد العثماني نفسه، كأي طبيب نفسي شاطر، أكثر في الاهتمام بالجوانب التنظيمية والإدارية ذات الارتباط بالتقارير والقرارات المؤسسة على الملاحظة والتشخيص والتوجيه، سواء خلال عضويته للشبيبة الإسلامية أو حركة التوحيد والإصلاح أو أثناء فترة تقلده منصب المدير المركزي لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.

الإخـوة الاعـداء..

في مقابل هذا الاهتمام المتنامي بالشق التنظيمي والتنظيري، كان عبد الإله بنكيران يبني قلاع مجده السياسي، يطوف على الأتباع ويزرع أفكاره بخطابه التواصلي البسيط والشعبوي المتشبع بالحمولة الإسلامية التي تعتبر "ضـامة الـبـنَّـة" في خطاباته التعبوية.

ويوما بعد يوم تقوى العثماني داخل التنظيم، وسطع نجم بنكيران وانتشر اسمه وأسلوب خطابه أكثر وأكثر وسط القواعد والاتباع، والنتيجة احتدام صراع خفي بين الرجلين حول لمن ستؤول الأحقية لقيادة الحزب الذي تم بناؤه على أنقاض حزب الدكتور الخطيب.

منذ 1996 وهي سنة التحاق عدد من أطر حركة التوحيد والإصلاح بحزب الحركة الشعبية الدستورية، حيث تم تجديد الثقة في الخطيب أمينا عاما للحزب وسعد الدين العثماني نائبا أولا له، بدأت عملية التنافس على قيادة الحزب بين رجلين اثنين لا ثالث لهما.

وفي سنة 2004 تم انتخاب سعد الدين العثماني أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، وهو الاختيار الذي يرى فيه عدد من المتتبعين للحركات الإسلامية المغربية، أنه يندرج في إطار البراغماتية السياسية التي اكتسبها إخوان عبد الكريم مطيع، خصوصا وأن المؤتمر نُظِّم سنة واحدة بعد تفجيرات 16 ماي الإرهابية، وبالتالي، رأى صقور الحزب آنذاك، أنه من الضروري تقديم الحزب لأمين عام هادئ وغير مندفع في تصريحاته، لامتصاص غضب الدولة والجرعة الزائدة في قراراتها ذات الخلفية الأمنية.

أما سنة 2008 فقد تم اختيار عبد الإله بنكيران بدل العثماني خصوصا بعد النتائج الانتخابية التي راكمها الحزب، والتي كان لخطاب بنكيران وطريقته في التواصل والتعبئة دور كبير في تحقيقها، مُعَمِّراً بذلك في كرسي الأمانة العامة إلى غاية دجنبر من سنة 2017 موعد عودة العثماني لمنصب الأمين العام، وحرصه المباشر على "نفي" عبد الإله بنكيران، غريمه الحزبي، من كل واجهات العمل التنظيمي من داخل الحزب أو تنظيماته ومؤسساته الموازية، فلم يخصص له كرسيا في الأمانة العامة ولا عضوية في أي من أجهزة الحزب التقريرية.

وهو التنافس الذي تجاوز أسوار المقر المركزي لـ"المصباح" بحي الليمون لينتقل إلى كرسي رئاسة الحكومة بالمشور السعيد، فبعدما كان بنكيران يُمنِّي النفس بولاية حكومية ثانية يكون فيها رئيسا عليها، نزل عليه بلاغ الاعفاء الملكي كالصاعقة، أما التكليف الملكي الذي أُعلِن عنه يوم الجمعة 17 مارس 2017 لسعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة، فقد وصفه عدد من مقربي بنكيران برصاصة الرحمة التي أطلقت على "البلدوز السياسي".

سعيد الكحل، الأستاذ المختص في الحركات الإسلامية المغربية له رأي آخر في الصراع بين القياديين الإسلاميين، حيث أكد في تصريح لـ"الصحيفة" أن طبيعة العلاقة بين أعضاء حزب العدالة والتنمية "ليست مجرد علاقة تنظيمية، بل هي علاقة دينية بالأساس، وهذا الذي يجعل الخلاف بين أعضاء الحزب لا يأخذ شكل صراع يهدد تماسك الحزب ووحدته".

مشيرا إلى أن طبيعة بنية وتكوين الحزب تجعله مختلفا "عن باقي الأحزاب السياسية، فهو كباقي التنظيمات الدينية يقوم على روابط دينية/عقائدية أكثر منها روابط تنظيمية صرفة، تحددها بطاقة العضوية وأداء الانخراط الشهري أو السنوي".

مشددا على أن الروابط التي تجمع أعضاء الحزب "تتأسس على عقائد دينية منها: العهد والالتزام، الطاعة والامتثال والأمانة...، كل هذه الروابط يجمعها الاعتقاد أن الأعضاء يخوضون "جهادا" بمفهومه الديني وهم أصحاب "رسالة" لهذا يسمون أنفسهم "رساليين"، أي يواصلون نشر وتحمل أعباء نشر رسالة الإسلام وأسلمة المجتمع والدولة والسعي إلى إقامة دول الخلافة وتطبيق الشريعة".

الكحل يعتبر أن "تصور البيجيديين للعمل السياسي لا يقتصر على إدارة شؤون الدولة بل يتجاوزه إلى إلغاء القوانين التي يرونها تتعارض مع الشريعة وإقرار قوانين مستمدة من الشريعة، لهذا تجدهم يطالبون باستمرار بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأسمى للتشريع".

ليخلص في ختام تصريحه إلى أنه "لا يمكن أن يتطور الخلاف بين بنكيران والعثماني إلى صراع حقيقي يقسم الحزب أو يضعفه، فالخلاف يبقى ضمن ضوابط محددة بما يحافظ على تماسك الحزب ووحدته بخلاف ما يحدث في باقي الأحزاب".

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...