المغرب وإفريقيا.. هكذا عبّدت المنافع الاقتصادية الطريق أمام الرباط لحصد المكاسب الدبلوماسية

 المغرب وإفريقيا.. هكذا عبّدت المنافع الاقتصادية الطريق أمام الرباط لحصد المكاسب الدبلوماسية
الصحيفة – حمزة المتيوي
الثلاثاء 2 فبراير 2021 - 9:00

مَثل الاتصال الهاتفي الذي جمع الملك محمد السادس بالرئيس النيجيري محمدو بخاري أول أمس الأحد، النموذج الأوضح على المسار السياسي والاقتصادي المزدوج الذي ينهجه المغرب في القارة الإفريقية، والذي ينبني على لغة المصالح المشتركة المدرة للأرباح على جميع الأطراف بعيدا عن لغة الأيديولوجيا أو خُطَب "الأخوة والصداقة" ذات الصبغة العاطفية، فالأمر يتعلق بتنزيل عملي لمشاريع كبيرة كانت بالنسبة للرباط وأبوجا نقط التقاء تستحق الاهتمام.

وكانت الأسطر القليلة لبلاغ الديوان الملكي كافية أيضا لتفسير سر التفوق الدبلوماسي الملحوظ للمغرب على الجزائر داخل القارة السمراء في السنوات الأخيرة، ففي الوقت الذي يقوم فيه وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقدوم، بجولات مكوكية لحصد دعم لم يعد سهلا لصالح جبهة "البوليساريو" الانفصالية، تقرِّب المملكة إليها مرة أخرى دولة ذات ثقل كبير اسمها نيجيريا، كانت تمثل إلى وقت قريب ضلعا ثالثا في المثلث الجزائري الجنوب إفريقي المعادي للمغرب، قبل أن تقتنع أن مصالحها توجد مع الطرف الآخر الذي لم تعد هناك جدوى لخصومته مجانا.

مصالح متبادلة

وركز بلاغ الديوان الملكي على 3 نقط تمثل مصالح مشتركة للبلدين، فالملك والرئيس النيجيري أعربا عن "عزمهما المشترك على مواصلة المشاريع الاستراتيجية بين البلدين وإنجازها في أقرب الآجال، ولا سيما خط الغاز نيجيريا - المغرب وإحداث مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا"، ثم شكر الرئيس بخاري العاهل المغربي "على دعم المملكة التضامني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، لا سيما من خلال تكوين الأئمة النيجيريين بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات".

وتبرز لغة المصالح المشتركة من خلال التطرق لدور المغرب في مواجهة الجماعات المتطرفة التي تستهدف نيجيريا، وعلى رأسها جماعة "بوكو حرام" الموالية لتنظيم "داعش"، ما يمثل أيضا تهديدا للمحيط الجغرافي للمملكة والمتمثل في منطقة غرب إفريقيا التي يعد المغرب أول مستثمر أجنبي في بلدانها، الشيء الذي يفسر انخراطه في عملية مواجهة الأفكار المتطرفة عبر تكوين أئمة نيجيريا، إذ تشير إحصاءات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 2016 إلى أن 5 في المائة من طلبة معهد محمد السادس قادمون من هذا البلد.

وإلى جانب التعاون الأمني، يركز المغرب ونيجيريا على الشراكة الاقتصادية، وهو ما يتضح من خلال الإعلان عن مصنع لإنتاج الأسمدة، ويتعلق الأمر بالتفعيل العملي لإعلان رئيس المجمع الشريف للفوسفاط بنيجيريا، محمد حتيتي، في نونبر من سنة 2019، عن إنشاء مصنع للأمونياك بقيمة مليار و300 مليون دولار تبلغ طاقته الإنتاجية السنوية مليون طن من الأسمدة و750 ألف طن من الأمونيا، ما سيمكن نيجيريا من الاقتراب من تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.

خط الغاز.. الصفقة الكبرى

لكن "الصفقة الكبرى" بين المغرب ونيجيريا، والتي تطرق إليها بلاغ الديوان الملكي، هي خط الغاز المغربي النيجيري الذي كان شكل مصدر إزعاج صريح للجزائر التي سافر وزير خارجيتها إلى أبوجا أواخر نونبر الماضي في محاولة لإحياء مشروع مماثل كان قد جرى الاتفاق عليه مع نيجيريا منذ 2009، في حلقة كانت الأخيرة ضمن مسلسل محاولة الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين على الصعيد الطاقي لما لها من تأثير على مواقفهما السياسية المشتركة تاريخيا داخل القارة السمراء، قبل أن تُطلق رصاصة الرحمة على هذا الطموح في دجنبر الماضي.

وكانت لجنة الطاقة والمعادن في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي اجتمعت بواغادوغو في بوركينافاسو، قد وافقت على الدراسات المتعلقة بربط مشروع أنبوب الغاز لدول غرب إفريقيا بالأنبوب المغربي النيجيري، ما يمثل إجراء عمليا لربط 15 دولة إفريقيا بشبكة تصدير الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي جاء بعد توقيع اتفاقية المشروع في 10 يونيو 2018 أمام أنظار العاهل المغربي والرئيس النيجيري بالرباط، ما يعني أن ما حققه هذا المشروع خلال سنتين ونصف من تقدم على أرض الواقع عجز عنه المقترح الجزائري طيلة 12 عاما.

وتفسر هذه المعركة الاقتصادية الكثير من أسباب الخيبة الدبلوماسية الجزائرية بخصوص انتزاع موقف نيجيري سلبي تجاه المغرب، رغم اتصالاتها المتكررة مع حكومة أبوجا وتحديدا عقب التدخل المغربي الميداني في "الكركارات" لإعادة فتح المعبر الحدودي الرابط بين المملكة وموريتانيا، وهو ما مثل حرجا ملموسا لبوقدوم عندما التقى بنظيره جيفري أونياما بعدما استبقت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية زيارته بالتأكيد على التطرق لملف الصحراء، وهو ما خلا منه التصريح الرسمي للوزير النيجيري، الذي كان يعلم سلفا بأن بلاده سائرة في بناء مصالحها المستقبلية مع الرباط.

تأثير شامل

لكن مشروع الغاز المغربي النيجيري لا يتوقف تأثيره السياسي والاقتصادي على نيجيريا فقط، فالأمر يتعلق بمشروع عملاق بقيمة 25 مليار دولار سيسمح بنقل 40 مليار متر مكعب سنويا من الغاز عبر مسافة إجمالية تصل إلى 5660 كيلومتر مربع من الأنابيب التي تمر على 14 دولة هي نيجيريا والبنين والطوغو وغانا والكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وغامبيا والسينغال وموريتانيا بوركينافاسو ومالي، قبل أن يصل إلى المغرب عبر الأقاليم الصحراوية ويتجه رأسها منه إلى أوروبا.

ويدل إصرار دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على تبني هذا المشروع، على قيمته الاقتصادية الكبيرة، فالأمر يتعلق بتوفير الأمن الطاقي لدول المنطقة بكاملها عبر خط مؤمن بعيدا عن تهديدات الجماعات المسلحة، وهو ما يمثل ربحا كبيرا لهذه الدول من خلال شراكتها مع المغرب، والتي كان من الطبيعي أن تبرز تأثيراتها على المستوى السياسي من خلال الإعلان الصريح لغالبيتها عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء وفتح قنصليات هناك، وهو الأمر الذي يبدو منطقيا كون أن هذه المنطقة ستمثل جزءا من خط سير الأنبوب.

ويتجاوز ثقل هذا المشروع القارة الإفريقية إلى جيرانها في أوروبا الغربية، فالكميات الكبيرة من الغاز النيجيري التي ستوجه للتصدير خلال السنوات القادمة ستعني تلقائيا تخفيف الاعتماد على الغاز الطبيعي القادم من روسيا، الذي يمثل ورقة ضغط بيد موسكو في مواجهة الاتحاد الأوروبي والتي برزت عدة مرات في السابق، أبرزها عند ضمها لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا ثم خلال مسلسل اغتيال معارضي الرئيس فلادمير بوتين.

ليس أول ولا آخر مرة

والملاحظ من خلال تعقب محطات الحضور المغربي في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة هو أن الأمر لا يتعلق بمناورة أو وضع استثنائي تتمتع به دولة دون أخرى، بل بخيار استراتيجي تتبناه الرباط في تعاملها مع جميع القوى المؤثرة داخل القارة السمراء، حيث تسير الاستثمارات جنبا إلى جنب مع العمل الدبلوماسي، في مسار نجح في فك العديد من التحالفات التي كانت مبنية على أسس أيديولوجية أو روابط تاريخية مع الجزائر تحديدا.

فتجربة الكونغو الديمقراطية مثلا تسير بدورها في هذا الاتجاه، إذ قبل أن تعلن كينشاسا عن افتتاح قنصلية لها بمدينة الداخلة يوم 19 دجنبر 2020، كان المغرب قد استثمر على أراضي هذا البلد الإفريقي ذي المساحة الشاسعة مئات الملايين من الدولارات في مجالات صناعة الإسمنت عبر "إسمنت إفريقيا" التابعة لمجموعة "الضحى"، وفي المجال المالي عبر البنك المغربي للتجارة الخارجية، وفي مجال المعادن عبر "مناجم"، بالإضافة إلى استثمارات أخرى في مجالات الزراعة والتأمينات والمنتجات الغذائية وغيرها.

ومثلت هذه الاستثمارات جدار صد قوي في وجه محاولات الضغط الدبلوماسي القادم من الجزائر، البلد الذي سجل هذا العام أعلى عجز في الميزانية العامة في تاريخه بـ22 مليار دولار، والذي لم يستطع إعادة استثمار عائدات النفط والغاز الطائلة في محيطه القاري تاركا المجال على مصراعيه لرأس المال المغربي، ما يفسر الاستقبال البارد لمساعيه بحشد الدعم لـ"البوليساريو" في الكونغو الديمقراطية ونيجيريا تحديدا وفي العديد من الدول الأخرى، والذي قد يتحول إلى صفعة أكبر في حال نجح المغرب من ترجمة الدعم السياسي الذي يحظى به حاليا لتعديل ميثاق الاتحاد الإفريقي، وشطب الجبهة من المنظمة القارية.

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...