المعتمد بن عباد.. عاش البذخ فأضاع إشبيلية ومَات أسيرا في "أغمات" بمراكش

 المعتمد بن عباد.. عاش البذخ فأضاع إشبيلية ومَات أسيرا في "أغمات" بمراكش
الصحيفة - محمد الصالح
السبت 11 ماي 2019 - 14:14

المطلع على التاريخ الإسلامي الزاخر بالأحداث والشخصيات العظيمة، يعرف جيدا حقبة الخلافة الإسلامية في الأندلس، وما شهدته من تغييرات وأحداث وتداول على الحكم، وصولا إلى فوضى وانقسام.

وخلالها ظهرت أيقونات وأسماء خلدها التاريخ بصفاتها السلبية والإيجابية. من هؤلاء المعتمد بن عباد، آخر ملوك بني عباد في الأندلس، الذي وصل إلى قمّة الحكم في أزهى سنوات حياته، وانتهى به الأمر أسيرا منفيا، ومات عن عمر يناهز الـ55 عاما، بين هذا وذاك، يبقى المعتمد بن عباد من أشهر الشخصيات الإسلامية التي خلدها التاريخ دون أي شك.

المعتمد ملكا لـ إشبيلية في عهد "ملوك الطوائف" 

سنة 422 هجري، تم الإعلان عن نهاية الحكم الأموي في الأندلس، وبدأت حقبة جديدة سميت بعهد "ملوك الطوائف". ولكي نوضح أكثر، هم الأمراء الذين أعلنوا استقلالهم السياسي عن قرطبة بعد سقوط الخلافة الأموية، من بينهم القاضي إسماعيل بن عباد، الرجل الموثوق الذي أعاد الهدوء إلى الأندلس بحنكته وخبرته، ويصفه المؤرخون في تلك الحقبة بأنه منح كل شيء في حياته وماله ووقته للحفاظ على تماسك إشبيلية.

وكانت تلك بداية حكم آل عباد في إشبيلية، وجاء الدور على الابن المعتضد أبي عمرو عبّاد بن محمد بن إسماعيل، الذي تمكن من توسيع رقعة مملكة إشبيلية غربا لتضم مدن لِبلة ولبة وجزيرة شريطش وغيرها، وفي الجنوب خاض صراعا مع البربر ملوك جنوب الأندلس فانتزع منهم قرمونة ورُندة وأركش وغيرها، وعاش المعتمد حياة الحرب والسياسة على هذا المنوال في الصراع مع خصومه ملوك الطوائف الآخرين. 

وبحلول سنة 461 هـ / 1069 مـ، توفي المعتضد بن عباد، وأتى الدور على شخصيتنا الرئيسية في هذه الحلقة، نجله المعتمد بن عباد، الذي حكم إشبيلية يوم وفاة والده، بعدما أصبحت من أقوى وأكثر إمارات الطوائف قوة وأهمية، هذه المسؤولية كانت ثقيلة جدا على الفتى صاحب الثلاثين ربيعا.

قائد من نوع آخر !

سار المعتمد بن عباد على درب أبيه، وخاض سلسلة طويلة من الحروب والأحداث، وكان عهده حاسما في تاريخ دول الطوائف، وفي تاريخ الأندلس، ولكنه لم يشتهر في ميدان الحرب والسياسة، قدر ما اشتهر في ميدان الأدب والشعر، والفروسية، والجود، ومهما كانت وجوه الضعف الشخصية التي كان ينطوي عليها، من عكوف على الشراب، وانغماس في مجالي اللهو والترف، هذا الأمر نتج عنه أخطاء سياسية فادحة ترتبت عليها محنة الأندلس لاحقا، وبوصولنا إلى هذه النقطة، يمكننا القول إن المعتمد بدأ فترة خلافته، ولكن انحرف نحو الطريق الخاطئ، الذي وضع إشبيلية والأندلس على المحك.

مع تسلسل الأحداث، كانت مملكة المعتمد قد اتسعت لتشمل إشبيلية وقرطبة، وامتدت لقاعدة الخلافة القديمة نحو الجزيرة الخضراء ومرسية، وكان يشتهر بقوته وسمو أدبه وعلو ثقافته وما أوتي من الكرم والأريحية والشجاعة لا يخلو من العيوب التي كانت فاشية في عصره، ولكن الوجه الثاني له كان الاسراف والبذخ والتمادي في الرفاهية، وانفاقه على شعرائه وتماديه في طلب المتعة، كل هذا كان له وقع سيئ على رعيته.

غرق المعتمد في الإسراف واللهو، أنفق الذهب والياقوت على شعرائه والمادحين له، ولم يكن متذوقا للشعر وسماعا له فقط، بل كان هو نفسه ذا شعر صادح، تنوعت موضوعاته بين الفخر والغزل والرثاء والتهكم وحتى عهد المحنة والأسر قال شعرا يقطر مرارة وألما، وأغرق زوجاته وجواريه بالغزل وأصبحت الهوة بينه وبين رعيته واسعة، وانتشرت الأقاويل والاشاعات.

المعتمد يقع في فخ الخيانة  

قبل المرور للمرحلة القادمة في حياة المعتمد، يجب الوقوف على أجواء السياسة في عهد ملوك الطوائف، باختصار كانت "لعبة قذرة"، يتحالف أمراء ضد بعضهم مع الملوك الصليبيين في قشتالة لمصالحهم الشخصية، وهنا كانت الطامة الكبرى، والمنعرج في تاريخ الأندلس، ومسيرة المعتمد بن عباد، الذي رضخ لملك قشتالة ألفونسو السادس، واختيار الحفاظ على مملكته على حساب سقوط طيطلة، كان ذلك في 478 هـ/1081م، وعقد المعتمد عقد صلح "مهين" مع ألفونسو السادس، الذي اجتاح أغلب ممالك الطوائف.

فقام المعتمد بن عباد بخيانة جيرانه ملوك الطوائف، بعدما اتفق على أن يستفيد من جند ألفونسو المرتزقة ليقوم بتقوية خطوطه ضد جيرانه المسلمين، في المقابل يتعهد المعتمد بمنح جزية كبيرة للملك الصليبي، وتركه حرا طليقا في غزوه لمملكة طيطلة، وتحتفظ الكتب والمخطوطات التاريخية برسالة المعتمد التي ندم فيها على نصرة ألفونسو على حساب إخوانه المسلمين.

خلاصة هذه الحادثة، أنه ولأول مرة في تاريخ الأندلس الإسلامية، ومنذ الفتح الإسلامي، تعبر الجيوش الصليبية إلى نهر التاجة لتستولي على المدن والحصون الإسلامية دون مقاومة تُذكر، والسبب الرئيسي هو المعتمد بن عباد.

تصحيح الخطأ واللجوء إلى المرابطين 

رغم صفاته وعلو مقامه وقيمته الكبيرة، إلا أن المعتمد وقع في الخطأ، وحاول تدارك الأمور وإنقاذ الأندلس من غزو الصليبيين، واجتمع ملوك الطوائف أخيرا بطلب من المعتمد بن عباد، الذي وحدهم وطالبتهم بوضع الخلافات خلفهم، وهناك اقترح اللجوء إلى المرابطين الذين كانوا قوة كبيرة في الطرف الأخر من البحر المتوسط، بقيادة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، الذي لم يتوان في تلبية النداء ونصرة ملوك الطوائف لقمع ألفونسو وتحالفه الثلاثي.

جمع المعتمد بن عباد ملوك الطوائف، واستقبل جيوش المرابطين بقيادة بن تاشفين، واتحدت قوات المسلمين في معركة الزلاقة الشهيرة سنة 479 هـ، وتكبد ألفونسو وحلفائه الصليبيين خسارة فادحة، وكتب النصر للمسلمين.

إلى هنا، يمكن تلخيص حياة المعتمد بالله، أن مرت على مراحل القوة والضعف، القيادة والتساهل، الاسراف والبذخ، الشعر والتغزل، ثم الوقوع في فخ الخيانة، وتدارك الوضع وتصحيحه، والتغلب على جيوش الصليبيين وإعادة التحالف الإسلامي إلى الأندلس، ولكنها ليست النهاية التي كان يريدها المعتمد بن عباد.

"ليس في كل مرة تسلم الجرة"...المعتمد بن عباد أسيرا !!

لننتقل إلى مرحلة جديدة، بعد هزيمة ألفونسو في الزلاقة، وعودة المراطبين إلى ديارهم، لم يهدأ أمراء الطوائف، وعادوا للوقوع في نفس الأخطاء، وعلى رأسهم المعتمد بن عباد، وأيضا أمير غرناطة عبد الله بن بلقين، حيث عقدوا مع ملك قشتالة اتفاقات سرية تقضي بالامتناع عن معاونة المرابطين بالمال والمؤن، والانضواء تحت حماية ألفونسو.

في الجهة الأخرى من البحر المتوسط، حصل يوسف بن تاشفين على الأدلة المؤكدة لخيانة المعتمد له، وفي 483 هـ، عاد للقضاء على ملوك الطوائف، وضم الأندلس إلى دولة المرابطين، فسقطت غرناطة وإشبيلية والجزيرة الخضراء وبقية المدن الأندلسية في يد بن تاشفين، وتمكن من أسر عدد من الأمراء وعلى رأسهم المعتمد بن عباد، ثم قام بنفيه إلى مدينة أغمات بالقرب من مراكش في المغرب الأقصى.

في نهاية حياته، عاش المعتمد بن عباد في منفاه حياة زاهد، يكتب شعرا ويسلي نفسه بالصبر والندم، وقد قال هذه الأبيات متحسرا على ماضيه الحافل بالهفوات :

اقنعْ بحظّك في دُنياكَ مَا كانا *** وعِزَّ نفسك إن فَارقَتَ أوطانا

في الله مِن كُلّ مفقودٍ مَضى عِوضٌ *** فأشعِرِ القلبَ سُلواناً وإيمانا

أكلّما سَنَحَت ذِكْرَى طَرِبتَ لها *** مجَّت دمُوعُك في خدّيك طُوفانا

أما سمعتَ بسلطانٍ شبيهك قد *** بـزَّته سود خطوب الدهر سلطانا

وطِّنْ على الكُرْهِ وارْقُب إثره فرجاً *** واستغفِرِ الله تغْنَم مِنه غُفرانا

توفي المعتمد بن عباد، سنة 488 هـ / 1095م، وظلت سيرته زاخرة بالعبر والتجارب، ولا يزال قبره إلى يومنا هذا في بمنطقة "أغمات" نواحي مراكش، بالمملكة المغربية، وعند زياته العبرة والعظة لحياة ملك أديب وشاعر، خسر كل شيء في رمشة عين، وغرق في هفواته، وأنهى حياته أسيرا لا حول له ولا قوة، وتعلمنا من سيرة بن عباد أن الخيانة والتلاعب بالحبال والتفكير في المصلحة الشخصية، مآله الدائم الهزيمة النكراء، والنهاية المأساوية.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...